في ذكرى رحيل الأمير
عمار يزلي

في ذكرى رحيل الأمير

بقلم: عمار يزلي-

في 26 من ماي، تحل ذكرى مرور 139 سنة على رحيل الأمير عبد القادر الجزائري عن هذه الدنيا الفانية في دمشق من عام 1883، بعد أن تفانى في الجهادين: الجهاد الأصغر المتمثل في العمل على تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي وتأسيس الدولة الوطنية الحديثة، وجهاد أكبر، تمثل في العمل لأجل الناس والتقارب بين المِلل والنِّحل والمصالح بين الفِرق الدينية المتخاصمة في دمشق، هذا إضافة إلى تفرغه للكتابة والعبادة.

تحلّ ذكراه وقد صار إلى ما صار إليه وإلى ما صارت الأمور بعده: تحولاتٌ حدثت بعده كان يتصورها حلما غير مكتمل، ونتيجة حتمية لنضال طال الأمد أم قصُر.

كان يحلم بوطن مستقل تربطه روابط الأخوّة والاسلامية والعربية مع باقي مكونات الأمة الاسلامية من طنجة إلى الشيشان. كتب عنه الغرب والفرنسيون وكتب عنه العرب والمسلمون ما كتبوا ولم يوفوا الرجل حقه، هذا في انتظار فيلم وطني يوفي المجاهد الرمز جزءا مصوّرا، ولو بسيطا من حقه في هذه الدنيا بعد أن أخذ كثيرٌ منهم جزءا من نصيبهم ولم ينل هو حقه حتى في هذا الجزء إلى حد الآن.

الأمير عبد القادر، الرجل الفذ، العالم والشاعر والسياسي والمتصوف والفارس.. كلها شيم نال منها بعضا، وبقى دون حق في كثير من الأمور الإنسانية التي غطت الحياة السياسية وجهاده عليها، ولم تبرز في الكتابات إلا مع بعض المتأخرين من المؤرخين في الغرب وفي العالم الاسلامي.

شخصية لم تجعل من عرفوه وتعاملوا معه من دون رد فعل، حتى الاعداء.

لقد سبق لي أن قمت بزيارة لقصر أمبواز بفرنسا وسجَّلت هناك لقاءات مع مؤرخين ومع مدير القصر وبعض من قرأوا عنه يومياته في القصر ولقاءاته هناك بنخب من الفرنسيين العسكريين والسياسيين ورجال الدين، ولاحظتُ ذلك الإعجاب المفرط من شخصية الرجل التي لطالما سمعوا عنه في ساحات الوغى، ورأوا فيه بعد اللقاءات والمناقشات في الدين والعلم والثقافة والسياسة والأخلاق الإسلامية ما لم يكونوا يتوقعونه في رجل اتَّسم بسمات الجد والسلاح ولم يسمعوا عن سماحته وكرمه ومروءته وإنسانيته إلا عندما شاهدوه وعرفوه عن قرب، وأكثر لما سافر إلى سورية وصار هناك رجل المصالحة بين الفرقاء ورجل الإجماع والحل والربط بالأخوّة والانسانية ومن ثمة هي الأخلاق الإسلامية الحسنة والمثل العليا التي كان الأمير يجاهد تحت لوائها.

تمكنت هناك بمساعدة إدارة قصر أمبواز، الذي تحوَّل اليوم إلى وجهة سياحة ممتازة كونه يطل على أنهار منطقة الـ”لوار”، وفي أعلى قمة ربوة، بجوار قبر عالم هو الآخر كان شاعرا وعالما وفنانا لا يزال اسمه مقرونا بالعبقرية الفنية والهندسية: قبر الشاعر والمهندس والفنان الإيطالي “ليوناردو دافنشي”، الذي يرقد في كنيسة صغيرة مشيدة على الطراز القوطي غير بعيد عن الجناح الذي كان الأمير عبد القادر مسجونا فيه رفقة مساعده “قارة”، لفترة من الزمن، وغير بعيد أيضا عن مربع المقبرة الاسلامية التي خطت للمتوفين من عائلة الأمير ومنهم زوجته وبعض من أبنائه.. بمجموع نحو 40 قبرا لا يزال إلى اليوم هناك.

يرحل الأمير إلى بلدٍ اختاره فيما بعد من سجنه بفرنسا، حيث أقام وحيث توفي وحيث سيكون مقامه الأخير قبل إعادة جثمانه إلى بلاده في 5 جويلية من سنة 1966 إلى الجزائر ليرقد بين أحضان التربة التي جاهد لأجلها ولأجل تطهيرها من دنس الاحتلال والدفاع عن شرفها وشرف أهلها، بكل ما أوتي من قوة ومن رباط الخيل.. رغم بطش الأعداء وكيد “الأصدقاء” وخذلان الأقرباء وغدر أهل الدار والجار.. في المغرب قبل الغرب.

 

 

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.