ماذا ينقصُنا في جمعية العلماء؟ (وجهة نظر شخصية)
بقلم: حسن خليفة-
كان ذلك هو السؤال الذي ختمنا به «شعاع» الأسبوع الفائت، بعد استعراض لما نتصوّر أن يكون محلّ اهتمام من أعضاء الجمعية ومحبيها -رجالا ونساء، شيبا وشبابا -وهو العمل على بناء تصوّر ورؤية لما ينبغي أن تكون عليه الجمعية في مستقبل سنواتها القادمات الزاخرات بالخير والعلم والبلاغ والدعوة بعون الله تعالى كأكبر جمعية دعوية إصلاحية.
وإن بدت الأهداف كبيرة وواضحة بصفة عامة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فإنّ الطريق إلى تلك الأهداف إنما يمرّ عبر محاولة تحديد وتجديد الوسائل الموصلة إلى ذلك.. وهذا هومحل الاهتمام والبيان هنا في هذه السطور؛ إذ لا أهداف تتحقق إلاّ بأدوات ووسائل وبرامج عمل وتشغيل وفعالية ومتابعة.. فما الذي ينقصُنا في الجمعية؟
إنّني أعرض هنا وجهة نظر خاصة، لكنني أعتقد أن الكثير من الإخوة والأخوات يتقاسمونها معي؛ حيث إننا نتبادل الرأي بانتظام في ذلك، سواء في اللقاءات المباشرة (ندوات ـ محاضرات ـ أيام دراسية ـ ملتقيات الخ)… أو عن طريق التواصل في وسائل التواصل الكثيرة المتنوعة.
ما ينقصنا في المقام الأول في تقديري هو:
• تعظيم وتثمين وتكبير وتجسيد مقتضى العمل الجماعي/ الإيماني الحقيقي الذي يحقق النهضة ويحدث التغيير، وقد أبان الإمام ابن باديس ذلك بوضوح عندما قال: «إنّما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإنما تكون لهم قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة تفكّر وتدبّر وتتشاوروتنهض لجلب المصلحة ودفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة «… ثم يضيف»… يرشدنا هذا إلى خطر(أهمية) أمر الاجتماع ونظامه ولزوم الحرص والمحافظة عليه كأصل لازم للقيام بمقتضيات الإيمان وحفظ عمود الإسلام «.. وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.
وزاد الإمام هذا الأمر وضوحا وبيانا عندما قال… «ما أصيب المسلمون في أعزوأعظم ما أصيبوا به إلاّ بإهمالهم لأمر الاجتماع ونظامه».
• فالأمر -إذن- له صلة في الأساس بتقوية هذا الاجتماع (العمل الجماعي)، وتفعيل أدواره وتطوير أدائه حتى يتحقق المراد والمطلوب، وبذلك يكون أول ما ينقصنا هو تقوية الجهاز المناعي للجمعية بالرقيّ بها إلى مستوى العمل المؤسسي المنتظم الفعّال.. إداريا، وهيكليا، وماليا، وتواصلا واتصالا، وفعالية. ويقتضي ذلك العمل على إحياء «المتابعة» واعتماد أسلوب قياس الأداء باستمرار في الشعب البلدية والولائية وعلى المستوى الوطني.
• ينقصنا في الجمعية الانخراط على نطاق واسع ودقيق في مجال التكوين والتدريب، لاكتساب المهارات المتنوعة، في كل المجالات: القيادة والتسيير، التنظيم والإدارة،الاتصال والإعلام، المحاسبة، المتابعة، الدعوة والإرشاد، الخطابة، الحديث(فنون الكلام)..، التحفيز، تعلّم أدوات العصر في المجالات التكنولوجية،كل ذلك يحتاج إلى فتح المجال لتكوين أعضاء الجمعية وكوادرها وقياداتها، في كل المستويات تحقيقا لهدف غال وثمين وهو «التأهيل القيادي»المستمر المنتظم لإيجاد الخلَف المكين المتين الأمين.
