من تلاميذ جمعية العلماء، المؤرخ المجاهد الأخضر بوطمين رحمه الله
بقلم: محمد مصطفى حابس -
هو المجاهد والمؤرخ جودي الأخضر بوطمين، صاحب كتاب "مسيرة الثورة الجزائرية من خلال مواثيقها" ، وكاتم أسرار الثورة وخزّانها في الولاية التاريخية الثانية، أو كما يلقبونه أصحابه بالعلبة السوداء و الذي وافته المنية (يوم 25 أبريل 2018) عن عمر يناهز 87 سنة تاركا فراغا كبيرا لدى أسرته ومن عرفوه و الذين عايشوا معه مراحل الثورة..
كتب عنه الوزير السابق عز الدين ميهوبي "في بلادنا يوجد الحاج الأخضر قائد الأوراس، والأخضر بن طوبال أحد كبار الثورة، والأخضر حامينا أعظم سينمائي عرفته الجزائر، والأخضر بلومي أشهر لاعب أنجبته الجزائر، والأخضر بريش أفضل معلّق رياضي، والأخضر بوطمين أهمّ مفكر لا تعرفه الجزائر.. ويوجد الكتاب الأخضر الذي سمعت به ولم أقرأه"، ثم أردف قائلا :"إذا كان "الخضر" كلّهم معروفين، فمن هو الأخضر بوطمين؟ وأنا أقول له أن الشيخ لخضر بوطمين هو مدير ثانويتي يوم كنت تلميذا، يعرفه الكتاب والأدباء وأهل القرطاس والقلم، كونه لا يغيب عن أي ملتقى أو منتدى جزائري خاصة في نصف القرن الاخير، فيتحدّث في الأدب والثقافة والسياسة والدين والاستراتيجيا والاعلام.. يبدو دائما بأناقته، وجديّته، شخصا لا يجارى، فيحبّه التلاميذ والأولياء والخطباء والادباء، ويظهرون له الاحترام، لصدقه الذي لا حدود له.
الشيخ الأخضر، مواطن جزائري عادي فوق العادة، فكّر في المنافسة على الرئاسة في العام 1995، حسب ما تناقلته وسائل الاعلام وطرح نفسه بديلا لكلّ ما هو موجود، وطلب دعم النخب الثقافية له ولأفكاره، ولكنّه اقتنع لاحقا أنه كمن يؤذّن في مالطا -كما كتب عنه ميهوبي..
بالمختصر المفيد الكاتب والمجاهد بوطمين جودي لخضر، خريج معهد ابن باديس بقسنطينة، يحمل القلم بيمينه والبندقية في يساره، فكان العلبة السوداء لمجاهدي الولاية التاريخية الثانية، كما يقول المجاهدون عنه، استطاع رغم صغر سنّه آنذاك، أن يُصبح الكاتب الأمين للعقيد صالح بوبنيدر.
الشيخ المجاهد من مواليد سنة 1931 ببلدية برج الطهر بولاية جيجل، بعد أن تعلّم في مدرسة قرآنية قرب مسقط رأسه، التحق بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة وتخرج منه سنة 1951، ليسافر بعدها إلى جامع الزيتونة أين درس حتى عام 1952، وفي نفس السنة حصل على عضوية أول بعثة لجمعية العلماء المسلمين إلى جامعة بغداد في العراق، و هناك درس بدار المعلمين العالية إلى غاية التخرج عام 1956، بالحصول على شهادة ليسانس في التاريخ و الجغرافية..
بعد الاستقلال اشتغل المجاهد بوطمين في مهنة التعليم وتسلّم فيها عدة مناصب كان آخرها مدير ثانوية بعين البيضاء بولاية أم البواقي، وخلال هذه المرحلة، كانت له أيضا مساهمات في يومية النصر ومجلتي الجيش و أول نوفمبر، كما ألّف 6 كتب تحدث فيها عن ذكرياته إبان الثورة، و واصل النضال في حزب جبهة التحرير الوطني إلى غاية سنة 1987، انتُخب عدة مرات عضوا في المنظمة الوطنية للمجاهدين، ولمرتين في المجالس المحلية بولاية قسنطينة رفقة أستاذنا العرباوي، كما تقلّد منصب نائب في البرلمان في عهدة استمرت بين سنتي 1977 و 1982، كثير من الناس في تلك المرحلة كانوا يخلطون بينه و بين بوطمين آخر، من عائلته، لست أدري تحديدا هل هو شقيقه او بن عمه، و قد تقلد هو أيضا مناصب إدارية في الولايات منها كرئيس دائرة عين البيضاء، إذ هذا الأخير كان عم الرياضية سكينة بوطمين، و كان لا يحبذ لها أن تخوض غمار المنافسات الرياضية بهذا الشكل، وقيل أنه تشاجر معها كما كان يروج في ذلك الوقت.
أما الشيخ المؤرخ لخضر بوطمين، فقد عرفته وأنا تلميذ في السنة الأولى ثانوي إذ كان هو مدير ثانويتنا "ثانوية عين البيضاء المختلطة"، التي تسمى اليوم " ثانوية الحاج زيناي بلقاسم، بعين البيضاء"، فالرجل من بعيد كنا نخافه لصرامته و انضباطه، رغم نحافة جسمه وقصر طوله، إذ كنا نراه من بعيد أيضا بتسريحة شعره البراق و أناقته العالية المعهودة، و ما أن يدخل بين صفوف التلاميذ حتى يختفي لقصر قامته، رغم ذلك نشم رائحة عطره من بعيد، إذ كان كثير التعطر، رحمه الله. وأذكر أنه، قبل الانصراف للاقسام يقف أمام صفوفنا ليعطي تعليماته و نحن صامتون كأن على رؤوسنا الطير كما يقول العرب، محدقا فينا بنظراته المتفحصة في استواء الصفوف كأننا جنود ، بعدها يطأطئ رأسه ويطلق بسمته الهادئة و ينصرف!! كان مرعبا حقا للغاية لنا جميعا أساتذة و تلاميذ، أما عمال الإدارة، يتصرف معهم بحزم عسكري كبير لا نظير له.
يعود للمرحوم الفضل بعد الله، في الترخيص لنا بفتح أول مصلى صغير قرب المطعم في ثانويتنا، وهو اول من شجعني شخصيا على الكتابة في جريدة الفجر الفصلية المحلية التي انطلقت من ثانويتنا، ونحن لا نزال يومها تلاميذ، الامر الذي لم يعجب أحد الأساتذة المحسوبين على التيار "البعثي العروبي"، كما أخبرني أحد الأساتذة.
ونحن إذ نتذكر مدير ثانويتنا الأسبق، وأحد رجال التربية الخلص، نستذكره بحزن وحسرة على ما تركه في نفوسنا وفي سلك المنظومة التربوية بل وفي ساحة الصحوة الفكرية والأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، من فراغ كبير، فإننا نتضرع إلى الله تعالى بأن يتغمده برحمته الواسعة، ويغفر له ما تقدم وما تأخر من ذنوبه، ويرفع مقامه في جنته، ويبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، ويجعل له لسان صدق في الآخرين، ويصبِّر أهله وتلامذته ومحبيه، و إنا لله و إنا إليه راجعون.
بتصرف