العلّامة محمد باي بلعالم الجزائري
بقلم: يحيى بدر الدين صاري-
لعمرك ما الرزية فقد مال …….ولا شاة تموت ولا بعيرُ
ولكن الرزية فقد شخص ……..يموت بموته خلق كثيرُ
فقدت الجزائر اليوم الأحد 23 ربيع الثاني 1430 هـ الموافق :19 أبريل 2009 م علما من أعلامها، وعالما من علمائها، الشيخ العلامة الفقيه المربي محمد باي بلعالم.
وتعريفا به وأداء لشيء من حقه علينا أقدم لقراء موقع منار الجزائر شيئا يسيرا من سيرته الحافلة بالعلم والتعليم والمواقف، مما أعرفه عنه ومما استفدته من مصادر أخرى.
ياصاحِ قف ألهبتَ قـلبيَ بالخبــر ……..وسقيتني جامَ المصيبةِ في الأثـر
وأسلتَ ماءَ العين حتى خلتُـــه ……..مزن الفراق بمائه المـرِّ انهمـر
أو تَدرِ من ترثي إذِ انسلخَ الضحى ……..أو تَدرِ من قد مات إذ قلتَ الخبر
الشيخُ “باي” ذو الوقار وذو التقى ……..علمُ الهدى شيخُ الشريعة والأثر
آمنتُ بالـرحمن جلَّ قضــاؤه ……..لله شأن في القضاء وفي القـدر
لكنني أبكي العلومَ شريفـــةً ……..أبكي يمينَ الصدق واراها الحجر
كنتَ الفقيهَ ملكتَه بزمامِـــه ……..شَهِدَت تصانيفك الحسانُ بما خطر
رباه هذا شيخُنا ضيفٌ أتـــى ……..أكـرم منازلَه وبَوِّئـهُ الحُجـَر
واجمعه في الفردوس مع خير الورى ……..وأَفِض عليه العفو شيخاً قد غبر
رباه واجبر كسرَنا في راحـــلٍ ……..كان الإمامَ الصادقَ الشهمَ الأغر
نسبه وميلاده :
هو العالم ابن العلماء والفقيه ابن الفقهاء الشيخ باي بلعالم بن محمد عبد القادر بن محمد بن المختار بن أحمد العالم القبلوي الجزائري الشهير بالشيخ باي، ويعود نسبه إلى قبيلة فلّان، والتي تضاربت حولها الأقوال واختلفت فيها الآراء والشهير أن أصولها تعود إلى قبيلة حمير القبيلة العربية الشهيرة باليمن .
ولد الشيخ سنة 1930 م في قرية ساهل من بلدية اقبلي بدائرة “أوْلَفْ ” ولاية أدرار.
والده:
هو محمد عبد القادر فقيها وإماما ومعلما ، له تصانيف منها:
– “تحفة الولدان فيما يجب على الأعيان”.
– منظومة “الولدان في طلب الدعاء من الرحمن”.
– منظومة “حال أهل الوقت “.
وأمه: خديجة بنت محمد الحسن كان والدها عالما قاضيا في منطقة تيديكلت .
دراسته وتعليمه:
تربى الشيخ في أسرة اشتهرت بالعلم والمعرفة، حرصت على تعليمه وتربيته، فبدأ تعليمه في مسقط رأسه في مدينة ساهل أقبلي، هذه القرية التي كانت تعد منارة للعلم والمعرفة والتي تخرج منها العديد من العلماء والفقهاء.
ودرس القرآن الكريم في مدرسة ساهل أقبلي على يد المقرئ الحافظ لكتاب الله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن المكي بن العالم، ثم قرأ على يد والده المبادئ النحوية والفقهية، ودرس على يد الشيخ محمد عبد الكريم المغيلي مدة من الزمن، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ مولاي أحمد بن عبد المعطي السباعي، بمراكش، ومكث فيها سبع سنوات، قرأ فيها الفقه المالكي وأصوله، والنحو ، والفرائض، والحديث ، والتفسير.
وخلال مرحلة دراسته تحصل على عدد من الإجازات.
