الدكتور صالح بن صالح الخرفي

بقلم: قاسم أحمد الشيخ بالحاج-

صالح بن صالح الخرفي من مواليد بلدة القرارة بوادي ميزاب سنة 1932م، التحق بمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء بباتنة سنة 1938م، ثم عاد إلى القرارة ليستكمل دراسته الابتدائية بمدرسة الحياة، فاستظهر كتاب الله العزيز سنة 1946 وهو لم يبلغ سنة التكليف، ثم التحق بمعهد الحياة ليزاول دراسته الثانوية، وهناك تفتقت مواهبه فنهل من أصول العلوم الشرعية والأدبية، وعرف العلاقة الوطيدة بين الأخلاق والمعرفة.

غادر الجزائر سنة 1953 موليا وجهه شطر تونس الخضراء لمواصلة مشواره العلمي في جامع الزيتونة ومدارس الخلدونية، وجلس بين يدي علمائها فترة من الزمن مغترفا من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية والفنون الأدبية.

في تونس كانت له نشاطات أدبية وثقافية متنوعة، وشارك بها في محافل ولقاءات عديدة، كما كان له إلى جانب ذلك نشاط صحفي وإعلامي، حيث أسهم بمقالاته في الصحافة التونسية وأذاع في قنواتها بما كانت تجود به قريحته من الشعر، وبما كان يمليه قلمه من أفكار حول ثورة الجزائر المباركة وقضيتها العادلة، فعمل على استنهاض همم الجالية الجزائرية المتواجدة في تونس، كما استنهض الشعب التونسي ليقف مع إخوانه في جهادهم ضد المستعمر الفرنسي الغاصب. وقد كان يكنيِّ نفسه في هذا العمل بأبي عبد الله صالح، ليستخفي من أعين الاستعمار ومتابعته.

ومع الطلبة الجزائريين كان له حضور ونشاط آخر مع رفاقه الذين غادروا الجزائر لنفس المهمة والهدف، فجمعهم العمل الطلاَّبي تحت مظلة منظمة اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بفرع تونس سنة 1956م، فكان عضوا في إدارتها.

وتمثيلا للقضية الجزائرية وتعريفا لها سافر من تونس إلى المشرق بجواز سفر تونسي يحمل اسما مستعارا هو “حمودة الحبيب” وشارك به في ملتقيات أدبية ومحافل علمية. مخاطبا ومدوِّيا بالقضية الجزائرية، وملقيا القصائد الشعرية ومتغنِّيا بثورة الجزائر وبطولاتها المجيدة.

إلى أن أتت سنة 1957م حيث أتاحت له الظروف بعد محاولات كثيرة أن ينتقل إلى مصر ويستقرَّ بالقاهرة لمواصلة مشواره الدراسي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. فتحصَّل سنة 1960م على شهادة الليسانس.

عاد بعد ذلك إلى تونس ليتولَّى مهمَّة كلفته بها وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الجزائرية، ألا وهي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية الجزائرية في المنطقة الرابعة المعروفة بمنطقة الكاف. واستمر عمله هناك إلى فجر الاستقلال.

دخل أرض الوطن بعد الاستقلال مباشرة، وعمل مسؤولا للعلاقات الثقافية بين الجزائر والبلاد العربية في وزارة التربية الوطنية.

كما أنَّ طموح شاعرنا وأديبنا جعلاه لا يرضى بمستواه العلمي ويتطلَّع إلى ما هو أعلى ويسعى للحصول على أرقى الدرجات والمراتب العلمية، حيث سجَّل رسالته للماجستير في نفس الجامعة التي تخرج منها بالقاهرة، فأعدَّ بحثا حول شعر المقاومة الجزائرية ونال به شهادته سنة 1966م بتقدير امتياز، وأثناء سنتي 1968-1969م أقام في القاهرة متفرغا لإعداد أطروحة الدكتوراه بنفس الجامعة في موضوع الشعر الجزائري الحديث، فنالها سنة 1970م.

خلال فترة الستِّينيات كان شاعرنا متفرِّغا للعمل العلمي الأكاديمي مساهما في تكوين أجيال الاستقلال الأولى، فبالإضافة لانشغاله بإعداد بحوثه الجامعية فقد دخل الجامعة سنة 1964م مدرِّسا في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر، وتدرَّج في سلكها الوظيفي من أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر، كما تولَّى رئاسة المعهد من سنة 1971م إلى سنة 1976م.

