شهادة الشيخ علي مغربي حول جمعية العلماء بعد الاستقلال
الأخضر رحموني

شهادة الشيخ علي مغربي حول جمعية العلماء بعد الاستقلال

بقلم: الأخضر رحموني-

أثناء انعقاد الملتقى الثاني للشيخ الطيب العقبي المنظم بقاعة الفكر و الأدب لدار الثقافة ببسكرة أيام 07 –08- 09 ماي 1997 تساءل أحد المتدخلين عن سبب توقف نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ فجر الاستقلال، وركون رجالها الى الصمت، وعن السر في عودة ظهورها سنة 1991 بعد تأسيس الجمعيات ذات الطابع السياسي والثقافي وصدور دستور فيفري 1989 .

وإجابة عن هذا السؤال  تدخل الرئيس الرابع لجمعية العلماء  الشيخ علي مغربي (1915- 1999) – وهو الذي كان له الفضل في جمع مادة مؤتمر جمعية العلماء المنعقد سنة 1935 من خطب وقصائد وصور ونشرها في كتاب سجل المؤتمر الصادر بالمطبعة الإسلامية الجزائرية بقسنطينة سنة 1935 – للرد بحماسة الشباب، فذكر أمام الحضور شهادته للتاريخ. وقد قمت لحظتها بتسجيل نقاط تدخله في أوراقي، وتعتبر هذه الحقائق من القضايا المسكوت عنها، والأمانة تقتضي أن تنشر بين الناس حتى يعرفها شباب اليوم، ويلمس بوضوح الصعوبات الكبيرة وثقل المسؤولية التي كانت ملقاة على رجال المبادئ الثابتة، قال:

إن تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورجالاتها كعموم الشعب الجزائري كانوا في طليعة من لبى نداء الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر  1954، ولم تسجل خيانة أي واحد منهم، فمنهم من استشهد في ساحات الوغى أو تم تعذيبه واغتياله ،يتقدم هذه الكوكبة من الشهداء الشيخ المربي العربي التبسي الذي لا يعرف له قبر يضمه، ومنهم من واصل المسيرة بعد نيل الاستقلال كل في ميدانه ومجال تخصصه، رغم الضغوط والتهميش والعراقيل .

ويضيف : بعد  حصول الجزائر على استقلالها مباشرة، اجتمعنا خلال ثلاثة أيام متتالية، وحررنا عريضة تطالب بعودة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الى نشاطها التربوي والدعوي السابق، وقد أرسل وفد الى مدينة تلمسان للاتصال بممثلي الحكومة التي تأسست تحت رئاسة السيد أحمد بن بللا، فكان الجواب الرسمي (لا يمكن عودة جمعية العلماء لمواصلة رسالتها التوجيهية تحت هذا الاسم، على غرار الأحزاب السياسية الأخرى، والظروف السياسية تحتم أن تكون جبهة التحرير الوطني هي الواجهة التي تتكفل بهذا الدور في جميع المجالات، وهي الإطار الجديد الذي يعمل تحته الجميع)، لهذا توقف نشاطنا اضطراريا، ولم نحاول خرق القوانين المعمول بها و نحن في أولى خطوات العهد الجديد .

وبعد رجوع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي من المشرق الى الجزائر، كنت شخصيا ضمن وفد ضم حوالي 12 فردا في استقباله بمحطة القطار، ولما  لم يخصص له مسكن – وهو الذي سافر وجاب الأقطار العربية والإسلامية من أجل التعريف بالقضية الجزائرية العادلة والدفاع عنها وكسب التأييد – طلبنا من الحكومة أن توفر له مسكنا يليق بمكانته الإصلاحية وقيمته العلمية، وبعد مدة طويلة منح له مسكن في الطابق التاسع من عمارة تقع بحي سان توجان – بولوغين حاليا – وهو المتقدم في السن والأعرج من رجله .

وقد دعانا الشيخ الإبراهيمي للاجتماع لمعرفة ودراسة الأوضاع الجديدة بالبلاد، فلم يحضر هذا الاجتماع سوى خمسة أعضاء من المجلس الإداري للجمعية .

كنا نسعى باستمرار للاتصال بأول رئيس للجمهورية الجزائرية بغرض طرح تصوراتنا لمستقبل البلاد و آفاقها، غير أننا كنا نواجه في كل مرة بالرفض، و حتى موظفو وزارة الأوقاف لم يستطيعوا الاتصال بالرئيس أو محادثته .

قبل التعددية الحزبية والانفتاح السياسي الذي عرفته الجزائر سنة 1989 ، كانت أصوات تغالط الشعب الجزائري، وتهاجم رجالات جمعية العلماء، وتتجني على مواقفها جهارا في وسائل الإعلام المختلفة التابعة للدولة ،ولا أحد من أعضاء الجمعية يستطيع الرد عن الشبهات أو تفنيدها في نفس الوسائل . ويصدق علينا ما قاله الشاعر العربي :

الحمد لله على أنني

كضفدع في وسط اليم

إن هي قالت ملأت حلقها

أو سكتت ماتت من الغم .

وفي فترة مرض الشيخ الإبراهيمي واشتداده ، ذهبت شخصيا الى مقر الإذاعة الوطنية، وطلبت من المسؤولين عليها الإعلان عن خبر مرضه، فكان الرد منهم ( يجب أن نعلم السيد الرئيس أولا ). وكان مسافرا يومها في زيارة بمدينة عنابة، ةبعد الاتصال به، أجابهم : ليمت .

وفي وفاة الشيخ الإبراهيمي في 19 ماي 1965  ذهبنا للإذاعة مرة أخرى لتبليغهم بالخبر ونشره، استقبلنا السيد عيسى مسعودي، وطمأننا بأنه سيبث خبر الوفاة ليصل عبر أمواج الأثير الى أكبر عدد من أفراد الشعب، والى الأقطار العربية ، وهو يعلم مسبقا أنه سيعزل من وظيفته، وهو ما حدث حيث تم عزله في قادم الأيام .

جمعية العلماء عادت من جديد الى مسيرتها الرائدة رغم نقص الإمكانيات المادية و الوسائل، ولها نية خالصة وعزيمة قوية في مواصلة المشوار الذي بدأته منذ تأسيسها يوم 05 ماي 1931 بنادي الترقي بالعاصمة على أساس المنهج الذي رسمه رئيسها الأول الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه من رجال الإصلاح ،مع مراعاة ظروف الواقع الجديد ،و تحقيق الأهداف التي سطرها الجيل الأول منها ليبقى التواصل بين الأجيال .و إني استبشر خيرا عندما أسمع محاضرات اليوم لشبابنا ،أو أقرأ بحوثا علمية و تاريخية في حق رجال و طلبة الجمعية، وعن دورها البارز و المشهود في المحافظة على المقومات الأساسية  للشخصية الوطنية.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.