– بعد أن تخرج الشيخ من الزاوية المذكورة آنفا انتقل إلى مدينة أولف حيث قام بتأسيس مدرسة للعلوم الشرعية تعنى بتدريس الطلاب والطالبات الأمور الدينية واللغوية حيث دفعته الغيرة الدينية لنشر العلم بين أهل بلده إبان الاستعمار الفرنسي، فأسس مدرسة شرعية أسماها “مدرسة مصعب بن عمير الدينية” والتي لا زالت ليومنا هذا والحمد لله.
ولما تغلغلت الثورة في الجزائر واستحكمت قرّر إغلاق المدرسة مؤقتا خوفا على طلبته من المعارك التي كانت تدور آنذاك، ولما حصل الشعب الجزائري على حريته ونالت الدولة استقلالها واستتبّ الأمن أعاد فتح المدرسة من جديد لتستقبل الطلاب بأعداد كبيرة وأضاف إليها قسما داخليا جديدا.
– وفي سنة 1964 التحق بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فأصبح إماما وخطيبا ومفتيا ومدرِّسا لمسجد أنس بن مالك ومدرسة مصعب بن عمير الدينية.
– وفي عام 1971 م شارك في مسابقة وزارة الأوقاف التي أجرتها لمجموعة من المشايخ لتحديد مستواهم العلمي ، فتحصل على شهادة تعادل الليسانس في العلوم الإسلامية، وفي عام 1981م قام بتوسيع مدرسته وأضاف إليها قسما جديدا خاصا بالإناث، فأصبحت تستقبل أعدادا كبيرة من الفتيات على غرار ما تستقبله من الفتيان، وقام بتوسيع الأقسام الداخلية بحيث أصبحت تستوعب طلابا من خارج البلاد.
رحلته في طلب العلم:
رحل الشيخ في طلب العلم والمعرفة إلى زاوية الشيخ أحمد بن عبد المعطي السباعي المراكشي المعروف بالطاهر، مكث هناك حوالي سبع سنوات حيث تلقى فيها عدة علوم منها ( علوم القران والحديث و النحو والفقه المالكي وأصوله والفرائض ….) وقد تأثر الشيخ رحمه الله كثيرا بشيخه المراكشي، واستفاد منه ويعتبره من أهم مشايخه، ولما مات رثاه بقصيدة مؤثرة اطلعت عليها أثناء وجودي بمدرسته سنة 1985 .
أسفار الشيخ ورحلاته :
سافر الشيخ رحمه الله إلى عدة بلدان في داخل الوطن و خارجه، وكانت له في جميع رحلاته لقاءات مع العلماء وطلبة العلم، مفيدا ومستفيدا، فزار (تونس والمغرب الأقصى وليبيا والمملكة العربية السعودية) حيث كانت أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء فريضة الحج سنة 1964 م، ليعود إليها سنة 1974م للمرة الثانية ، ومنذ ذلك العام لم يتخلف عن أداء هذه الفريضة ، فله أكثر من 30 حجة . تقبل الله منه طاعته.
وكان رحمه الله في الحج يعقد الجلسات العلمية في الحرم المكي في السطح غالبا، وفي المخيم في “منى” ويجتمع عليه طلبة العلم، وكثير من المحبين له.
وقد دون الشيخ رحمه الله رحلاته في كتابه ” الرحلة العلية ” جمع فيه أخبار هذه الرحلات وأحوال المناطق التي زارها.
كتبه ومؤلفاته :
ألف الشيخ في فنون عديدة وتجازوت مؤلفاته (40) كتابا منها الصغير والكبير في عدة أسفار فكتب و نظم وشرح وحقق في (علوم القرآن والحديث والفقه وأصوله والميراث والسيرة والتاريخ والوعظ والإرشاد والتوجيه…). و منها (15) مؤلفا في الفقه المالكي.
ومن أهم مؤلفاته:
1- شرح على نظم خليل للشيخ خليفة بن حسن السوفي القماري، والذي نظمه في ما يقرب من عشرة آلاف بيت، شرحه الشيخ بلعالم رحمه الله في عشرة أسفار سماه:”مرجع الفروع للتأصيل من الكتاب والسنة والإجماع الكفيل شرح نظم الشيخ خليفة بن حسن السوفي على مختصر خليل” وهو تحت الطبع بدار الفكر.