وكان ضمن المثقفين الجزائريين الأوَّلين الذين فكَّروا في تأسيس اتحاد الكتَّاب الجزائريين ووضعوا اللبنات الأولى لصرحه العظيم وأعطوا الدفعات الأولى لانطلاقه سنة 1964م.

كما كان ضمن الداعين إلى تعريب الجامعة الجزائرية، فأسهم بجهوده وآرائه في المناهج العلمية والطرق والخطوات المتَّبعة لأجل تحقيق ذلك، فعمل ضمن اللجنة الوطنية للتعريب التي أنشأتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من 1971م إلى سنة 1976م.

كما كان عضوا في لجنة إصلاح العليم العالي التابعة لوزارة التعليم العالي سنة 1971.

بعد أن أسهم بجهوده العلمية في خدمة وطنه والرفع من المستوى المعرفي لأبنائه مدة خمسة عشر سنة، اختار بلده ليمثِّله بالخارج في منظمة الجامعة العربية، فما كان منه إلا أن يستجيب للطَّلب ويحزم رحاله للانتقال إلى جمهورية مصر العربية ويحل بالقاهرة موطن تكوينه العلمي ونضجه المعرفي.

غادر الجزائر سنة 1976م ملتحقا بعمله في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فمكث في القاهرة إلى بداية الثمانينيات، ثم نقل مقر المنظمة من القاهرة إلى العاصمة تونس بعد اتفاقية “كامديف” بين مصر وإسرائيل، وانتقل بدوره للعمل في تونس.

كما تولَّى رئاسة تحرير مجلة المنظمة المسماة “المجلة العربية للثقافة سنة 1981م.

وبقي مشتغلا فيها إلى سنة تقاعده في بداية التسعينيات.

خلال كلِّ هذه الفترة التي قضاها الأستاذ خارج بلده كان وفيًّا له في تمثيله أحسن تمثيل، وفي زيارته كلَّما سمحت له ظروفه بذلك، ومشاركة أهله وإخوانه في أفراحهم وأعيادهم والإسهام بخبرته وتجربته وآرائه في كل ما ينفع بلده.

وكذا الإسهام بملكته المعرفية الغزيرة في الملتقيات العلمية والأدبية والشعرية والتحليق بالناس بما جادت به خواطره من جولاته ولقاءاته في ربوع البلدان العربية مشرقا ومغربا؛ التي كان يزورها بين الحين والآخر في إطار أعماله ضمن المنظمة العربية.

إن العمل الإداري الذي مُني به أديبنا في المنظمة العربية لم يجعله ينقطع أبدا من الساحة العلمية الثقافية أو يبتعد عنها، إذ أن قلمه بقي سيَّالا مبدعا متجددا طوال حياته.
ولأستاذنا مشاركات في عدة بحوث علمية في إطار عمله في المنظَّمة العربية نذكر منها:

– مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، سنة 1985م.

– العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية سنة 1985م.

– من قضايا اللغة العربية المعاصرة، سنة 1990م.

في بداية التسعينيات نال أديبنا تقاعده المهني وجدد العزم للانطلاق في رحلة البحث والمعرفة؛ ولم يكن هذا التقاعد نهاية لنشاطاته العلمية واستكانة إلى الراحة أو توجُّها لاهتماماته إلى مجالات أخرى خارج الثقافة والعلم كما يحلو للبعض من أمثاله أن يفعل حين بلوغهم هذا العمر، بل كانت هذه المحطة بداية جديدة له في الجهاد بالقلم والكلمة في كتابة التاريخ وفي التعريف بأصول هذه الأمة وجذورها وكشف الحجب عن عظمائها ومقوماتها.

