البعد العربي والقومي في كتابات الدكتور صالح خرفي رحمه الله
بقلم : محمد بسكر-
ما يميّز أعماله الأدبية أنّها تتّسم بالطّابع القومي، فلم يكتب رحمه الله عن الجزائر فقط، وإنّما امتدّ قلمه ليجول في عموم قضايا الوطن العربي ، واحتلت القضية الفلسطينية مكانة في أدبياته أكثر من غيره من الكتّاب الجزائريين لأسباب مختلفة، أرجعها الدكتور أبو القاسم سعد الله لكونه: درس في مصر، وتزوج من سوريا، وعمل بالجامعة العربية في القاهرة وتونس، فكانت علاقته بأهل المشرق قوية، وكتاباته عن المشرق عن معرفة وحب.
يسوقنا البحث في تاريخ الحركة الأدبية والفكرية المعاصرة في الجزائر، إلى الحديث عن شخصية أدبية لامعة، لها تأثيرها البيّن في مسار النهضة الثقافية الحديثة، وهي في تكوينها ثمرة مرحلة بدأت مع بروز الحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ عبد الحميد ابن باديس. فمن منّا لا يذكر الأديب والمفكر، والشاعر الوجداني، الدكتور صالح الخرفي (رحمه الله)؟ أو من منّا لم يقف على بحوثه التي لامس من خلالها الهموم العربية والقضايا الوطنية، وأثرى بها الأدب الجزائري نثرا وشعرا وتاريخا؟ ولعلّ القارئ يسترجع معنا فترة إشرافه على مجلة الثقافة، التي أجاد تحريرها وتميّز في إدارتها، فشهدت في حقبته نهضة نوعية في مواضيعها، وأسلوبَ خدمتها للثقافة الوطنية.
والحديث عن إنتاجه الأدبي المنظوم منه والمنثور يحتاج من الباحثين إلى صفحات حتى تُستوفى جميع جوانبه، وهو في مجمله يغلب عليه طابع الإحياء للتراث، وتحكمه لازمة التجديد، فكتاباته (( تعبر عن مرحلة الثورة والاستقلال، ففيها الصفاء والهدوء، وفيها الضباب والتوتر، وفيها المغامرة والطموح))(1). والدّارس لمؤلفاته وبحوثه لا يقف عند حدود التنوع الفكري الذي تميّزت به، ولا تشدّه مقدرة المؤلّف في العرض والتحليل، وإنّما يجد نفسه أمام استنتاجات ومقاصد رسمت ملامح فكره، مِحورها إظهار جهد الأدب الجزائري في تأكيد البعد العربي والإسلامي، وتمتين روابط التواصل بين الأقطار العربية، (( وإبراز الروح النضالية لهذا الأدب في مضمار الدفاع والمناضلة عن الهوية العربية الإسلامية لهذا الشعب))(2).
وما يميّز أعماله الأدبية أنّها تتّسم بالطّابع القومي، فلم يكتب رحمه الله عن الجزائر فقط، وإنّما امتدّ قلمه ليجول في عموم قضايا الوطن العربي ، واحتلت القضية الفلسطينية مكانة في أدبياته أكثر من غيره من الكتّاب الجزائريين لأسباب مختلفة، أرجعها الدكتور أبو القاسم سعد الله لكونه (( درس في مصر، وتزوج من سوريا، وعمل بالجامعة العربية في القاهرة وتونس، فكانت علاقته بأهل المشرق قوية، وكتاباته عن المشرق عن معرفة وحب ))(3)، وفي اعتقادنا أنّ عامل ( المكان) ليس هو الوحيد الذي رسم خط هذا التوجه نحو الكتابة عن القضايا العربية، بل قناعته الذاتية، وشعوره الوجداني ككاتب مغربي يرى أنّ الفصل بين قضايا الأمة الواحدة، يعتبر معول هدم لعروبتها ودينها.
