قراءة في بعض علاقات مالك بن نبي

بقلم: عزوق موسى-

مالك بن نبي ينتصر للفكرة دوما *(وهو صاحب التصنيف عالم الأفكار الأشخاص والأشياء)، ويضطر في كثير من الأحيان إلى التشخيص ليس طبعا انتقاما وإنما ”توظيفا للفكرة ذاتها”. بعيدا عن التجسيد ويقدر المصلحة بقدرها وستلاحظ تباعد الردود وان الغرض شريف جدا  :

1- فرحات عباس 1936

تجده مثلا ينتقد فرحات عباس بقوة وهو يومها من هو صيدلي كاتب مفوه ومدعوم من فرنسا لانه من الاندماجين و مسكوت عنه حتى من جمعية العلماء التي لم ترد الرد اللائق ” الكافي ” على مقاله المخزي : “فرنسا هي انا ” ؟. التي تمس كل جزائري حر مقتنع بجذوره ” الإسلامية خصوصا “. وكان على الجمعية ان ترد بقوة كافية . لكنها لم تفعل ؟ بل اكثر من ذلك لم تنشر المقال المرسل اليها من مالك الطالب المحب الغيور على وطنه ودينه بحجة الحفاظ على مكانة فرحات السياسية ؟؟؟ (حيث تم إرسال نسخة إلى الأمين العمودي لنشره في صحيفة الجمعية  – الدفاع-  )….. وهكذا كان عنوان مقال الرد المفعم : “مثقفون أم متثقفون؟”  برمزية ادعاء المعرفة وذلك الاستلاب والانبطاح لن يجعل منك أبدا مثقفا وان كنت حاصل على درجات عالية من الشهادات لان للثقافة كما الحرية ثمن غالي هو المقاومة ؟ اضاف الى العنوان عنوانا فرعيا :” المهوسون – مستلبون حضاريا وفكريا – سقوط الصنم ” وفي هذا اشارة ضمنية قوية جدا بالإحالة إلى ما كتبه الفيلسوف الالماني نيتشه Nietzsche بعنوان أفول الأصنام؟ وهي صفعة مزدوجة لمن يعتقدون بوحدانية أمهم فرنسا ” أحادي الثقافة ” بان هناك من قهرها قهرا وهم الألمان وبذلك سيسقط الصنم ” الوهم ” ثم يؤيد ذلك في بقية المقال بالإشارة إلى السامري ؟ ووهم الصنم , وبان هناك عالم اخر غير فرنسا واكثر حضارة منها وهو بدوره يعتز بما عندك أيها المسلم ؟ فكيف لك ان تبحث في الكون والكون انت ؟ وقد كتبت تحت هذا العنوان وحاولت جهدي شرح ذلك مع ارفاق الرسالة الرد التي لم ترى النور ” في الصحافة ” الا مرة واحدة ووحيدة  1991 .

2- الشيخ عبد الحميد بن باديس والجمعية مؤتمر 1936 في باريس ؟

” أي غنيمة كانوا ينتظرونها من باريس ؟ ومفتاح القضية في روح الامة وليس وعود الاستدمار ” مالك   حيث تقدم وانتقدها بقوة  لمشاركتها أصلا في المؤتمر الإسلامي المزعوم اين تم نقل مكان المعركة خارج ” الملعب “

.وتم انزال الوفد العلمائي  المعمم عمدا في النزل ”الفندق” الفخم والمشهور- بالعهر والخمور “. ثم اختيار ”الشيخ الفضيل الورثلاني” رحمه الله ممثلا للجمعية في فرنسا (وقد كان يعتبر نفسه وصحبه الساعي الأكثر والأصلح من يمثل نهج الإصلاح ! وموجودبن هناك منذ زمن مع اتقان اللغة الفرنسية ومعرفة جيدة بالواقع ‘ الطلابي والعمالي . اهم من ذلك كله ” النقطة التي افاضت الكأس “.تسليم زمام الأمور ” التفاوض باسمهم وتكثير سوادهم ” اصحاب ” السياسة التلاعبية :« الـ»« « Bolitique لللائكيين العلمانيين المنبطحين المتلاعبين الناكرين للهوية الجزائرية المسلوبين حضاريا من امثال بن جلول وغيره …ولقد المه وهو يوجه كلامه للشيخ بن باديس ان يكون الرد من ” المحامي ” المتمرس في ” التلفيق ”. ثم انه انب العمودي عن سبب عدم نشره للمقال اعلاه وكان جوابه اكثر الما ؟” المحافظة على مستقبل فرحات السياسي ” ؟ وقد نشرت مقارنة بذلك 15-09-2019 بين مؤتمر 1936 – 2019 – الجزائرية للاخبار

3- صدور شروط النهضة 1949 وردود الفعل ” الحاقدة ؟”:

تفجرت عدة ردود فعل  غريبة ” شخصية ” ومنظمة من عدة أطراف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ؟ واتهم بمساندة اليسار بل الشيوعية كما اتهم بانه مجرد ناقل او مترجم ؟ جريدة ( الكونبة ) و(الليبرتي) الشيوعية ؟ و(ريببليك الجيريان ) حزب البيان و جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين و ( جون ميزلمو ) …

لو كان يريد انتصار لنفسه يومها لكان قام بالرد ” المشروع ” على كل الاتهامات التي وجهت له يومها زورا وبهتانا . لكنه اكتفى بالإشارة الى ذلك في مذكراته حيث ينسب ذلك إلى ” جهاز الحرب النفسية ” التابع للمخابرات الفرنسية وانه حقق انتصار على أول دراسة علمية حول :” معامل المستعمر ” – وهي دراسة واقعية غير خيالية مجسدة ” في شروط النهضة ” التي لو تحققت لقضينا فعلا على المستدمر آليا لاعتمادها على تغيير ما بالأنفس – وهي عكس ما يرغب ويشجع عليه المستعمر في انتظار الحلول من القمر ؟؟ ويجد في نفسية كثيرين ” الاتكالية ” ميولا ورغبة .

لكن الرد جاء بعد 15 سنة كاملة ( أقدمية مسقطة لأي احتمال انتقام تشخيصي ؟) واضطر الى ذلك اضرارا للتدليل على أساليب الحرب النفسية التي يمارسها المستعمر فيذكر في الصفحة 39 من كتابه ” الصراع الفكري في البلدان المستعمرة “(1): ” لما صدرت النسخة الفرنسية لكتابي المعنون بـ ” شروط النهضة ” في الجزائر من 15 خمسة عشر سنة , سارع الاستعمار بالضغط على أحد أهم الأزرار , وسرعان ما أدى ذلك إلى ظهور حملة معادية لي من خلال ثلاث أنواع من ردود الفعل . الأول كان من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بواسطة مقالين منشورين في الجريدة الناطقة باسم الجمعية. حيث ينعت صاحب المقالين كتابي بأنه مستوحى في مجمله من المقالات التي نشرت في إحدى الجرائد اليومية الباريسية؟ والثاني نشر في جريدة ناطقة باسم حزب ذي توجه وطني من خلال مقالين كذلك ؟ والكاتب فيهما يتظاهر بأنه يقدم نقدا نزيها ومحايدا لكتابي تحت عنوان : ” عثرة وإبهام ” وهو عنوان مغرض جدا كما هو واضح. أما رد الفعل الثالث فجاء على لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري . وقد قدم كتابي بأنه: ”يستحق إعجاب الاستعمار”؟  وفي نفس المضمار لابد أن نضيف موقف ”الصحافة التقدمية” بصفة عامة والتي ضربت صفحا عن الموضوع بتحاشيه والسكوت عنه. وهو بالنسبة للاستدمار هدية السكوت الذهبي؟

إنها إذا أزرار تضغط لكن بدقة متناهية؟ : ” فمجرد الضغط على زر ” التحويل ” تمكن المستدمر من تحويل المعركة الى مناورة نفسية ذات هدفين : – الأول يتمثل في القاء ضوء ساطع على الكتاب بكيفية تنتهي بتشويهه في نظر الرأي العام واحاطته بشكوك يصعب إبعادها في بلد تسيطر عليه الامية والسياسة الاندفاعية . – والثاني أنه خلق أو حاول أن يخلق لدى الكاتب عقدة نفسية بمحاول عزله عن قضيته.. فقد كان من جهة يريد أن يعزل المقاتل في الحلبة الإيديولوجية بالتحريض على رفض إفكاره من قبل الرأي العام في بلده باستعمال كل الوسائل , ومن جهة اخرى كان يسعى الى تثبيط عزمه وصرفه عن القضية التي يناضل من أجلها , وذلك بإشعاره بأن مجهوده سيذهب سدى وانه يناضل من اجل قضية لا غاية لها ” .

4- صدور ترجمة شروط النهضة 1957م وبعض المواقف :

صدرت عدة ردود فعل تدخل في لعبة المستدمر والأزرار التي كان يحركها لكن النسخة العربية تميزت بحدث آخر من باب وفي أنفسكم ومن أنفسكم؟ فقد أرسل نسخة من السفر الكبير المترجم إلى السيدين طه حسين وعباس العقاد لكنهما للأسف لم يعيراه أي اهتمام؟ تعجرفا وتكبرا – لم يكن على كل بحاجة إلى ذلك *-  . لكن رغم مرارة ذلك (1957) لم يرد يومها في الغالب تجنبا للانتصار لنفسه , سننتظر سنة أخرى (1958) وفي مذكراته التي لم تنشر الا عام 2006  (أي بعد 49 سنة؟) وفي اطار مقارنة ” وجوب تواضع العلماء. وتشجيع الآخرين والتنبيه إلى أمور دقيقة على العلماء ‘ الكبار ‘ خصوصا أخذها بعين الاعتبار :