فضَّل شاعرنا البقاء في الغربة بتونس مواصلا فصلا آخر من الجهاد تمثَّل في الاهتمام بتاريخ الحركة الوطنية التونسية، باحثا عن وثائقها وجامعا أرشيفها منقذا إياه من الضياع والإتلاف الذي مسَّ الكثير منه، فاهتمَّ بشخصية الشيخ عبد العزيز الثعالبي التي طمس كل أثر لها في تونس حتىَّ كاد لا يعرفه ولا يذكره أحد من المثقفين التونسيين فكيف بعامتهم؛ وهو الذي كان القائد المخلص لدينه وشعبه ووطنه ضدَّ المستعمر الفرنسي، وضحَّى بكل ما يملك وأفنى حياته في خدمة قضية الشعب، وترعرعت على يده وانطلقت الدفعات الأولى للحركة الوطنية التونسية التي كان لها الفضل في استقلال تونس من بعد.

جمع عمله وأخرجه إلى نور الحياة كتابا يروي تفاصيل حياة الزعيم التونسي وجهاده وجهوده الجبارة في سبيل نيل تونس استقلالها عنونه بـ: الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب.

ثم حقَّق أحد كتبه الذي بقي لفترة طويلة مخطوطا لم يول له الاهتمام، وبقي مغمورا لا أحد يعرف عنه شيئا، وهو بعنوان: الرسالة المحمدية.

وأثناء عمله هذا كان الدكتور صالح خرفي يترقَّب ويتوقَّع أي رد فعل من السلطات التونسية، قد يكون طردا من تونس إلى الأبد أو متابعات قضائية قد تنتهي به إلى غياهب السجون، أو ملاحقات ومضايقات واستنطاقات.

لكن إيمانه بالقضية جعله لا يبال بكل هذا واندفع وراء إنجاز مهمَّته بكل ثقة وتوكُّلٍ على ربه، وإيمانٍ بمهمته.

وفعلا فإن الله تعالى قد حقَّق أمنيته ووفَّقه ليرى ثمار جهوده وبلَّغه أن يشهد طبع بحثه وإدخاله إلى تونس وأن يلقى صدى طيبا لدى عامة الشعب والطبقة المثقفة منه خاصة، فعرف بالكتاب واهتمَّت به الصحف ودارت حوله حصص إعلامية.

ولعلَّ العناية الربَّانية بشاعرنا كانت تحوم به من كل جهة وتحطُّ أجنحتها بين أجنبه حيث عرف عليه في الشهور الأخيرة قبل وفاته انكبابه على تلاوة القرآن الكريم والتعمُّق في معرفة أحكامه من بعض التفاسير التي كانت بين يديه.

وهكذا ختم الله تعالى أنفاسه في هذا الجوِّ المهيب في تونس العاصمة بعد مرض مفاجئ أصابه وقبض روحه وصعد إلى باريه في يوم 24 نوفمبر من عام 1998م.

ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالقرارة بوادي ميزاب ووُوري التراب في محفل مهيب حضره عدد من مسؤولي الدولة وإطاراتها وجمع من أصدقائه ومشايخه الذين شهدوا بقاءه على العهد وجموع غفيرة من أهله وأقربائه ممن عرفوه وأحبُّوه، فأتوا ليودِّعوه لآخر مرَّة ولينم بالقرب منهم بعد أن قضى حياته في المهجر بعيدا عنهم.

الإنتاج الفكري والبحوث العملية المطبوعة:

في الأبحاث والدراسات:

– شعراء من الجزائر، القاهرة 1969م.

– صفحات من الجزائر، الجزائر 1974م.

– الشعر الجزائري الحديث، الجزائر 1975م.

– الجزائر والأصالة الثورية، الجزائر 1978م.

– شعر المقاومة الجزائرية، الجزائر 1982م.

– في ذكرى الأمير عبد القادر، الجزائر 1984م.

– في رحاب المغرب العربي، بيروت 1985م.

– الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1995م.

– تحقيق كتاب: الرسالة المحمَّدية من نزول الوحي إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبد العزيز الثعالبي، دار ابن كثير، دمشق-بيروت 1997م.

– تحقيق كتاب: خلافة الصديق والفاروق، للشيخ عبد العزيز الثعالبي، دار ابن كثير، دمشق-بيروت 1997م.

– تحقيق كتاب: الفلسفة الإسلامية وحكمة التشريع، للشيخ عبد العزيز الثعالبي، دار ابن كثير، دمشق-بيروت 1997م.

– المفترى عليهم العرب والبربر في المغرب العربي، (مخطوط).

