الأمير عبد القادر كان مولعا بالرياضة والشعر وقراءة القرآن وهكذا كان يجمع بن باديس ورجاله بين العبادة والإصلاح في رمضان
بقلم: صالح سعودي-
اتصفت حياة رجالات جمعية العلماء المسلمين بالجدية والنشاط في شهر رمضان وفي بقية أشهر العام، وفي مقدمة ذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس، فقد كانوا جميعا من حفظة كتاب الله، ومن خريجي جامع الزيتونة أو الأزهر، ما مكنهم من إفادة الناس بدروس رمضانية في التفسير والسيرة والوعي وحسن التوجيه، وكان بذلك شهر رمضان بالنسبة إليهم مناسبة لمضاعفة جهود التوعية والإصلاح موازاة مع الصيام والحرص على العبادات.
يبدأ اهتمام الشيخ عبد الحميد بن باديس بالشهر الفضيل قبيل أيام من حلوله، حيث كان يحرص على ترقب هلال رمضان وتوحيد الأمة في شهر الله كما كان يسميه، وحسب تصريحات سابقة لشقيقه عبد الحق فإن الشيخ عبد الحميد بن باديس كان يصلي صلاة المغرب في مسجد سيدي قموش، قبل أن يعود إلى المنزل ليجتمع مع أفراد العائلة حول مائدة متنوعة، خاصة أن والدة الشيخ تتقن الأطباق اللذيذة ذات النكهة القسنطينية، مثل شباح الصفراء والمحور والحلويات النادرة مثل طمينة اللوز والقطايف وغيرها، وقد صلى الشيخ عبد الحميد بن باديس بالناس التراويح وعمره دون الثالثة عشرة في الجامع الكبير بقسنطينة، وحوّل جريدتي المنتقد والشهاب إلى منبر لشرح معاني رمضان، كما كان يُكرم التلاميذ القادمين من مناطق نائية بقفة مليئة بالمأكولات التقليدية ومختلف الأطعمة. كما كان همه زيادة وتيرة التدريس في رمضان، حيث رفعها في آخر صيام له إلى أربعة دروس يوميا، وشكل ذلك إرهاقا له، وقد يكون سببا في وفاته وهو في العقد الخامس من عمره، ويؤكد الأستاذ عبد الحق بن باديس في تصريحات سابقة لـ”الشروق” بأنه كان في عمره 19 سنة حين قضى آخر شهر رمضان مع شقيقه الشيخ عبد الحميد بن باديس. أما بخصوص الأمير عبد القادر فيقول المؤرخ والكاتب البريطاني تشرشل بأن الأمير الجزائري كان يقضي نهار رمضان في الرياضة وقراءة القرآن الكريم الذي حفظه كاملا وهو دون سن العاشرة، ويقضي الليل في صلاة التراويح والتصوّف وكتابة الشعر والنثر، وكان رمضان بالنسبة إليه شهر عمل وعبادة وإبداع.
التبسي والورتلاني وبن نبي.. بين الإصلاح والترحال
وكان شهر رمضان بالنسبة لرجال جمعية العلماء المسلمين مجال للعمل والعبادة والإصلاح والترحال أيضا، حيث أن الشيخ العربي التبسي لم ينعم بالصلاة بالناس في التراويح، بسبب كثرة الحط والترحال من مدينة إلى أخرى، أما الشيخ فضيل الورتلاني فقد كان حريصا بدوره على استغلال هذا الشهر الفضيل، وكان وفيا لمدينة قسنطينة منذ أن حل بها عام 1928، ولم يغادرها إلا في رحلاته العالمية أو الاضطرارية، حيث قضى آخر رمضان في مدينة أنقرة قبل وفاته شهر مارس 1959، علما أن الورتلاني قضى رمضان في عدة دول، مثل الكويت والبحرين وإيران وباكستان وحتى اليونان وسويسرا والبرتغال. أما المفكر مالك بن نبي فقد أرّخ لأيام رمضانية قضاها في باريس عندما انتقل لدراسة الهندسة، أما قبل 1925 فكان يقضي رمضان بين قسنطينة موطن والدته وتبسة المدينة التي عاش فيها والده، فيما قضى شهر الصيام مرتين في القاهرة، كان ذلك عامي 1956 و1957، وكان رمضان بالنسبة لمالك بن نبي هو شهر العمل والإيمان، بدليل أنه كان يحرص بعد الاستقلال على تحويل توقيت ندواته الفكرية إلى الفترات الليلية حتى تكون المنفعة أعم.