شهر الصيام: قصيدة مجهولة للشاعر محمد العيد آل خليفة

بقلم: الأخضر رحموني-

يحل علينا شهر رمضان الفضيل هذه السنة، والجزائر كبقية دول العالم تقاوم وباء كورونا (كوفيد 19) الذي انتشر في العالم وقضى على الآلاف من البشر، رغم الاحتراز وبقاء السكان في الحجر الصحي وقاية من الانتشار السريع والإصابة بهذا الوباء الخطير، وقد كان شهر رمضان يُستقبل بحفاوة بالغة ابتهاجا بقدومه من طرف الشعراء والكتاب قديما وحديثا.

والمتصفح للمدونة الشعرية الجزائرية يلحظ عدم خلو أي ديوان شعري - خاصة لشعراء الحركة الإصلاحية في الجزائر - من قصيدة ترحب بقدوم هذا الشهر الكريم، كما كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تسهر على الاحتفاء بكل المناسبات الدينية في المساجد والنوادي و المدارس التعليمية كالأعياد، وموسم الحج، وليلة المولد النبوي الشريف، ونزول القرآن والهجرة النبوية الشريفة وغيرها من المناسبات ،حيث كان الشعراء يتبارون فيها لاستنهاض الهمم والافتخار بتاريخنا المجيد، وهي من الفرص للالتقاء بالجماهير و لدور الشعر في تخليد المناسبات، وما يتركه من أثر إيجابي في نفوس المتلقين، ومنها قصيدة * شهر رمضان * للشاعر الجزائري الكبير محمد العيد آل خليفة التي نشرت في جريدة (الصديق: 1920-1922) لصاحبها محمد بن بكير التاجر بالعدد 36 الصادر يوم الإثنين 22 رمضان 1340 الموافق ل 30 ماي 1921 بتوقيع محمد العيد بن حم علي التلميذ ببسكرة، مع العلم أن والد الشاعر الشيخ محمد على خليفة كان من مقاديم الطريقة التيجانية بمدينة بسكرة في تلك الفترة.

تعتبر هذه القصيدة من قصائد الشاعر المجهولة، حيث لم تدرج ضمن ديوانه الشعري الصادر سنة1967 عن وزارة التربية الوطنية ،أو في النسخ المصورة منه الصادرة سنوات 1979 و 1992 و 2010، أو كتاب (العيديات المجهولة) جمع وتحقيق ودراسة الدكتور محمد بن سمينة الصادر سنة 2003 عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، ما عدا نشر مطلع القصيدة بالصفحة 211 و الإشارة في الهامش إلى أن بعض معارف الشاعر بمدينة بسكرة قد أفاده بأن هذا البيت هو مطلع عمل كان الشاعر قد نظمه في مطلع حياته.. كما لم نعثر عليها في (الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر محمد العيد آل خليفة أمير شعراء الجزائر و الشمال الإفريقي) جمع و تحقيق الأستاذ باسم بلام الصادر سنة 2017 عن دار الصديق في ثلاثة أجزاء. وحرصا منا على جمع الأشعار المجهولة للشاعر محمد العيد آل خليفة الذي قال عنه الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي (رافقَ شعره النَّهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كلِّ نواحيها، وفي كلِّ طورٍ من أطوارها، وفي كلِّ أثرٍ من آثارها، القصائد الغرّ، والمقاطيع الخالدة.) وخدمة للتراث الأدبي الجزائري، نعيد نشر قصيدة ( شهر الصيام) لأول مرة كاملة في هذه المناسبة الدينية المباركة بعد 99 عاما من كتابتها على موقع - أصوات الشمال- ،على أمل أن تدرج ضمن شعره المستدرك من طرف المهتمين، خاصة و أن المرحوم الدكتور محمد بن سمينة يعترف في كتابه (العيديات المجهولة) صفحة 23 أن مصنفه لم يجمع كل نتاج الشاعر المجهول، وطالب بالبحث المتواصل للوصول الى مضان بقية القصائد ونشرها إحياء لذكرى الشاعر.
القصيدة تقع في 23 بيتا على بحر البسيط، وهي لا ترتقي في نضجها الفني إلى مستوى قصائد الشاعر المعروفة والمتطورة فنيا، ومنها قصيدة أخرى تحمل نفس العنوان ( شهر الصيام) منشورة بالصفحات 142 إلى 145 من الديوان، و تعد من أطول القصائد الرمضانية، وقد بلغت أبياتها ثمانين بيتا ،جاء في مطلعها :