• ينقصنا في الجمعية تفريغ طاقات وكفاءات يُعهد إليها بالإشراف والقيام بواجب حراسة القيم، والسعي لتطوير الأداء في مختلف المستويات في الجمعية؛ لأنه من «تفرّغ» لا يمكن انتظار الكثير، فالتطوّع ـمهما كان ـ لن يحقّق النتائج ويجسّد الأهداف. وقد آن الأوان لتفريغ عدد من الكوادر (علماء ودعاة وإداريين) على مستوى كل شعبة ولائية على الأقل، وتكليفهم بمهامّ واضحة وعمل راجح قويم. والحلول في ذلك متعددة لو صدقت النوايا وبُحث الأمر بشكل جاد وهمّة وحرص.
• ينقصنا في الجمعية استثمار الطاقات المعطّلة الكثيرة كثرة وافرة، من الإخوة والأخوات الناضجين(ات)، الناصحين (ت)، الأمناء والأمينات، الموجودين(ات) في كل ولاية وفي كل جهة. من الواجب البحث عنهم ومدّ الجسور معهم، وانتشالهم من «السكون»، ودفعهم ليحيوا حياة البذل والحركة والعطاء، وهو مقتضى إيمانهم، ومصرف خبرتهم في العمل لله تعالى ثمّ للوطن. ثمة ألوف مؤلفة من الماهرين والماهرات في كلّ فنون العلم والمعرفة… من الواجب القيام بدورهنا من أجلهم ومن أجل العمل الصالح قبل ذلك، وطلبا لرضوان الله تعالى أولا وأخيرا. فمن يفعل ذلك إن لم تفعله الجمعية لاستكمال النقص، وتفعيل دورها الإرشادي المتجتمعي؟
وأجد هنا في كلمة للإبراهيمي رحمه الله ما يعضد هذا الأمر «الأعمال الكبيرة إذا توزّعتها الأيدي وتقاسمتها الهِمَمُ هان حملها وخفّ ثقَلها، وإن بلغت في العظم ما بلغت» (وضرب المثل بمعهد ابن باديس). ثم أضاف: «نحتاج إلى اجتماع (جمعية) خاص، تنتج عنه نهضة منظمة في جميع لوازم حياتنا الخاصة، وألزم هذه اللوازم أربعة: الدين، والأخلاق، والعلم، والمال..». الآثار، ج1، ص55.
• ينقصنا في الجمعية إعلام متين قويّ مؤثر، يرافق الأعمال والبرامج، ويغطي ما تقدمه الجمعية وما تقوم به من جلائل الأعمال وجميل الفعال، وقد فعلت وما تزال.. ولكن ذلك لا ينعكس في الإعلام ولا يصل إلى الناس، فوجب أن نستكمل هذا النقص بكل الوسائل، وننظر إليه كأولوية؛ لأنّه من دون الإعلام لن يكون للجمعية صدى ولا صوت حتى.. فوجب الاهتمام بسدّ هذه الثغرة،والسُّبل إلى ذلك كثيرة: إنشاء مؤسسة إعلامية متعددة المحاور والوسائل، التعاون لتحقيق الانتشار مع المؤسسات الإعلامية الوطنية الكثيرة (قنوات ـصحف ـمواقع ـ مؤسسات الخ) خاصة وأن هناك من يحبّ الجمعية ويتفاعل بإيجاب مع أنشطتها ومواقفها.
• ينقصنا في الجمعية أجهزة متخصصة فعّالة وقوية:
أ ـ جهاز قوي ّ في التربية والتكوين والتعليم: يُنتج الكتب والسندات، ويضع البرامج للنوادي والمدارس والمؤسسات، ويرقى بالمنظومة التربوية رقيّا محسوسا ملموسا.
ب ـ في الإرشاد والتوجيه والفتيا: يرصد ويتفاعل مع المجتمع، ويتعاون مع الدعاة والأئمة، ويجيب ـفي الحين ـ عن تساؤلات واستفسارات الناس ويطمئن أفئدتهم وعقولهم ويروي عطشهم لمعرفة الدين وأحكام الدين.
ج ـ جهاز تخطيط وسعي واستكشاف واستشراف ورصد: يسـد النقص في هذه المجالات، ويقدم لقيادة الجمعية الخلاصات المفيدة في كل ما يجب اتخاذه من رأي أو موقف أوقرار أوإجراء.
والله المستعان