أنموذجا المثقف الجزائري...

أنموذجا المثقف الجزائري…

بقلم: أحمد سوابعة-

ينتسب الشيخ البشير الإبراهيمي إلى إدريس بن عبد الله الجد الأول لأشراف الأدارسة، وكان يسمونه إدريس الأكبر ، توارثت العلم أب عن جد منذ قرون في بجاية التي تعتبر مدينة دار هجرة العلم وبالأخص الأقاليم المتاخمة لها .

خرج البشير الإبراهيمي من عائلة مولعة في العلوم العربية ونشرها بهمة واجتهاد ، كان أبوه من الرجال المناوئين للإستدمار الفرنسي ، وما لاقاه من اضطهاد وتحقير شأنه شأن الكثير من الجزائريين مما اضطر للهجرة.

كان الشيخ البشير الإبراهيمي محبا للعلم ، حافظا للقرآن الكريم ، كما حفظ ألفية ابن مالك ، وعدة رسائل منها ابن شهيد وابن برد ، ودواوين فحول المشارقة كديوان المتنبي وديوان الحماسة مما زاد الأثر البالغ في ملكته اللغوية .

ولما بلغ عمره الرابعة عشر من عمره تولى مهنة تدريس التلاميذ والطلبة وانهال عليه طلبة العلم من البلدات القريبة وتروي بعض الأحداث أنه انتقل إلى المدارس القبلية القريبة لاستيعاب العدد الكبير من الطلبة إلى أن بلغ من العمر عشرين سنة حيث سافر إلى المدينة المنورة فارا من ظلم فرنسا وجبروتها مرورا بالقاهرة التي مكث بها حوالي ثلاثة أشهر أين تعرف على أشهر علمائها كالشيخ محمد بخيت الذي استفاد منه في حديث البخاري والشيخ يوسف الدجوي في البلاغة فلازم في فقه مالك عن الشيخ الوزير التونسي وصحيح مسلم عن الشيخ حسين أحمد الفيض . وفي المدينة المنورة درس علم التفسير .

عاد إلى الجزائر وهو يحمل مشروعا مهما في إحياء علوم الدين ونشر تعاليمه وتعليم اللغة العربية وقمع الابتداع ودحض المستدمر الفرنسي الذي كان يعمل على نشر المسيحية والتغريب .

وهو المنفذ والمنقذ للمجتمع الجزائري التي كادت أن تطمس هويته وعروبته جنبا إلى جنب يؤازر عمل أخيه الشيخ عبد الحميد بن باديس بعقد الندوات العلمية والدروس الدينية لفئات محدودة من الطلبة، ولم يتوانى ولو للحظة في إلقاء المحاضرات ودروس الوعظ والإرشاد الديني كل جمعة
ثم أسس مدرسة صغيرة لتنشئة الشبان على فن الخطابة والكتابة بعد تزويدهم بالعلم الضروري والكافي لذلك .

لكن فرنسا كانت تتتبع أثره فهو محل ريب لديها ولم تطمئن إلى حركته المشبوهة وظلت تلاحقه بالتقارير وتضيق الخناق على كل من كانت له صلة بهم من تونس والحجاز. فتظاهر بممارسة التجارة لإطعام عياله .

في الفترة الممتدة من 1920 إلى 1930 كانت لقاءاته دورية مع الشيخ عبد الحميد بن باديس
مرة في قسنطينة ومرة في سطيف لتزويد بعضهما بأخبار المدينتين يخططان ويبنيان بنيانا مرصوصا يشد بعضه، يدونان كل ما له صلة بمستقبل البلاد والعباد .

هذه العشر سنوات كانت بمثابة إرهاصات تحمل في طياتها بوادر تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وإخراجها إلى النور عام 1931 .

ولا يمكن للعلم أن ينمو ويتطور إلا إذا خرج من صفحات الكتب إلى عالم التطبيق .

تبلورت الفكرة لدى العديد من الناس وأصبح لديهم من يؤمن بتلك الأفكار البناءة فالعديد من الخطباء والكتاب والشعراء يلتفون حول هذه الأفكار المغروسة فيهم بحماسة يجمعهم الأيمان الواحد ويلم شملهم بلد واحد هو الجزائر وهدفهم واحد ومصير مشترك واحد .

من خلال بعث روح الجهاد المقدس ودحض الاستدمار الفرنسي البغيض .

أمثال الطيب العقبي، مبارك الميلي، العربي التبسي، توفيق المدني وغيرهم ....

بالعزيمة الفولاذية والإرادة القوية وبالعلم الدقيق المدروس الذي لا يأتي به الباطل من بين يديه ولا من خلفه مستندين في ذلك عن القول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
((فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) فكان توكلهم على الله حق التوكل
في حين كانت فرنسا تستهين بأعمالهم الجليلة التي تذكر فتشكر وتضحيات لا تحصى ولا تنسى على مر الأزمان .

كانت جريدة البصائر يدون فيها الافتتاحية إلى أن أصدر بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي يدعو فيه إلى التفاف الشعب الجزائري حول الثورة التحريرية .

استعمل الشيخ البشر الإبراهيمي سلاح العلم والمعرفة وهو من أعظم الأسلحة التي عهدتها الأمم العربية والغربية و أن غرس العلم كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تأتي أكلها كل حين.

ويرى الشيخ البشير الإبراهيمي أن لا إصلاح إلا بالإصلاح القائم على كتاب الله وسنة نبيه ويؤمن إيمان راسخ بأن الأمة الإسلامية جسم واحد إذا تألم عضو منه تداعت له سائر الأعضاء .

فيقول : (( إن الإصلاح الديني القائم على كتاب الله وسنة رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- هو الأساس المتين للإصلاح الاجتماعي والسياسي ))

ويرى كذلك أن الحياة العلمية الحاضرة ثلاثا لا كمال معها .

هذه النقائص هي :

- ضعف الميل إلى التخصص .

- ضعف الميل إلى الابتكار.

- الكسل عن المطالعة .

فالأولى والثانية صعبتا المنال لفقدان دواعيهما . والثالثة بإمكاننا أن نقوم بها لأنها أقرب إلى الإمكان
كما يراها والشباب المتعلم كسول عن المطالعة ، والمطالعة نصف العلم فإن لم تكن نصفه فهي ثلثاه
وينصح شباب الأمة بالإدمان عليها بتنظيم وقته حتى يتمكن من الاستزادة في العلم والمعرفة ولا يتحجج بعدم وجود فراغ في حياته لذلك .

(ولا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة) إنها نصيحة ذهبية بامتياز لا ينكرها إلا جاحد
ولا يدركها إلا ذوي العقول الراقية والفطرة السليمة والأنفس التي تحمل جمالا . والتماسها لا يكون إلا من خلال هذا الدين القويم الذي جاء به سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين . تجدوا فيه الأفق أوسعوالقوى أوفر يقول تعالى في محكم تنزيله :'' يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚلَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ "

من هنا يتبين لنا أن فكر الشيخ البشير الإبراهيمي أنموذجا للمثقف والمربي والسياسي في الجزائر المعاصرة و قارئها يستجلي في بياضها من معاني الاعتبار أبلغ مما يفهم في سوادها من معاني المقالات والأخبار.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.