الحر لا يحرّر
بقلم: محمد الهادي الحسني-
دعا أحد الذين يعيشون في الجزائر بأجسامهم، ويعيشون وراء البحر بأرواحهم وعقولهم، دعا في كلمة نشرها في جريدة تصدر وراء البحر إلى ما سماه “تحرير جمعية العلماء من مغتصبيها”.
لو قال هذه “الهدرة” شخص يعتدّ لـ”هدرته”، ويؤبه لها لاهتم لها أبناء جمعية العلماء، ولنفروا لتحريرها خفافا وثقالا، جميعا وأشتاتا، أما وأن جمعية العلماء ولدت حرة، وأنشأها أحرار، فإن “هدرة” هذا الشخص من سقط الكلام، وأن قائلها أولى الناس بأن يحرر نفسه أو يحرره غيره، إن كان “قابلا للحرية وللتحرير”، لأن ما يعرفه الناس عن صاحب هذه “الهدرة” هو من العاكفين على “عبادة” الغرب، استرضاء له، واستظهارا للاستعداد للاستخدام، مقابل فسح المجال له ليكون شيئا مذكورا تحت عنوان “الحداثة” .. و”أدب اللا أدب”.
إن ما دفعنا إلى الرد على هذه “الهدرة” هو أن الناس غير المتصلين بأعضاء جمعية العلماء، وغير المطلعين على أدبياتها – القديمة والمعاصرة- قد يغترون بهذه “الهدرة” البعيدة عن الصدق بعد السماء السابعة التي تؤوي “جمعية العلماء” عن الأرض السابعة التي تؤوي صاحب هذه “الهدرة”.
إن جمعية العلماء أسسها أماجد الرجال، الذين رفضوا أن يكونوا أجراء عند فرنسا، وأبوا أن تكون عقولهم مرتعا لجراثيم الفكر الفرنسي والغربي عموما، وهو الفكر الذي سماه الأستاذ الحر مالك ابن نبي “الفكر القاتل”..
إن جمعية العلماء أشاعت كلمة الحرية في أوساط الجزائريين، فمدارسها “حرة”، ومساجدها “حرة”، وصفحاتها “حرة”، ونواديها “حرة”، ومعلموها “مجاهدون أحرار”..
وهاهم ورثة أولئك الأسلاف الأحرار يختطون نهجهم، ولم يبدلوا، ولم يغيروا وشعارهم هو إنا وجدنا أسلافنا كراما، أمجادا، أحرارا وإنا على آثارهم مقتدون، ولشعارهم رافعون، ولعهدهم راعون.. وإذا كانت فرنسا قد غضبت على أولئك الأسلاف، فإن أذيالها في الجزائر اليوم على أخلاف الأسلاف غاضبون، لأن هؤلاء الأخلاف ليسوا من بائعي الشرف والكرامة.
إن ثقافة “الاغتصاب” لا تروج في ساحة جمعية العلماء، ولا يعرفها أعضاؤها قديما وحديثا، لا في دينهم الشريف، ولا في أدبهم النظيف، ولا في سلوكهم العفيف..
ولذا فعلى صاحب هذه “الهدرة” أن يحرر نفسه “المغتصبة” من مغتصبيها.. أما جمعية العلماء وأعضاؤها فقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، ورباهم أماجدهم على الحرية، ولو نزلوا عن هذه الحرية لرضي عنهم “عبيد فرنسا”، السياسيون و”المثقفون”.