بعد 91 سنة هل تحقق مشروع جمعية العلماء؟!
بقلم: نور الدين رزيق-
أول إشكالية واجهت الحركة الإصلاحية ممثلة في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهي: تحرير الأرض أولا أم تحرير الإنسان، من الذي يبدأ به؟ إن تحرير الأرض دون تحرير الإنسان استقلال ناقص، فلاشك أن تحرير الإنسان يكون أولا بتحريره من شهواته، ومن الأفكار البالية، والمعتقدات الفاسدة، والخرافات والدجل.
الحرية مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، كما ذكر ذلك الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، في كتابه: “مقاصد الشريعة الإسلامية”، وإن كان الشاطبي حصرها في خمسة (الدين، النفس، العقل، النسل والمال).
وكتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس: “أيتها الحرية المحبوبة أين أنت في هذا الكون؟ّ أيتها الحرية المحبوبة!
تحتفل بأعيادك الأمم، وتُنصب لتمجيدك التماثيل، ويتشادق بأمجادك الخطباء، يتغنى بمفاتنك الشعراء، ويتفنن في مجاليك الكتّاب، ويتهالك من أجلك الأبطال، وتسفك في سبيلك الدماء، وتدك لسراحك القلاع والمعاقل، ولكن أين أنت في هذا الوجود؟
فمسألة الحرية عند العلامة ابن باديس هي مفتاح لفهم إستراتيجية العمل الدعوي، والكفاح السياسي، فهي تتراوح بين المهادنة والمغالبة حسب الأحوال، وتقدير المصلحة، فهو يقول: “الظروف تستطيع أن تكفينا ولكنها لا تستطيع أبدا أن تتلفنا”.
فالحرية في نظر الشيخ صفة لازمة للإنسان، وهي مصدر الوجود وروح الحياة، فتحرير الإنسان يكون قبل تحرير الأرض.
و هذا الذي بيَّنه العلامةمحمد البشير الإبراهيمي في مذكرته التاريخية التي رفعها باسم جمعية العلماء إلى جامعة الدول العربية، ونشرتها صحيفة (منبر الشرق)، وصحيفة (الدعوة) في أوت 1954 بالقاهرة، جاء فيها: (مبدأ جمعية العلماء يرمي إلى غاية جليلة، فالمبدأ هو العلم، والغاية هي تحرير الشعب الجزائري، والتحرير في نظرها، قسمان: تحرير العقول والأرواح، وتحرير الأبدان والأوطان، والأول أصل الثاني، فإذا لم تتحرر العقول والأرواح من الأوهام في الدين والدنيا، كان تحرير الأبدان من العبودية، والأوطان من الاحتلال، متعذرا ومتعسرا، حتى إذا تم منه شيء اليوم، ضاع غدا، إنه بناء على غير أساس، والمتوهم ليس له أمل، فلا يرجى منه عمل، لذلك بدأت جمعية العلماء منذ نشأتها، بتحرير العقول والأرواح، تمهيدا للتحرير النهائي).
وكان يقول عليه رحمة الله : “محال أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا” وقال أيضا: “أن الاستقلال والتحرر لن يأتي إلا بالوسيلة الفعالة، المتمثل في التعليم والعلم، التعلم نوع من الجهاد، ويرى المدارس ميادين الجهاد، ويعتبر المعلمين مجاهدين، مستحقين لأجر الجهاد، التعلم هو عدو الاستعمار الألد”.
هم يقولون الاستقلال ثم العلم والتعليم ونحن نقول العلم والتعليم قبل الاستقلال.
لكن السؤال هل جمعية العلماء بتبنيها وتزكيتها للعمل الثوري المسلح (1954) تكون قد حققت أهدافها ومشروعها؟
لعل الاجابة كانت في خطبة العلامة محمد البشير الابراهيمي عليه رحمة الله في خطبة الجمعة الاولى بعد الاستقلال بمسجد كتشاواةحيث قال:» يا معشر الجزائريين: إن الاستعمار كالشيطان الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يطاع فيما دون ذلك)، فهو قد خرج من أرضكم، ولكنه لم يخرج من مصالح أرضكم، ولم يخرج من ألسنتكم،ولم يخرج من قلوب بعضكم،فلاتعاملوه إلا فيما اضطررتم إليه، وما أبيح للضرورة
يقدر بقدرها».
و العلم أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين حددت الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في منشور للجمعيّة نشره الشّيخ ابن باديس في جريدة البصائر في العدد 160 الصادر في 7 أبريل 1939.
وتشمل أهداف الجمعية:
«التّعليم والتربية،وتطهير الإسلام من البدع والخرافات،
وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريّين،وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها،والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية،ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها.
ماذا تحقق من هذه الأهداف اليوم ؟ اظن أن المشروع لم يكتمل بعد تجسده بالتمام فلا اللغة العربية اخذت مكانها الطبيعي كلغة وطنية و رسمية و لا شريعة الإسلام سادت كمصدر تشريع أساسي أما الوطن فمحمية حدود ترابه و أما الوطنية فلم تتمكن روحيا.