– المدارس الحرة والمعاهد العليا وأثرها في النهضة العربية الحديثة، بيروت 1991م.

دراسات تحت الإعداد:

– الإرث الفكري لعمر بن قدور، رائد الصحافة الوطنية الجزائرية قبل الحرب العالمية الأولى.
– رحلات الزعيم الوطني محمد فريد إلى الجزائر (1901-1905)

– الزعيم عبد العزيز الثعالبي وإسهاماته في فكر العروبة.

– الجزائر في مجلة الفتح، لمحب الدين الخطيب (1926-1938).

في الشعر:

– صرخة الجزائر الثائرة قطر1958م.

– نوفمبر قطر 1961م.

– أطلس المعجزات الجزائر 1967م.

– أنت ليلاي الجزائر 1974م.

– من أعماق الصحراء بيروت 1991م.

في الأدب الجزائري الحديث:

– المدخل إلى الأدب الجزائري الحديث الجزائر 1983م.

– عمر بن قدور الجزائري الجزائر 1984م.

– حمود رمضان الجزائر 1983م.

– محمد السعيد الزهراوي الجزائر 1986م.

– محمد العيد آل خليفة الجزائر 1986م.

قصائد ومقالات ومسرحيات منشورة في الصحف والمجلات:

القصائد:
– رمضان أقبل: مجلة الندوة، تونس، أفريل1956م.

– مأساة تبسة: مجلة الندوة، تونس، ماي1956م.

– ليالي موللي استقل: جريدة الزيتونة، 6ماي1956م.

– الواقع الرهيب: جريدة الزيتونة، تونس، 29جوان 1956م.

– الجزائر المكافحة: مجلة الندوة، تونس، أكتوبر1956م.

– سلاحنا وسلاحهم: مجلة الندوة، تونس، 4 ديسمبر 1956م.

– الثائر الجزائري: جريدة الصبا، تونس، 19 جانفي 1957م.

– فتاة العروبة: مجلة الندوة، تونس، جانفي، فيفري، 1957م.

– سقوط في موللي: جريدة الصباح، تونس، 1 ماي 1957م.

– اصل الحرب: جريدة الصباح، تونس، 02 مارس 1958م.

– تحية الجزائر: مجلة افكر، تونس، فيفري 1959م.

– جميلة بو حيرد: مجلة الفكر، تونس، مارس 1959م.

– وفمبر: مجلة الفكر، تونس، جوان 1962م.

– الجرح المتجاوب: مجلة اللغات، تونس، جانفي 1962م.

– أطلس المعجزات: مجلة الفكر، تونس، فيفري 1962م.

– عيد بلا أم: مجلة اللغات، تونس، مارس 1962م.

– الحرية في الشعر الجزائري، ج1، مجلة الفكر، تونس، مارس1962م.

– مولد برعم: مجلة الثقافة، عدد 20، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، ربيع الأول/ربيع الثاني أفريل/ماي 1974م.

مقالات:

– الشعر والانحراف الديني: مجلة الثقافة، عدد7، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، محرم1392 مارس 1972م.

– مقدمة في شعر المقاومة الجزائرية: مجلة الثقافة، عدد 29، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، رمضان/شوال1395-أكتوبر/نوفمبر 1975م..

– الجزائر عروبة وإسلام: مجلة الثقافة، عدد24، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، ذو القعدة/ ذو الحجة – ديسمبر / جانفي 1975م.

– من أمجادنا الصحافية: الشعور الإسلامي في الجزائر: إعداد وتعليق، مجلة الثقافة، عدد7، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، محرم1392 – مارس 1972م.

إضافة إلى كل هذا فللشاعر صالح الخرفي مشاركات بالتحرير والصياغة والإعداد للكثير من الدراسات والأبحاث الصادرة عن إدارة الثقافة التي كان يديرها في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من بينها ما يلي:

– مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، 1995م بالتعاون مع مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض.

– العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية، 1985م بالتعاون مع جامعة الخرطوم.

– من قضايا اللغة العربية المعاصرة، 1990م.


منقول من كتاب: الشاعر صالح الخرفي صفحات في مساره الفكري والأدبي للأستاذ: قاسم أحمد الشيخ بالحاج.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.