جمعية العلماء وثقافة المواطنة
بقلم: أ.د. عبد الرزاق قسوم-
على سفوح الهضاب العليا المخضرة، حيث أخذت الأرض زخرفها وازينت، فتعانق الحسن والجمال على ربى موطني. وتحديدا في مدينة «بوقاعة» إحدى بلديات سطيف العالية والغالية، حيث امتزج جمال الطبيعة المعدنية بجلال الفطرة البشرية، وبدعوة كريمة من شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين البلدية، وبمباركة من الشعبة الولائية للجمعية بسطيف، انعقد ملتقى وطني، بتاريخ الجمعة والسبت 12- و13 من شهر شوال 1443 هـ الموافق لـ 13 و14 من شهر مايو 2022م.
كان موضوع الملتقى جذابا يضرب بعمق في واقع طموح وتطلعات شعبنا الجزائري العربي المسلم، ذلك هو موضوع «ثقافة المواطنة» الذي عرف إنزالا ثقافيا وطنيا متميزا، من خيرة الباحثين الأكاديميين، والدارسين الجامعيين، إضافة إلى العلماء العاملين من قيادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ويضيق المقام، لو أننا حاولنا أن نذكر كل مكونات الملتقى، وأسماء المؤطرين له علميا وتنظيميا، ولكن يكفي أن نقول في حقه أنه جسد ثقافة المواطنة، علميا، وسياسيا وعمليا.
فقد وفق القائمون على الشعبتين البلدية والولائية، في انتقاء صفوة من الباحثين الأكاديميين المتميزين، من أمثال الأساتذة محمد الهادي الحسني، وعمار جيدل، وحسن خليفة، وعبد القادر سماري، وبدر الدين زواقة، وموسى ميلي، ومراد مولكاف، وفاروق رايس، وعبد الحفيظ بن يلس، وسليم الوافي، وغيرهم ممن لم يسعفني الحظ بالحفاظ على أسمائهم.
كان اللقاء بحق مهرجانا علميا، أرادت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، من خلاله تدقيق وتعميق مفهوم المواطنة، وانعكاساته على سلوك شعبنا الجزائري، حكاما ومحكومين.
ولقد تبين من خلال الدراسات المستفيضة التي تميزت بها بحوث الحاضرين، أن ثقافة المواطنة، شأنها شأن ثقافة الإيمان، تزيد وتنقص، بحسب ما تحظى به من عوامل التكوين، وضمانات الصيانة، ومقومات الرعاية.
فمن مميزات المواطنة أنها، كما تدل عليها صيغة بنائها اللغوي، تفيد المفاعلة التي تعني المطاوعة، والمساكنة، والمعايشة، والمسامحة وكلها أسس متينة لضبط مفهوم ثقافة المواطنة.
وبالعودة إلى تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما جسدت ذلك أدبيات علمائها، يتبين لنا كيف أن علماءنا الماهدين كان لهم السبق، في تجسيد هذه الثقافة في منهجية دعوتهم الإصلاحية للنهوض بالوطن، في زمن، كانت كل الوسائل الاستعمارية مسلطة على المواطنين لإخراجهم من دائرة المواطنة ووضعهم في خانة «الرَعايا».
نجحت جمعية العلماء –إذن- في دغدغة مشاعر المواطنين، بالقيم الدينية، والمبادئ الوطنية، في إيقاظهم من سباتهم، وبعثهم في رحلة نحو الحياة الحرة الكريمة، فكان التمهيد للثورة المباركة، وكان الإعداد لبناء الجيل الزاحف بالمصاحف، لمقاومة العدو الغازي الزاحف كالسلاحف.
وما أكد عليه مختلف المتدخلين في محاضرتهم وخاصة في ضوء ما يعيشه الوطن الجزائري من تحولات هو أن ثقافة المواطنة، إذا أحسن تعريفها، وتأصيلها، وتجسيدها، في هذا الزمن الذي لا يخلو من الرداءة الفكرية، والردة الوطنية، أن ثقافة المواطنة هذه، بعد تخليصها من رواسب الغزو الفكري والثقافي، هي البلسم الناجع، الكفيل بتصحيح المفاهيم، وتحصين الذات، واستعادة الوعي لهذه الذات الحضارية، الثقافية الإسلامية.
نقول هذا، في ضوء هذه المحاولة الناجحة لزرع ثقافة المواطنة، وفي ظلال ما يقدم على الساحة من تلويح بثقافة لم الشمل، وهي كلها محاولات تتشابك، للنهوض بالوطن والمواطن، ووضع الأسس الصحيحة لتشييد الجزائر الجديدة، الخالية من الرواسب القديمة، والمتحررة من بعض المكبلات البالية، مثل تصنيف الناس وفرزهم على أساس إيديولوجي، أو إقصائهم أو تفضيلهم على قاعدة الولاء.
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قد ضربت أروع المثل منذ نشأتها، إلى اليوم، في الدعوة إلى التعايش بين مختلف المواطنين على أساس التسامح، وأدب الاختلاف، ومد الأيدي الطاهرة النظيفة، لبناء الوطن، وتمكينه من تحقيق الرفاهية، والاستقرار، والنمو الشامل.
كما أن جمعية العلماء، تبقى الرقم الهام في المعادلة الوطنية الكاملة، والتي إن أُغفلت أو أُقصيت فستصاب المعادلة بالخلل، التعلموجي، والعطب التكنولوجي.
بهذه المعطيات كلها، نقول بأن ملتقى «بوقاعة» بسطيف، قد جاء في الوقت المناسب، وأنه مثّل إيقاظا للمشاعر، وإحياء للضمائر.
ولقد أعان على نجاحه، حسن التصميم، وحفاوة التنظيم، وواقعية التقويم، مما مثّل قاعدة للبناء القويم السليم.
إن مؤتمر ثقافة المواطنة، قد كان بمثابة اللبنة الصحيحة، في جدار البناء الوطني الشامل، ودلل على نجاعه وكفاءة النخبة المثقفة، ولاسيما الجامعية منها، بفضل ما تتحلى به من سعي ووعي، لتحقيق الرقي، والمطلوب من القائمين على الشأن الوطني، الاستعانة بهذه الصفوة العلمية في مختلف مراحل ومستويات البناء، ذلك أن المثقفين الواعين، الملتزمين بقضايا الوطن كانوا، وسيظلون صمام الأمان، في كل بناء وإعلاء:
فاشـْـهـَـدِي يـَا سـَـمـَـاءْ °°°° وَاكْتُبَنّْ يَا وُجُودْ
أَنــَّــنـــَــا لـِـلـْـحــِـمـَـى °°°° سَنَكُونُ الـْجـُنـُودْ