2- “إقامة الحجة بالدليل شرح على نظم بن بادي على مهمات خليل” في (أربعة أجزاء) طبع دار ابن حزم.
3- “ملتقى الأدلة الموضح للسالك على فتح الرحيم المالك ” في (أربعة أجزاء) وهو شرح على منظومته (فتح الرحيم المالك في فقه الإمام مالك) والتي تشتمل على(2509) أبيات.
4- “الإشراق البدري على الكوكب الزهري لنظم المختصر الأخضري”. وهو شرح على نظم الأخضري وكلاهما للشيخ رحمه الله.
5- “المباحث الفكرية على الأرجوزة البكرية”.
6- “زاد السالك على أسهل المسالك” (في مجلدين)
7- “السفر القاطع والرد الرادع لمن أجاز بالقروض المنافع” . وهو رد على من أفتى بجواز المعاملة مع البنوك الربوية وفيه فوائد جمة في التنديد بمن يفتي بغير علم.
8- “السبائك الإبريزية على الجواهر الكنزية” ، وهو شرح على نظم المقدمة العزية في الفقه المالكي.
9- “الاستدلال بالكتاب والسنة النبوية على نثر ونظم العزية “، يقول عنه الشيخ رحمه الله أنه جعل له منهجية خاصة .
10- “كشف الجلباب عن جوهرة الطلاب في علمي الفروض والحساب” ( شرح على نظم الشيخ عبد الرحمن السكوتي في الفرائض)11- “كشف الدثار على تحفة الآثار” ( في مصطلح الحديث)12- “ضياء المعالم على ألفية الغريب لابن عالم” وهو شرح على ألفية الشيخ بلعالم الزجلاوي في غريب القرآن (في مجلدين)
13- “المفتاح النوراني” شرح فيه نظم الشيخ الطاهر التليلي السوفي في غريب القرآن.
14- ” الدرة السنية في علم ما ترثه البرية”. (نظم)
15- “الأصداف اليمية شرح الدرة السنية”.
16- “فواكه الخريف شرح بغية الشريف في علم الفرائض المنيف”.
17- ” ركائز الوصول على منظومة العمريطي في علم الأصول”.
18- “ميسر الحصول على شرح سفينة الأصول”.
19- “فتح المجيب على سيرة النبي الحبيب”.
21- “اللؤلؤ المنظوم على نثر ابن آجروم”.
22- “الرحلة العلية” إلى منطقة توات لذكر بعض الأعلام والآثار والمخطوطات والعادات في ( جزأين) ذكر فيها رحلاته التي تزيد عن عشرين رحلة للحج والعمرة، ورحلته إلى المغرب الأقصى.
23- “قبيلة فلان في الماضي الحاضر وما لها من العلوم والمعرفة والمآثر” .
24- ” قصيدة في الرد على الزنديق سلمان رشدي” أطلعني عليها سنة 1990.
25- “منحة الأتراب على ملحة الإعراب”.
26- ” الغصن الدّاني في حياة الشيخ عبد الرحمن بن عمر التنلاني”.
27- “محاضرة عنوانها كيفية التعليم القرآني والفقهي في منطقة توات”.
28- “محاضرة عنوانها الرسول المعلم”.
29- “انقشاع الغمامة والإلباس عن حكم العمامة واللباس من خلال سؤال سعيد هرماس”.
30- “قصيدتان في الرد على ألغاز بعث له بها الشيخ مولاي أحمد الطاهري السباعي”.
31- ” قصيدتان في رثاء الشيخ مولاي أحمد الطاهري السباعي”.
32- “مرثية الشيخ مولاي محمد الرقاني الفقيه”.
33- “مرثية الشيخ الطالب الزاوي”.
34- “مرثية الشيخ عبد العزيز شيخ مهدية”.
تنبيه:
من تواضع الشيخ أنه قال عن كتبه التي ألفها : ” إن هذه الكتب التي ألفتها، ليست من كلامي ولا من رأيي، ولا من بنات أفكاري، وإنما جمعت فيها ما ذكره العلماء في كتبهم”[في حوار مع إذاعة القرآن].
