جمعية العلماء المسلمين الجزائريين آثار ومآثر

بقلم: آمنة فداني -

قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله: دقات القلب المرء قائلة إن الحياة دقائق وثوان، ودع دنياه رجل من أعلام الفكر الإصلاحي العربي الإسلامي وأبو النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله، ومن خلال الحياة القصيرة التي عاشها الرجل محافظا على العهد ووفيا له، فلم يتوقف يوما على التفكير والعمل لصالح وطنه وأمته، رجل نذر نفسه وكل ما يملك لذلك، بعث الأمل في نفوس الأمة بأن جذوتها لن تخبو حتى تلفظ الحياة آخر أنفاسها كان يخاطب طلبته عام 1937 فيسألهم لمن أعيش؟ ليجيب أعيش للإسلام والجزائر.

ستظل هذه الكلمات نبراسا للرقي والإخلاص، فقد كان لهذا الرجل الكبير والعالم المصلح الدور البارز في تنوير عقول الناس وهذا من خلال زرع بذرة طيبة في أرض طيبة، في أرض طيبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التف حولها علماء كثر شاركوه في تأسيسها ضمت رجالا من صفوة العلم والفكر الإسلامي بغزارة العلم والوطنية الصحيحة الشيخ البشير الإبراهيمي، الشيخ العربي التبسي، الشيخ محمد العيد آل خليفة، الشيخ مبارك الميلي، الشيخ إبراهيم بيوض، وغيرهم كثير اتحدت أهدافهم ومبادئهم اعتمدوا على تسيير هذا العمل الضخم بوسائل متنوعة من خلال منهجية متبعة خطابة، صحافة، تربية، تعليم، حيث بدأت هذه الأخيرة بتأسيس المدارس والنوادي والكتاتيب يرسم للأجيال معالم طريق المستقبل من خلال التربية المستمرة، وهم يدركون أن محاربة الأمية والتخلف واجب وطني، وحتى ديننا الحنيف أعظم حافز على التعلم والتقدم ولا تجد فيه ما يعوق سيره أو يؤخر تقدمه، فالذين هامت قلوبهم بحب أوطانهم وشعوبهم ونذروا حياتهم لها قد يطبقون السير معه، إنها مدرسة لا ينازعه في إعلاء بنيانها سوى أولئك الرجال الذين وقفوا معه وقت المحن، والجزائر اليوم محتاجة لأفكار هذا الرجل العظيم من خلال حكمته، بصيرته وبعد نظره، وهو القائل “الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء” من هنا تتجلى نظرة الرجل للوطن، رغم اختلاف الزمان والمكان إنه ماض زاهر، ومواقف فارقة خدمة للحاضر والمستقبل كما للرجل ذوق خاص في فهم الأشياء وتحديد معالمها خاصة في التركيز على إنسانية الإنسان لا يهم في ذلك دينه وعرقه ووطنه مراعيا فيه قيم التسامح والحضارة إنه الذكاء في البناء والتعمير، فهو ماض في نظر البعض لكنه ما زال حاضرا رغم بعد الزمان والمكان.

إن الاحتفال بهذه الذكرى 16 أفريل في كثير من الأحيان قد أفرغت من معانيها السامية لذا وجب علينا ضرورة استيعاب التراث الفكري الذي تأسس عليه فكر الرجل ومواقفه في ذكرى رحيل رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر رثاه العديد من العلماء والأدباء والشعراء رفقاء الدرب والتي ذكرت في كتاب الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العلمية والفكرية للأستاذ الزبير ابن الرحال.

شارك في موكب جنازة الرجل جمعية الكشافة الإسلامية وسائر الجمعيات الأخرى وكان في مقدمة هذا الموكب المهيب الشيخ العربي التبسي والشيخ محمد مبارك الميلي والدكتور محمد الصالح بن جلول، كانت كلمات هذه الكوكبة من العلماء مؤثرة، تقدم الشيخ مبارك الميلي وصلى عليه وأبنه قائلا:”نم هنيئا مطمئنا، فما غرسته سينمو ويثمر، فقد تركت بعدك رجالا وإخوانا وتلاميذ يجددون لك العهد اليوم بأنهم سيواصلون الكفاح ويستمرون في السير على النهج الذي تركتهم عليه مستمدين من الله العون ومن روحك الطاهرة الدليل والمرشد..”

بعدها تقدم الشيخ العربي التبسي رحمه الله قائلا:”إذا مات ابن باديس فإن العلم لم يمت وإذا سقط في الميدان فإن فيه بقية من رجال سيحملون راية الإصلاح والكفاح…”

كما ألقى بدوره الدكتور محمد الصالح بن الجلول كلمة أشاد فيها بأعمال الفقيد وجهاده في سبيل وطنه ودينه.

كما بعث الشيخ البشير الإبراهيمي رسالة عزاء من منفاه قائلا: “… أعتقد أن الراحل أخي العزيز لم يكن لأحد دون أحد، بل كان كالشمس لجميع الناس، وأعتقد أن فقده لن يحزن قريبا دون عدو، وإن أوفر الناس حظا من الأسى لهذا الخطب هم أعرف الناس بقيمة الفقيد وبقيمة الخسارة بفقده للعلم والإسلام لا للجزائر وحدها، فلهذا بعثت أعزيكم على فقد ذلك البحر الذي غاض بعد أن فاض…”

ذكر الكثير من المؤرخين والدارسين لتلك الحقبة الزمنية حيث اعتبروها انطلاقة لوعي عميق ونهضة فكرية راشدة، فأولى بنا أن تجعل يوم العلم يوم للاقتداء، وما هذا الرجل إلا ابنا للجزائر نكتشف فيه اليوم مناقب وعبر.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.