الشيخ محمد باي بلعالم ، العلاّمة المغمور في بلده
يقلم :. محمد رميلات –
الشيخ محمد باي بلعالم ، أحد أعلام الجزائر ودعاتها إلى الحق والهدى والنور ، تخرّج على يديه عشرات الطلبة جلهم من منطقة توات ، وأَلَّفَ زهاء 40 كتابًا ، في الفقة ، وعلوم القرآن ، والتاريخ ، والنحو ، ومصطلح الحديث ، والسيرة النبوية ... بعضها في جزئين ، وبعضها في ثلاث ، وبعضها في أربع ، وبعضها في 10 أجزاء ، أذكر منها : ضياء المعالم على ألفية الغريب لابن العالم ، المفتاح النوراني على المدخل الرباني ، كشف الدثار على تحفة الآثار ، اللؤلؤ المنظوم في شرح نظم مقدمة بن أجـروم ، الرحيق المختوم في شرح نظم نزهة الحلوم ، التحفة الوسيمة في شرح الدرة اليتيمة ، منحة الأتراب على ملحة الإعراب ، عون القيوم على كشف الغموم ، فتح المجيد في سيرة النبي الحبيب ، انقشاع الغمامة والالباس عن حكم العمامة ، وديوان شعر ، وكتب أخرى لا يسع المقام لذكرها جميعًا ... ناهيك عن مئات المحاضرات التي كان يُلقيها في الندوات والمؤتمرات والمناسبات المختلفة ...
تَجَوَّلَ الشيخ رحمه الله في عدد من دول العالم محاضرًا ومدرسًا ، وحج 37 حجة ، واعتمر 15 مرة ، وكان طلبة العلم والدكاترة والمشايخ في السعودية على الرغم مما في تلكم الديار من علماء وشيوخ ، إلا أنهم كانوا يترددون على طلب الإجازة منه في العلوم الشرعية المختلفة ... وله في مكتبة باب عثمان بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة ، جناح يقال له معرض الشيخ باي بلعالم فيه كل ما أهداه إلى المكتبة من محابر وألواح ويراعات القصب التي يُدون بها كلام الله ، وله وقفيات أخرى من مؤلفاته ومن غيرها في مكتبة المسجد النبوي الشريف ...
الشيخ محمد باي بالعالم كان يختم في كل سنة صحيح الإمام البخاري من أوله إلى آخره قراءة سردية يتبعها بشرح جميل جليل يستند فيه إلى الشُّراح الثلاث لأحاديث البخاري " ابن حجر العسقلاني ، وإرشاد الساري للقسطلاني، وعمدة القارئ العيني " ، وكان في كل سنة يختم موطأ الإمام مالك ، وصحيح مسلم ، وعند ختمه لهما يُقيم حفلا بهيجًا يحضره الجزائريون من ولايات عديدة ، فيُتلى فيه القرآن ، وتتردد في أصدائه المدائح النبوية ، وتُوزع خلاله الجوائز العينية على حفظة كتاب الله ...
و في العدد 6/2010 من مجلة الثقافة الإسلامية التي كانت تُصدرها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، ورد على لسان الأستاذ عبدالله حامد لمين وهو أحد تلامذة الشيخ محمد باي بلعالم ، أن الشيخ رحمه الله ختم البخاري أكثر من 60 مرة ، طوال حياته كلها ، وختم صحيح مسلم 15 مرة ، وختم موطأ الإمام مالك 44 مرة ، أي في دروسه لطلبته ولعامة المسلمين ... أجل !!! أيها السادة ، كل هذا الخير موجود في الجزائر ، لكن عيون " صحافة الجزائر العاصمة وضواحيها " تعمى عن هؤلاء الأفذاذ ، دعاة الخير ، ومعلموا الناس الخير ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم : [ إن الله وملائكته وأهل السماوات والأراضين ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلم الناس الخير ] ...
كان الشيخ رحمه الله يُستقبل في ولايات الوطن وخارج الوطن بحفاوة بالغة أينما حل أو ارتحل ، ولم يخلو بيته من زوار ومحبين ..
كان الشيخ محمد باي بلعالم يستغل كل سانحة ليعظ الناس المواعظ البليغة التي تهز النفوس هزًا ، وتئزها أزًا وتَرْكُزها رَكزًا ... كان رحمه الله يحب أن تكون مجالسه عامرة بذكر اﷲ ... وكلما حَفَّت به الجموع يشير إلى أحد تلامذته أن يتلو ما تيسر من كتاب الله تجويدًا أو ترتيلاً ... آيات بينات من الذكر الحكيم يختارها الطالب القارئ بنفسه دون أن يحددها له الشيخ ، ثم يشرع في تفسيرها فيخامر العقول بالنقول ، ويشد انتباه الحاضرين إليه بالرواية الغزيرة ، والدراية الوافية الكافية ...
كان رحمه الله فقيهًا عالمًا بالحلال والحرام ... الشيخ العلاّمة محمد باي بلعالم كان صادعًا بالحق ، وسيف من سيوف الله على أهل الباطل والدروشة والتخريف والبدع والضلال والغلو والتطرف والتشدد في الدين ، لم يُثنه حر ولا قر ، ولم يَفُتَّ في عضده هرم ولا كبر ، ولم يقعده مرض ولا سقم عن دعوته إلى الله ، إلى أن توفاه الأجل في 18 أفريل 2009 عن عمر ناهز الثمانين عامًا أو يكاد ، قضى منها زهاء ستين عامًا بين المحابر والمنابر... لكن المؤسف حقًا !!!! أن جل الشباب لا يعرفون أن في الوطن أمثال هؤلاء الفضلاء ، لا يعرفون أن في الجزائر أعلام من أمثال الشيخ محمد باي بلعالم ، لأن إعلام الخدم والجواري في فضائيات الزمر المتصارعة على السلطة والمال كانوا ولا زالوا يلقنون للناشئة والشباب كره الزوايا ، وبُغض الزوايا ، والحقد على الزوايا ، وكل ما تنتجه الزوايا ... على الرغم مما في الزوايا من كنوز ورموز ...
محمد باي بلعالم كان مؤسس وشيخ زاوية مصعب بن عمير في أولف بولاية أدرار ... ولم نذكر من سيرة الشيخ سوى النزر اليسير... لأن الذي يقرأ كتبه ومؤلفاته يجد بين دفاتها علومًا جمّة ، وأخبارًا وآثارًا جديرة بالدراسة والتمعن ... رحم الله سادتنا العلماء ، وتقبل الله صالح أعمالهم وجعل مقامهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا .