ضمير مالك بن نبي
بقلم: أ.د. ليلى محمد بلخير-
الحديث عن الضمير حديث عن الإنسان، وحديث عن لطائف وأسرار الروح والفكر والوجدان والحياة والحضارة، يحدثنا الأستاذ مالك بن نبي عن الضمير في إطار رؤية تعنى بالباطن والظاهر، ولكن هل الضمير يحتاج إلى رؤية؟ أم هو فكرة جاهزة تحتاج إلى إنزالها مستوى الواقع؟ أم هو إحساس؟ هل الضمير سجية أم تربية وصناعة أم هو كل ذلك؟
الضمير طاقة روحية يقظة تمارس الرقابة والضبط الذاتي بشكل مستمر ودائب، نحتاج دائما لتعزيز هذه الطاقة الحيوية، من أجل بعث قدرتها حتى يبقى للضمير صوته القوي البليغ، وتظل تشع نبراته بالحق والجمال، يقول مالك بن نبي:”فنحن في حاجة إلى إعادة تنظيم طاقة المسلم الحيوية وتوجيهها، وأول ما يصادفنا في هذا السبيل هو أنه يجب تنظيم تعليم (القرآن) تنظيما (يوحي) معه من جديد إلى الضمير المسلم (الحقيقة) القرآنية كما لو كانت جديدة نازلة من فورها من السماء على هذا الضمير”(ميلاد مجتمع ص114).
يؤكد على استرجاع طاقة التأثير الموجودة في القرآن لبناء القيم الرفيعة، فينهض من جديد ضمير مؤمن بالرسالة المكلف بها في داخل بيته ومحيطه ولكل الناس. وهذا يتعلق بتصفية منازعنا، وسلوكنا، وعاداتنا، وغاياتنا، من عوامل الهدم والفساد، حتى يكون النهوض قويا، ولا تراجع فيه أو تعثر{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: 23].
الضمير= الصدق + الإنجاز
وهي معادلة بسيطة، تحتاج فقط إلى قوة في التنفيذ، ولا يتم ذلك بصورة عبثية، بل بتأسيس لنهضة الضمير كحركة منسجمة من داخل الوجدان إلى كل دوائر الحياة والعمران، بالفعل إنها طاقة روحية هائلة في الإنسان تمده بأسباب السعادة إن عرف كيف يضغط على أزرار التشغيل فيها، واتبع ضوابطها وقوانينها. الضمير كلمة واحدة نختصر فيها الإنسان، لأن عطب الضمير هو موت بطيء وطويل كمن يرقد في غيبوبة، أو يحيا في تبدل للأقنعة والوجوه، إنه يعاني من الشتات، أو التضخم أو الانكماش مريض بالازدواجية أو الفصام، يقتات على الضغينة والحقد وسوء الظن. من أهم مظاهر عطب الضمير في حياتنا المعاصرة هو الجرأة على الحرام، وتسويغ قطع الأرحام، وجعل منظومة الغش مسيطرة على المناشط والمكاره، وما دام الضمير يعاني من ضمور وعطب، فهو كأي محرك يحتاج لصيانة وتعبئة، الصيانة هي إزالة الرواسب العالقة، وذلك بتفعيل خلق رباني شفاف هو (سلامة الصدر)، لا يشع النور إلا بالقضاء على الظلمات والمظالم، ويبقى الضمير وهيج نور في قلب الحي، يهتدي به في سيره هو رؤية منسجمة لما حواليه، بها يفهم ويقرأ ويفسر ويحكم وينفذ قراراته بكل راحة وثبات.
ولهذا يتعلق الضمير عند مالك بن نبي بفلسفة الجمال والقيم الإسلامية “فالتوجيه الأخلاقي يخلق الباعث ويولد الدافع ويطهره من الشوائب والزلات، فيتحول هذا الدافع إلى هندسة أنيقة تتصف بالذوق الجمالي، وبعد أن ترتسم الصورة بالتوجيه الجمالي تأتي مرحلة تحويلها إلى فعل وعمل ينبغي أن يصبح خبرة ومهنة وصناعة “مشكلة الأفكار ص 139 في النص تنويه بجمال الانسجام بين الوعي والسلوك، يؤدي الضمير هنا دور المنسق الفني، لامتزاج الفكرة مع العمل بشكل صادق واع ومستمر، لأن في يقظة الضمير حياة.