أطل على البرية بالسلامِ *** ولُحْ باليمن يا شهرَ الصيامِ

ويبدو حقيقة أن قصيدة ( شهر الصيام ) من القصائد التي كتبها الشاعر محمد العيد آل خليفة في بداية ولوجه عالم الشعر، فهي تقليدية، ذات أسلوب خطابي وتنحو منحى المنظومة الوعظية، بسيطة في ألفاظها مع تكرار بعض الكلمات ( العلم ، الجهل ، الدين ، أسلافنا ، أمة..) ،مع افتقارها إلى الصور الخيالية، و هي سليمة عروضيا إلا أن الشاعر يستعمل الجوازات ، وقد تكون هذه الأسباب هي العامل في امتناع الشاعر من نشرها في ديوانه، كما يمكن تفسير ذلك بنسيانها من طرفه لعامل السن والذاكرة التي لم تعد تسعفه ، أو لعدم الوصول الى مصدرها الأصلي من طرف أعضاء اللجنة الأدبية المشكلة لجمع ديوانه بأمر من وزارة التربية .. والقصيدة تعالج قضية دينية اجتماعية، فهي تحث شباب الأمة العربية الصاعد على طلب العلم والابتكار، والابتعاد عن الظواهر الاجتماعية السلبية التي فتكت بالشعب الجزائري خلال المرحلة الاستعمارية ، وتدعوه إلى التمسك بعقيدته الإسلامية السمحة ومقومات الدين الحنيف، مع الإشادة بأسلافنا واستحضار مواقف تاريخية خالدة من أجل استنهاضه، والإقلاع من جديد نحو الرقي و التطور .

نص القصيدة 🙁 شهر الصيام )

شـــــهر الصــــــــيام أتى يا أمة العرب *** وأنتــــــــم في سبيل اللهو و اللعـب
تركتم واجــــــــبات الدين مــــــع سنن *** وخضــــتم في بحار الغي و العـطب
أضعتم العمر في فــــــــــــــسق بجهلكم *** وملــــــتم لمــــــقال الزور والكــذب
مساجد الله تشكو الدهـــــــــــــر هجركم *** وأنتـــــــــم بنوادي اللهو في طـرب
تركتم الدين و القـــــــــمار أشــــــــغلكم *** ما هــــكذا قالت الأسلاف في الكتب
أسلافنا شيدوا البنــــــــيان و اعتصموا *** بحـــــبل ربــــــــــــــهم بغاية الأدب
أسلافنا رفعوا أســــــــــفار دينـــــــــهم *** بالعـــلم و الحزم نالوا منتهى الأرب
أسلافنا امتـــــــــــــــــثلوا لكل ما أمروا *** به، من الصدق والآيات و الخــطب
هـــــــــذي مآثرهم تنــــــــــــــبي بأنهم *** لهــــــم بأوج العلا مـــــفاخر الرتب
بالعلم سادوا و شادوا الدين و اجتهدوا *** لمحق آثار كـــــل الجـــــهل والريب
العلم بصرهم عــــــــــــيبا وأكســـــبهم *** شــــــهامة حـــــقة كالسبعة الشهب
العلم يحيــــي القلوب و هـــي مــــــيتة *** والجهل يفضي إلى الأكدار والنصب
فصاحب العلم فــــي الدارين مغتــــــبط *** وذو الجـــهالة من دعا إلـــى العطب
بالعلم فليفتــــــــخر مـــــن شاء جاز له *** فالفخر بالعــــلم لا بالمال و الحسب
بالعلم ثوبك طـــــهر وارق واسع و كن *** بالكــــد والجــد والإلحاح في الطلب
و اعرض عن الجهل إن الجهل صاحبه *** عبد، ولو كان مــنه الناس في رهب
فالجــــهل داء عـــــــــــضال لا دواء له *** و العـــلم أفضل موهوب و مكتسب
بون بعــــــــــــــيد و فرق بين ذاك و ذا *** (فالحـــنظل المر لا يقاس بالرطب)
يا أمة الدين كـــــــم و أنـــــــتم في عدا *** و فــي هوان و في ذل و في غلب
مالي أرى الجهل عـــــم القطر فابتدروا *** لنـــشر ديــــن النبي الطاهر النسب
الى مـــــــــــــتى ذا السبات طال نومكم *** قــــــــد آن أن تقلعوا كثاني الحـجب
فامسحوا بالهـدى كحل العـــــــماية من *** أبصاركم كم لكم في العشو من حقب
شهر الهــــــــدى قـــــــد بدا هيا لدينكم *** واستمـــــــدحوا الله عفوا أمة العرب

* محمد العيد بن حم علي

- التلميذ ببسكرة -

 

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.