الأولويات في البعد الإصلاحي عند رجال الجمعية
بقلم: آمنة فداني-
إن الشباب في كل أمة هو عماد حاضرها وعدة مستقبلها، وهو عنصر البقاء والخلود في الأمم، وبه نستطيع الحكم على ديمومتها، فالإصلاح الشامل الذي يأمله المجتمع لا يكون إلا بتوحيد الجهود والرؤى التربوية الواعدة للشباب على أسس نظرة الحياة والمجتمع، فالتربية النافعة وحدها هي التي تضمن لنا نشئا مباركا صالحا لنفسه ووطنه، فشبل اليوم هو رجل المستقبل وكنزه، فمن الوفاء له مطاردة كل ما يهدد مستقبله وحماية أفكاره من التصورات الخاطئة والسموم المستوردة في عصر أصبحت فيه الآفات الحضارية تصدر مع البضاعة.
ولنا في القواعد التربوية القويمة والسلمية التي نهجها رواد التربية والإصلاح في الجزائر خير دليل، قال محمد البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه في آثاره ص 216: ”أحرصوا كل الحرص على أن تكون التربية قبل التعليم.. (ذلك) أن هذا الجيل الذي أنتم منه لم يؤت خيبته في الحياة من نقص في العلم، وإنما خاب أكثر ما خاب من نقص الأخلاق، فمنها كانت الخيبة ومنها كان الإخفاق”.
إن موضوع التربية لهو إحدى مشكلات العصر بصفة عامة، فالشباب المتماسك لا تكون ثماره زكية إلا إذا وجد إلى جانبهم المدرسة القويمة فهذه الأخيرة هي الطريق إلى الإعمار والاستمرارية والصلاح، هو مسلك الأنبياء والعلماء والصالحين لابد أن ترث هذه الأجيال اللاحقة هذا المسلك حتى تتحقق عملية التواصل الحضاري، ونحن يسرنا أن يقود هذا الشباب المثقف الطيب هذه الوجهة الصالحة. “لقد عمل العلامة ابن باديس رحمه الله على تربية أبناء الجزائر تربية عالية أعدت منهم نساء ورجالا ناجحين في حياتهم العامة، وساهموا مساهمة هامة في خدمة بلدهم والنهوض بمواطنيهم فكانوا خيرا لأنفسهم ولمجتمعهم”[الشهاب مارس 1937].
لقد كابد وتفانى الرجل في النضال بجهده وأفكاره إماما، خطيبا، واعظا، معلما في مناخ غير ملائم للعمل، واستطاع أن يضع الشباب بين الأصالة الصحيحة والمعاصرة الواعية، ولقد وفق في هذا الربط المحكم، كل هذا من خلال السير على سنن المنهج التدريجي في التربية، ولم يمانع من أخذ العلم عن كل أمة وبأي لسان، واقتباس كل ما هو حسن مما عند غيرنا التي تلائم بيئتهم وتتجانس مع دينهم وإدراجها في البناء وهي بمثابة مكملات لأصولها وفروع لجذورها.
الدين والعلم ضرورة إنسانية، فلدينا أصالتنا ومناعتنا ولنا ديننا الحنيف بذلك الدين القيم {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[الروم:30].
لما يرى ابن باديس التعليم قبل التأليف وهذا من خلال لقائه مع بعض طلبته قائلين “نادانا مرة إلى مكتبته العامرة ليأخذ رأينا فيما يريد إدخاله من مواد جديدة على برنامج السنة الدراسية المقبلة فأبدينا رأينا بكل حرية، ثم اغتنم أحدنا الفرصة فقال: وددنا سيدي لو خصصت بعض الوقت لتأليف الكتب ربما احتاج إليها جيل الغد، فحدق في وجهه قائلا: إن الشعب يا بني ليس اليوم في حاجة إلى تأليف الكتب بقدر ما هو في حاجة إلى تأليف الرجال، هب أني انصرفت إلى التأليف وانقطعت عن نشر العلم وإعداد نشء الأمة من أمثالكم، فمن يقرأ كتبي ما دام الشعب يتخبط في ظلمات الجهل والأمية. إن إعداد معلم واحد كفء يتصدى لمحاربة الجهل الفاشي في ربوعنا لخير لمجتمعنا من ألف كتاب قد يستحوذ عليها أحد المحتكرين فيغلق عليها في خزانته للزينة والفخر إلى أن تبد وتبلى… وإن مرحلة التأليف الآتية…” كتاب من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد ابن باديس ومحمد البشير الابراهيمي الأستاذ باعزيز بن عمر.
إن التربية التي تربط الفرد على هذا الكون برب الكون تربية متكاملة تستهدف إيجاد الإنسان الصالح الفعال المدرك على المستوى الإنساني العام يرى موضعه الصحيح من الكون الكبير الذي يؤلف هو جزءا منه ويكفي المرء دليلا أن يعاود منجزات رجال كانوا قدوة صالحة وضمانة فعالية في التربية وصواب التوجيه وفهم حقائق الحياة، لم تطل بهم الإقامة بهذه الديار إلا لسنوات معدودات حتى يقدروا حق قدرهم.
نسأل المولى عز وجل أن يوفق أبناء وطني لبذل الجهد والاقتفاء بأثرهم وأثر كل مصلح في الوفاء والإخلاص.