مكرمة الشيخ شيبان في الإصلاح بين الرئيس بن بلة والعلامة الشيخ الإبراهيمي

بقلم: عبد الحميد عبدوس

قضية الخلاف وربما الصدام بين الرئيس الأول للجزائر المستقلة الرئيس الراحل احمد بن بلة والرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين العلامة الراحل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي -عليهما رحمة الله- كانت من القضايا التي اثرت سلبا على استمرارية رسالة جمعية العلماء المسلمين التربوية والدينية وترسيخ المرجعية الدينية في الجزائر بعد استعادة الاستقلال، ولعل تجميد نشاط الجمعية في بداية الاستقلال كان سببا رئيسا في الأزمة التي في دخلت فيها الجزائر خصوصا في بداية التسعينيات مع ظهور التعددية السياسية والإعلامية. ولمعرفة أسباب هذا الخلاف توجهنا إلى الشخص الذي تحمل مسؤولية محاولة إصلاح ذات البين بين زعيمين من زعماء التاريخ الجزائري المعاصر، أي الشيخ العلامة الراحل الشيخ عبد الرحمن شيبان الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

في شهر جوان 2008 أي قبل ثلاث سنوات من رحيل الشيخ عبد الرحمن شيبان قمت رفقة الشيخ كمال بوسنة سكرتير تحرير البصائرـ آنذاك ـ بإجراء حوار شامل مع صاحب كتاب (حقائق وأباطيل).
وسألناه عن الدور الذي قام به للإصلاح بين الرئيس الأسبق السيد أحمد بن بلة والشيخ محمد البشير الإبراهيمي بعد الخلاف الذي وقع بينهما سنة 1964؟

فكان جواب الشيخ شيبان ـ رحمه الله ـ: «كانت الجزائر تعيش ظروفا معقدة في سنة 1964 وفي ظل هذه الظروف انعقد المؤتمر الثالث لجبهة التحرير الوطني يوم 16 أفريل الذي حدد الخيار الاشتراكي للجزائر، وكان الإمام الإبراهيمي – عليه رحمة الله – يرى أن الجزائر قد بدأت تنحرف عن المبادئ الإسلامية والقيم التي ضحى من أجلها الشهداء – عليهم رحمة الله – فكتب بيانا هذا نصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم

كتب الله لي أن أعيش حتى استقلال الجزائر، ويومئذ كنت أستطيع أن أواجه المنية مرتاح الضمير، إذ تراءى لي أني سلمت مشعل الجهاد في سبيل الدفاع عن الإسلام الحق ، والنهوض باللغة، ذلك الجهاد الذي كنت أعيش من أجله إلى الذين أخذوا زمام الحكم في الوطن ولذلك قررت أن التزم الصمت.
غير أني أشعر أمام خطورة الساعة وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس – رحمه الله – أنه يجب علي أن أقطع ذلك الصمت، إن وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة ويتخبط في أزمة روحية لا نظير لها ويواجه مشاكل اقتصادية عسيرة الحل.
ولكن المسؤولون فيما يبدو لا يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية.

لقد آن للمسؤولين أن يضربوا المثل في النزاهة وأن لا يقيموا وزنا إلا للتضحية والكفاءة وأن تكون المصلحة العامة هي أساس الاعتبار عندهم، وقد آن يرجع لكلمة الأخوة التي ابتذلت معناها الحق، وأن نعود إلى الشورى التي حرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم -.

وقد آن أن يحتشد أبناء الجزائر كي يشيدوا جميعا مدينة تسودها العدالة والحرية «مدينة» تقوم على تقوى من الله ورضوان».

لقي هذا البيان صدى واسعا في الصحافة الدولية، الشيء الذي أغضب الرئيس أحمد بن بله لأنه اعتقد أن الشيخ الإبراهيمي قد تعمد إحراجه ودعم خصومه السياسيين في الداخل والخارج، والتشويش على مؤتمر جبهة التحرير الوطني.

بعثت فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا بيان استنكار وتحريض على الشيخ الإبراهيمي، وبعد تلاوة بيان فيدرالية فرنسا في المؤتمر تناول الرئيس أحمد بن بلة الكلمة ومما قال فيها: إنه طلب من الشيخ الإبراهيمي عندما كان في القاهرة أن يصدر فتوى لتأييد الكفاح المسلح في الجزائر واعتباره جهادا، ولكن الشيخ الإبراهيمي رفض ذلك… وأضاف الرئيس ابن بله أن له شهودا على ذلك وأكبرهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر – رحمه الله – وتكهربت الأمور أكثر عندما تم الإعلان خلال أشغال المؤتمر بأن هناك برقيات أخرى ستتلى على المؤتمرين بخصوص استنكار بيان الشيخ الإبراهيمي.

على إثر ذلك قمت بإجراء اتصالات ببعض الوجوه البارزة من جمعية العلماء المسلمين لإيجاد طريقة فعالة وسريعة لاحتواء الوضع قبل أن يصل درجة الانفجار ولكن الإخوان الذين اتصلت بهم بدا وكأنهم أصيبوا بالصدمة وتجاوزهم تطور الأوضاع.

ونصحني السيد الشريف بلقاسم (المعروف بالرائد جمال) وكان من أقطاب جماعة العقيد هواري بومدين – عليه رحمة الله – وزير الدفاع الوطني آنذاك، بأن اتصل شخصيا بالرئيس أحمد بن بله وأن أكلمه في الموضوع بلا وساطات.

وفعلا اقتربت من الرئيس أحمد بن بلة وجلست في المقعد خلفه، وبعد أن التفت إلي ألقيت عليه التحية، ثم حدثته مباشرة في موضوع الشيخ الإبراهيمي ورجوته أن يأمر بعدم قراءة البرقيات المنددة ببيان الشيخ الإبراهيمي التي كانت ستتلى في المساء على مسامع المؤتمرين وأن يطلب من الإعلام أن يتفادى تأزيم الأجواء وتغذية الخلاف.

وفعلا استجاب السيد الرئيس أحمد بن بله لرجائي وتم بذلك احتواء عوامل تصعيد الخصومة بين الرئيس بن بلة وبين الشيخ الإبراهيمي، وقد شجعتني هذه النتائج الإيجابية الطيبة على أن أطلب من الرئيس أحمد بن بله أن يقوم بزيارة الشيخ الإبراهيمي في منزله لتهنئته بالعيد، فوافق على طلبي وتوجهت في صحبته إلى منزل الشيخ الإبراهيمي الذي رحب بكل حفاوة بالرئيس، ومن المشاهد التي أثرت في خلال هذا اللقاء التاريخي هي عندما خاطب الرئيس أحمد بن بله الشيخ الإبراهيمي قائلا: أعاهدك أن أظل وفيا للإسلام وللعربية ما حييت.

هذه الحادثة أشار إليها السيد أحمد بن بله في حواره الهام مع قناة (الجزيرة) الفضائية في حصة «شاهد على العصر» مع الصحفي اللامع أحمد منصور، كما كتب الشاعر الأستاذ الشيخ حمزة بوكوشة – رحمه الله- قصيدة مشهورة أشاد فيها بالدور الذي قمت به للإصلاح بين الشيخ الإبراهيمي والرئيس أحمد بن بله.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.