شهر رمضان المعظم وذكرى غزوة بدر
بقلم: سعيد البيباني-
لقد كان لهذا الشهر المبارك أثر عظيم، في نفوس المسلمين، لماله من الأسرار البليغة، والمعاني الجليلة ، ولماله من الهيمنة والسلطان على قلوب المؤمنين، وأرواح المخلصين، فهو شهر عظيم، ممتاز بين الشهور. ياله من شهر! يهذب النفوس، ويربي العقول، ويمرن الأبدان، وينفي الأمراض الحسية والمعنوية من العباد، فلا ينقضي هذا الصيام السعيد، حتى يترك الصائمين طاهرين من جميع الخصال الذميمة، وقد تحلوا بأخلاق قرآنية إسلامية شريفة، فيالها من نعمة الاهية على المسلمين، يجب عليهم شكرها، وما شكرها إلا بالقيام بإحياء شعائر الدين، وتمجيد ذكريات الاسلام، وتخليد تاريخ المسلمين، بناء للهمم، وإستعداد للنهوض بالأمم .
ولقد وفق الله جمعية العلماء الحارسة لمجد الاسلام، وحفظ لغة القرآن بهذا الوطن ، لهذه الناحية، فأحسنت إلى الأمة صنعاً بتعيين رجالها المرشدين ليقوم كل منهم بإلقاء دروس الوعظ والارشاد، في مراكزها ومدارسها في أنحاء القطر الجزائري، ومن حسن حظ سكان باتنة أن عينت لهم ذلك الاستاذ الجليل الشيخ أحمد حسين أحد شيوخ المعهد لتأدية هذا الواجب، فكانت أيام رمضان ولياليه كلها فياضة بالعلم، عامرة بدروس الوعظ والارشاد، كل ذلك من الكتاب والسنه.. يتداول على هذه الدروس النافعة، رجال عظام، صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه، منهم الاستاذ الحازم الشيخ طاهر الحركاتي الامام الحر بمسجد باتنة والاستاذ الشيخ طاهر شليحي أحد المدرسين بالمسجد في هذا الشهر الميمون، والاستاذ الشيخ أحمد حسين الآنف الذكر، المبعوث من طرف جمعية العلماء معززا ومؤيداً لإخوانه رجال العلم والإصلاح في هذا الشهر.. إذ أن دروس هذا الأخير لم تقتصر على مدينة باتنة فحسب، بل قد زار عدة قرى بضواحيها. ولقد كانت ليلة مباركة من هذه الليالي العظيمة، هي ليلة 17 رمضان بإحياء ذكرى غزوة بدر الكبرى بالمسجد بباتنة. كانت هذه الليلة من أبهر وأجمل ليالي رمضان بحق.
وقد أقبلت الامة الباتنية إقبالاً عظيماً على هذه الدروس القيمة وزاد اقبالها في هذه الليلة حتى إمتلأ الجامع ورحابه مع سعته، وبقي الكثير من المصلين خارج المسجد
وكان موعد الشروع في الاحتفال بهذه الذكرى الساعة العاشرة ليلاً بعد صلاة التراويح، ولم تدق الساعة المعينة حتى كان العلماء وبعض تلاميذ المدرسة والمعهد أمام الجمهور الغفير في الصف الأول لدى المحراب. ففتح الجلسة الشيخ الطاهر الخركاتي يدرس في تفسير قوله تعالى: يسألونك عن الأنفال.. إلخ. ثم تلاه الشيخ الطاهر شليحي فدرس للحاضرين عن مزايا العلم والاتحاد وحثهم على الانتفاع بدروس الاساتذة في كل مناسبة. ثم إرتجل كاتب هذه السطور كلمات بين فيها بعبارة وجيزة مغازي ذكريات الرجال والأيام، ومقاصدها عند الامم الحية، وشرح للجمهور ثمرات هذه الذكريات في بناء صرح الأمم، وكيف تعتز بماضيها.. وبعده قام الشيخ أحمد فروج واعطى نبذة للمستمعين في سيرة الرسول واصحابه وبين لهم السر العظيم في نجاحهم ونصر الله لهم على المشركين أعداء الإسلام .
ثم قام الشيخ محمد العوبي فخطب خطابًاً بليغاً ألم فيه بموقع بدر الجغرافي وتاريخ وقوع هذه الغزوة، وقال إن العقيدة الصحيحة هي السبب الوحيد في انتصار المسلمين .
وعلى اثره قام التلميذ محمد الشيوخ أحد تلاميذ مدرسة باتنة سابقاً والمعلم الآن بالمعهد، فألقى خطبة قيمة كلها عبر ، ثم التلميذ صالح عقون فألقى خطبة استلفت فيها انظار الجماهير إلى أهمية التعليم ومكانته في تاريخ الإسلام وذكرهم بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وحكمه على أسارى بدر بافتداء أنفسهم بتعليم كل واحد منهم عشرة من أبناء المسلمين، وحينئذ قام الاستاذ البليغ الشيخ أحمد حسين فأرتجل خطاباً مليئاً بالحكم و العبر تكلم فيه عن روح الاسلام الصحيح وذكريات المسلمين المجيدة مقتبساً ذلك من الآية الكريمة.. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة.. إلخ ولقد حاز خطابه استحسانا بليغاً في نفوس السامعين وخرج الناس بعد انتهاء الحفلة بكل نظام، وألسنتهم ثناء على أعمال جمعية العلماء واعترافا لها بجميل فعلها بإحياء هذه الأعياد القومية الباعثة للشعور والدافعة للعمل في حقل جمعية العلماء حقل العروبة والاسلام .
المصدر: البصائر الجمعة 25 جويلية 1949.