تكريمٌ..

بقلم: عبد العزيز بن سايب-

إنَّ ما يُقَدِّمُهُ الأَفَاضِلُ من خَدَمَاتٍ لأمتِهم وللبشريةِ والعلمِ والثقافةِ حقيقٌ أن يُشكروا عليه ويُكَرَّمُوا من أَجْلِّهِ..

وهذا ما حاول بعضُ الْمُحِبِّينَ الْمُقَدِّرِينَ القيامَ به تُجاه فضيلة الشيخ العلامة سيدي أحمد سحنون.. رحمة الله تعالى عليه ورضي عنه..

فجَهَّزُوا حفلا تكريميا لفضيلته.. قياما ببعض حقه..وشُكْرًا على جِهَادِهِ وجُهُودِهِ..

فلما أخبروه بما أعدُّوا له.. خاطبهم الشيخ سحنون مُستغربا:..تُكَرِّمُونِي..على ماذا؟

فأجابوه مندهشين من موقفه: ..لأشياء كثيرة..فأنتم لكم خَدَمَاتٌ كبيرة..من العلم والتعليم..والجهاد أيام الاستدمار الفرنسي وسجنكم والحكم عليكم بالإعدام..وصبركم ومصابرتكم..وكتبكم ومقالاتكم وأشعاركم..والدروس والجمعات.. ونُصْحِكِم.. ووَعْظِكُم.. وحِكْمَتِكِم في معالجة الأمور.. والقائمةُ طويلةٌ مُتَنَوِّعَةٌ..

فابتسم الشيخ وقال لهم:.. وهل يُكَرَّمُ الرجل على قيامِهِ بواجباتِهِ..هل يُعقل أن يُكَرَّمَ الإنسانُ لأنه يَؤديُ الصلاة أو الصوم أو الزكاة..

فقالوا له:.. لا يا سيدي..وإنما هي مبادرةٌ من بعض طلابكم ومحبيكم بحسنِ نيةٍ منهم..وتعبيرا عن حُبِّهم وتَقْدِيرِهم..

فشكرهم الشيخُ على نيتكم الطيبة..

وزادهم قائلا: ..ثم كل ما تَرَوْنَهُ وذَكَرْتُمُوهُ هو مِنْ فضل الله تعالى على عبدِهِ الفقيرِ الضعيفِ..كما قال ابن عطاء الله السكندري في حِكَمِهِ: "إذا أراد أن يُظْهِرَ فَضْلَهُ عليكَ خَلَقَ ونَسَبَ إليكَ..".

فعجز هؤلاء الإخوةُ عن إقناع الشيخ..

فتَوَجَّهُوا لصديقِهِ.. فضيلة الشيخ محمد الطاهر آيت عَلْجَت حفظه الله تعالى وأمتع به..علَّه ينجح فيما فشلوا فيه..

استجاب الشيخُ الفاضلُ الطاهر لرغبة هؤلاء المحبين فقام بزيارة فضيلة الشيخ سحنون.. مُحَاوِلًا إقناعه بالأمر..

فقال له الشيخ سحنون مبتسما: "..يظهر يا الشيخ الطاهر أن هؤلاء الشباب كَلْخُوهَا لَك..".

أي يظهر يا الشيخ الطاهر أن هؤلاء الشباب قد نجحوا في التَّحَايُلِ عليكَ..

وهكذا لم يتم هذا التكريم.. إلا بعد وفاة الشيخ بسنوات..قامت به عِدَّةُ هيئاتٍ ومؤسساتٍ..

طَبْعًا.. لا يُفْهَمُ من هذه السطور إنكارُ تكريمِ الأفاضلِ..بل مثلُ هذه النشاطات من صَمِيمِ الوفاءِ والبرِّ وحُسنِ الصحابةِ محمودٌ شَرْعًا وذَوْقًا..فمَنْ لم يشكر الناسَ لم يَشْكُر اللهَ جل جلاله..

فموقِفُ المكَرِّمِ يختلفُ عن مَوْقِفِ الْمُكَرَّمِ..

كما لا يستلزم أن يرفض الإنسانُ المكرَّمُ ما أُقيمَ له من ذلك كما فعل الشيخ سحنون..فلكلٍّ وجهةٌ هو موليها..فقد يَرَاها من نِعَمِ الله تعالى عليه..

وإنما المقصودُ.. كيف يَنْظُرُ الإنسانُ لنفسِهِ..وكيف يُرْجِعُ الأفاضلُ ما رُزِقُوه من الخيرِ في حياتهم والفضل في أعمالهم..

فهذا الموقفُ من سيدي الشيخ سحنون وهذا الامتناعُ وذلك التعليلُ البارعُ دروسٌ نفيسةٌ وإيقاظٌ عزيزٌ لمن يَغْفُلُ عن فضلِ اللهِ جل جلاله عليه ويَنْسِبُهُ لنفسِهِ ويَسْكَرُ بثناءِ الناس عليه.. ناسيا أنَّ هذا الثوبَ إنما هو إسباغٌ من الله جل جلاله عليه..فحسب..(وما بكم من نعمة فمن الله)..

وهو.. تربيةٌ لمن يتصدَّى للدعوةِ والإصلاحِ والتربيةِ والتعليمِ فيُخَيَّلُ إليه أن له حقوقا على الناس..

وهو قرعٌ لمن تُسَوِّلُ له نفسُهُ أن يتخذ عبادَ اللهِ خُدَّامًا له..أو يُعَرِّضُ لطلابِهِ أو مريدِيهِ ومُحِبِيهِ بتكريمِهِ والإحتفاءِ بِهِ وتوسعةِ العطاءِ عليه..

وهو.. رَبْطٌ لما يقوم به الشخصُ من الأعمالِ برب العالمين ويَحْفِدُ بها لمرضاتِهِ..لا للمنزلةِ عند الناسِ أو حسنِ الحظوةِ لديهم أو جميل وَقْعِهِ في نظرهم..

رحمة الله تعالى عليك سيدي الشيخ.. يُصادفُ اليوم تاريخ ذكرى رحيلك عنا بالتأريخ الميلادي 8 ديسمبر 2003.. وما زِلْنَا في أَمَسِّ الحاجةِ لِلَمَسَاتِكِ الربانيةِ وتوجيهاتِكِ الحكيمةِ..

فلا تنسوه من صالح دعائكم..

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.