شغلت فكرة القومية العربية ذهن (صالح الخرفي) فعالجها في معظم مؤلفاته، ولما للمغرب العربي من خصوصية فضيلة الموقع، وميزة الموضع، كما قال الشيخ مبارك الميلي، أفرد له كتابا خاصا سمّاه في رحاب المغرب العربي، أدرج فيه رؤية الكتّاب الجزائريين لموضوع الوحدة العربية، والقضية الفلسطينية، وناقش في فصوله مواضيع متنوعة منها: عروبة المغرب العربي، وعبد الحميد ابن باديس والعروبة، وأبو اليقظان داعية الوحدة، وشعراء المغرب العربي في موكب العروبة، وغيرها من المواضيع التي تبين إيمان رجال الفكر والإصلاح بقضية الوحدة المغربية.
تبلور موضوع كتابه حول (( التوجهات العربية لهذه الأقطار، وعمق مشاعر الكتّاب الجزائريين خاصّة، وانتماءاتهم العربية الإسلامية، واستماتتهم في النضال في سبيل عروبة شعوبهم))(4)، فعروبة المغرب العربي بجميع مكوناته، كما وصفها الشيخ البشير الإبراهيمي (( طبيعية، كيفما كانت الأصول التي انحدرت منها الدماء، والينابيع التي انفجرت منها الأخلاق، والخصائص والنواحي التي جاءت منها العادات والتقاليد )). فالتوجه الفكري العام للمغرب العربي بأقطاره، يختلف في نظرته للعروبة عن المشرق، فهي أصيلة متجذرة فيه، وجزء من تركيبته الاجتماعية، رغم اختلاف عناصرها بين عرب وأمازيغ، ولم تمثل إشكالا اجتماعيا أو سياسيا يُخشى منه تمزيق لحمته الاجتماعية. فالعروبة أدرك أبعادها المواطن المغربي البسيط بفطرته وأصالته؛ لأنها لا تنفك في نظره عن الإسلام، بخلاف فكرة القومية العربية في المشرق التي فُصلت فيه العروبة عن الإسلام، (( وأنت إذا أردت أن تدخل هذه البيوت المغربية من أبوابها، فادخلها من الإسلام وبالإسلام، فستتكشف لك العروبة في أصفى منابعها عراقة، وأروع مواقفها بطولة، وأسمى غاياتها إنسانية))(5) ، ولقد حاولت الدوائر الاستعمارية شرخ هذا التناغم بين العروبة والإسلام، لإدراكها أنّ المدخل الأساسي لفصل المواطن المغربي عن حضارته هو إبعاده عن إسلامه.
ويذهب الأستاذ محمد صالح الجابري إلى أنّ الإطار الفكري لمفهوم العروبة الذي رسمه المؤلف، هو الذي يميّز نظرة الكتّاب المغاربة عن نظرائهم المشارقة، الذين اخضعوا هذا المفهوم للعلمنة بسبب الصراع السياسي السائد في الأقطار العربية المشرقية، بيمنا بقيت فكرة القومية العربية في المغرب العربي على صفائها، فلم تخضع للجذب المذهبي والطائفي، ولم تكدّر بشوائب الصراع السياسي المقيت ، ولم تقبل بأي حال الفصل بينها وبين الإسلام، وفي هذا السياق يقول الشيخ البشير الإبراهيمي: (( ذلك أن مشكلات العروبة في غير الجزائر يصاحبها من الأوضاع ما يزيدها تعقيدا وإشكالا، من تعدد الحكومات وتنوعها، واختلاف الأحكام وتضادها، ومن اختلاف الاتجاه السياسي لتك الحكومات، ومن عدم ما يسمى الرأى العام في معظم الشعوب العربية ))(6).
هوامش:
1: د: أبو القاسم سعد الله، خارج السرب،ص194.
2: محمد صالح الجابري، التواصل الثقافي بين الجزائر وتونس، ص289.
3: خارج السرب، ص187.
4: التواصل الثقافي، ص301.
5: د: صالح الخرفي، في رحاب المغرب العربي، ص90.
6: آثار الشيخ البشير الإبراهيمي 5/150.