ومما أذكره أن الشيخ في سنة 1990 أهداني كل كتبه المخطوطة لما زارني وتشرفت بزيارته لي بالجزائر العاصمة، ولكني أصبت بمصيبة كبيرة فقد أعرت تلك الكتب لبعض إخواننا فلم يردها لي رغم طلبي وإلحاحي سامحه الله، ثم انقطعت الصلة بيني وبين هذا الأخ ولا أدري أين هو الآن ؟.
نشاطات الشيخ العلمية ودروسه :
عُرف الشيخ رحمه الله بكثرة نشاطه العلمي فهو جذوة متقدة من الحماس والنشاط لا تجدها عند الكثير من طلاب العلم الشباب، فقد ألقى عدة محاضرات، وشارك في كثير من الملتقيات والمؤتمرات في عدة بلدان، ومجالس الشيخ كلها عامرة بالنصح والتوجيه والفتوى.
– وله عناية بالشعر فنظم عدة قصائد، في مجالات متنوعة.
– وللشيخ رحمه الله أوقاف في مكتبة الحرم النبوي الشريف، منها : لوحة للقرآن الكريم مكتوب فيها “ثمن” [يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ..] من سورة آل عمران، ولوحة مكتوب فيها ما يُكتب للطفل عند دخوله أول مرة للكُـتّاب، وإداوة كتابة، وقلم الكتابة، وقد رأيت هذه الأوقاف في مكتبة المخطوطات بباب عثمان رضي الله عنه.
برنامجه في التدريس :
يعكف الشيخ في كل عام على إتمام ختم صحيح البخاري وتدريسه كاملا ما بين شعبان وذي الحجة ، حيث يختم في الأربعاء الأخيرة من شعبان من كل سنة ، ويدرس أيضا موطأ الأمام مالك كاملا ، وشرح صحيح مسلم كل سنتين ، كما يدرس تفسير القران الكريم وله في ذلك خمسة أيام في الأسبوع ويقوم بتدريس المتون والكتب التي ألفها.
خاتمة:
علاقتي بالشيخ:
بدأت علاقتي بالشيخ رحمه الله ومعرفتي به سنة 1982 بمدينة تمنراست حيث سمعت له درسا في تفسير سورة الفاتحة فانبهرت بعلمه وسرعة استحضاره للأدلة من الكتاب والسنة مع عزو الأحاديث لمصادرها، ومما زادني حبا له ما سمعته من إنكاره للبدع والخرافات والمظاهر الشركية، فتعلقت بالشيخ وأحببته ، وتمنيت أن ألتقي به لقاء خاصا متتلمذا على يديه.
وفي سنة 1987 رحلت إليه في بلده (أولف) في قصة طويلة ، طالبا منه العلم والاستفادة فأكرمني واستضافني ببيته، وكم تأثرت بكرمه وحسن خلقه، وخاصة لقائي به أول مرة، من غير موعد ولا توصية أو تزكية من أحد، فهو لا يعرفني، ولكنه رحمه الله هش في وجهي، وأراني من حسن الاستقبال وكرم الضيافة والعناية، ما لا يوصف، ودخلت مدرسته العامرة، ثم شرفني فزارني ببيتي، وطلب مني أن أضرب له موعدا مع شيخنا المربي العلامة الأديب أحمد سحنون – رحمه الله – وكان شيخنا بلعالم يتمنى أن تكتحل عيناه برؤيته والجلوس إليه كما كان يقول لي رحمه الله فوفقه الله لهذه الزيارة وجرى بين الشيخين لقاء مؤثر، ما زلت أذكر تفاصيله من التواضع لبعضهما البعض، ومما أذكره أني لما عرَّفْتُ بالشيخ أمام الشيخ سحنون وذكرت أن له تصانيف ومؤلفات نهرني وقال أمام الشيخ “ليس لي تصانيف وإنما هي كتابات كتبتها لنفسي”. رحم الله شيوخنا وجزاهم عنا خيرا .
ولعلي أن أرجع إلى تدوين بعض ما أعلم من سيرته _ رحمه الله.
وفاته :
توفى الشيخ رحمه الله تعالى يوم الأحد 23 ربيع الثاني 1430 هـ الموافق :19 أبريل 2009 م .
إنا لله وإنا إليه راجعون، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونسأل الله أن يتغمده برحمته ويجزيه على ما قدم من العلم والتعليم خيرا.