في الذّكرى الواحدة والتّسعين لتأسيس أمِّ الجمعيات
بقلم: إبراهيم بن ساسي-
حين وضعت أربعين (40) جهاز تنفس أمامَ أحد الولّاة أيام وباء كورونا سألني ذلكم المسؤول: ما اسم جمعيتكم؟
فابتسمت وقلت:
ألا تعرف سيدي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية ابن باديس والإبراهيمي والتبسي!!!
فاستدرك يقول : بلى أعرفها … أعرفها … فعقّبت قائلا : [ هذه جمعية العلماء المسلمين بالأمس وقفت مجابِهةً الاحتلال الفرنسي الصّليبي حمايةً للشّعب الجزائري من كلّ محاولات الفسخ والمسخ بالعلم – تربيةً ووعياً وخدمات –
■ واليوم كما ترى تقف في خندق واحدٍ ضدّ هذا الوباء العالمي القاتل متضامنةً مع الشّعب الجزائري بتقديم 5200 حقيبة جهاز تنفّس وعتاد طبّي آخر دخلت به أروقة جميع مستشفيات القطر الجزائري الفسيح فأنقذت بمشيئة الله مئات الأرواح والحمد لله!] ■ ولا تزال جمعية العلماء الجزائريين ممثّلة في رئيسها ومكتبها الوطني وشُعبها الولائية تخوض حروبها ضدّ آثار الاحتلال من أميّة وقبلية وعنصرية وكلّ الآفات والحملات التغريبة منادية الشّباب بنداء مؤسّسها
يا نشءُ أنت رجاؤنا *** وبك الصّباح قد اقترب
خذ للحياة سلاحها *** وخضِ الخطوب ولا تهب
■ وظلّ علماؤها عبر التّاريخ سبّاقين لكلّ أنواع الخطوب فطالهم القهر والتّشريد والقتل البشع، بل وأُذيب عظامُ بعضهم في أحواض الزّيت المغلي كما حدث للعلّامة الشّهيد العربي التبسي رحمه الله، فما لانوا ولا استكانوا ولكنّهم اجتمعوا على لؤلؤة من لآلئ قائد نهضتهم :
فإذا هلكت فصيحتي *** تحيا الجزائر والعرب
■ 91 سنة تمرّ على تأسيس هذه الجمعية التي ملأت صفحات الكتب والمكتبات بالحقائق والشهادات بلغات العالم المختلفات مؤكّدةً دور علمائها وجهادهم لتحيا الجزائر حرّة مستقلّة
■ يقول المفكّر الفرنسي فرانسيس جانسون موضحاً دور علماء الجمعية: [إنّ الحركة الباديسية أحدثت إصلاحاً شاملاً ممّا وصل الإسلامَ بعد تخلّفه من التّخريب والتّشويه ، كما عملت على تعميم الثّقافة الإسلامية بإنشاء مدارس تتولّى تعليم اللّغة العربية ونشرها في الجزائر ممّا أقلقَ السّلطات الاستعمارية التي كانت تستخدم قلّةً من رجال الدّين المأجورين قاصدةً أن تجعلهم وسيلةً لتخدير الشّعوب]
■ وظلّ علماء الجمعية يحذّرون من سموم الاحتلال وفكره الذي حاول أن يستقطب عقول الجزائريين مركِّزاً على تغريب اللسان العربي وحرمانه من جمال لغة قرءانه ومحاربة لغة الضّاد ومعلميها ومدارسها يفعل ذلك ضرباً للنّاقل ليبطل المنقول بزعمه ولكن هيهات هيهات!
■ يقول الرّئيس البشير الأبراهيمي في صيحة من صيحاته: (يا معشر الجزائريين إنّ الاستعمار كالشّيطان الذي قال فيه نبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم : ( إنّ الشيطان يئس أن يُعبد في أرضكم هذه ولكنّه رضي أن يُطاعَ فيما دون ذلك، فقد خرج من أرضكم ولم يخرح من ألسنتكم كما لم يخرج من قلوب بعضكم فلا تعاملوه إلاّ فيما اضطُررتم إليه وما أُتيحَ للضّرورة يُقدّر يقدرها!)]
■ وممّا يؤسفُ له أنّ نجد كثيراً من آثار هذا الشّيطان لا تزال في ألسنة وأقلام أهلنا حتى أن بعض حاملي فكر الجمعية يزيّنون كتاباتِهم وصفحاتِهم وإعلاناتِهم وإمضاءاتِهم بلغة فولتير ويتعامون تاركين حروف كتاب الحكيم الخبير!
■ وأمام هذا الإرث الحضاري المميّز الذي شهد به القاصي والدّاني من بلاد الأوراس الأشم إلى جاكارتا والفلبين فإنّ الجمعية ورغم الدّور الذي تؤدّيه شُعَبُها الولائية من تعليم قرءان ولغة وعلوم شرع وبثّ لوعي وفكر وسطي يخدم الوحدة العقدية والمذهبية وينبذ الغلوّ والتطرّف ويحارب الإرهاب الفكري والجسدي وكذا نصائحها وبياناتها ورؤاها الرّاشدة وخدماتِها التّربوية والفكرية والإصلاحية والاجتماعية فإنّها لا تزال تعاني بعض الضّيم بحرمانها من ممتلكاتها الوقفية في كثير من الولايات وكذا التّضييق على بعض نشاطاتها ونشطائها
وحرمانها أيضا من حقوقها كجمعية وطنية فاعلة بدليل أنّها لا تزال تطالب إلى اليوم بعد ستة عقود من الاستقلال سلطات البلاد بمقر وطني يناسب مقامها وعطاءاتها مقارنةً مع تشجيعٍ وتأييدٍ تناله جمعياتٌ ليس لها خبر ولا أدنى أثر!
■ وممّا لا يختلف فيه اثنان أنّ جمعية العلماء المسلمين أمّ الجمعيات في الجزائر تُصنّف اليوم من أهمّ المكتسبات التّاريخية في الجزائر وعليها يجتمع الشعب الجزائري لما لها من رمز جهادي وبعد روحي وأثر حضاري لا تزال أنواره متلألئةً في سماء المغرب العربي كرائد من رواد الحركات التّحريرية للعقول والأوطان
ولا تزال الأجيال هنا وهناك تتّخذ منه نبراسا وضّاءً في مجالات بحوثها حول تاريخ الحركات الوطنية وخاصّة الثّورة الجزائرية التي ساهمت بتكوين للإطارات العلمية والثورية المفجّرة لها ووقفت ترعاها إلى أن رفرفت راية الاستقلال خفّاقة ليستيقظ الجزائريون على زغاريد النّساء وأهازيجهنّ: (يا محمّد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك)
■ فرحم الله علماء الجزائر الأفذاذ ومجاهديها وشهداءها البواسل
■ واللهَ نسأل أن يوفّق الأجيال لتحمل المشعل مواصلةً العطاءات مستكملةً المسار مقتفيةً الآثار وحاديها قول رائدها :
شعب الجزائر مسلم *** وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله *** أو قال مات فقد كذب
وأنيسها قول رئيس من رؤسائها : (نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة!)