حيث يضرب مثلا بعميد الأدب الروسي ذائع الصيت ”ليو تولستوي (1828-1910)“. الذي ليس فقط أجاب على تساؤلات الطالب الفرنسي الشاب (رومان رولان: أصبح أديبا لاحقا -1866 – 1944). بل رد عليه برسالة من 38 صفحة لإزالة كل اشكال له عن مقاله ”ماذا يجب أن نفعل ؟’. وهنا يذكر على سبيل المقارنة مافعله السيدين (في النص ذكر كل واحد منهما بصفة السيد ويمكن أن تلاحظ أنه لم يقل عميد) طه حسين والعقاد عندما أرسلت لكل واحد منهما نسخة من كتابي المترجم إلى العربية ” شروط النهضة “. الذي جوبه بصمت غبي وغير محتشم؟ مقارنة بنبل وعلو شأن العميد. ثم يعلق أنه لم يكن هو من سن رولان ( ولا هم من مكانة العميد : في روية تنسب الى معاوية أنه قال في رده على أحد المعتدين لفظيا: إن الله أرسل موسى وأخوه إلى فرعون فقال لهما:” فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى” . وما أنت موسى ولا أنا فرعون ” رقد “) . يذكر ذلك بتاريخ 27/12/1958 …(2)

وتلاحظ في ما دون قبل هذه التدوينة ومؤرخة 28-12-1958 (يفترض ان تكون بعدها؟) انه يتحدث عن التضيق الذي يتعرض له في النشر على كل المستويات؟ فيقول: ”لقد شاهد عبد الصابور بعينيه المقال المنتقد للظاهرة القرآنية من الأهرام في ”صفحة من كتاب” منذ شهرين وكيف أن هيكل ألغى الصفحة وكتب مقالة قصيرة عن كتابي. ثم أعيدت الصفحة الى سابق عهدها (دون وجود أي اثر للمقال المتعلق بكتابي)… الشبان المسلمون.. والبروفيسور بن عودة..

5- مالك بن نبي الظاهرة القرآنية

كان المستشرق لويس ماسينيون ** عدو مالك بن نبي اللدود مشرفا على الشيخ محمد عبد الله دراز (1894م -1958م) لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة الأديان، ونالها بمرتبة الشرف الأولى عام 1947. والذي قدم للكتاب بكثير من الإعجاب. حيث كانت تراوده ”نفس الأفكار” عن الموضوع وهو يلقي دروس التفسير لطلبة كلية اصول الدين بجامع الازهر بحوث في القران الكريم 1930 دون ان تتبلور لديه الفكرة العامة للموضوع (والتي ستظهر لاحقا حوالي 1957 في كتاب – النبأ العظيم – الطبعة الأولى العربية 1997/2000). كان الرجل وهو أكبر سنا وعلما في الدين من مالك يدندن حول الفكرة ”الظاهرة القرآنية” دون أن يمسك بخيوطها، لم تأخذه اي عزة ؟ بل بالعكس شكره (حتى أن مالك لاحقا يعلق بأنه لم يكن معجب بذلك الإطراء لشخصه ’ لأنه كان يرغب في التركيز على الفكرة لا الشخص؟ والذي كان في الحقيقة في حاجة ماسة إليه للتهميش والغمز واللمز الذي لقيه وصحبه من بني جلدتهم؟)…

كان الأستاذ مالك قد تعرف على (“أبي فهر ” محمود محمد شاكر الأديب الألمعي) عبر الأستاذ إسماعيل عبيد صاحب دار العروبة, التي تولت نشر كتاب ”شروط النهضة” وهكذا أصبح الأستاذ عبد الصبور شاهين الذي يترجم كتاب (الظاهرة القرآنية), يتردد على مجالس الأربعاء الأسبوعي للأستاذ محمود شاكر اللغوي والمحقق في اللغة العربية والتراث, وقد حرك موضوع الكتاب ” الظاهرة ”  في عمقه ما جعله يكتب مقدمة عن الإعجاز القرآني في بيانه اللغوي حبا وكرامة , ويمكنك ان تتحسس ذلك الاحترام المتبادل الذي نشأ بينهما.وقد تستغرب من العلاقة التي جمعتهم وهما مختلفان لغة ومنهجا؟ فمالك له رأي سلبي في أسلوب الكتب الفقهية، واللغوية، والبلاغية العربية دراسة وتدريسا عكس شاكر ؟ لكن قراءة كتاب الظاهرة القرآنية يخبرك يقينا انهما متفقان تماما ؟

كتب مالك في مذكراته بتاريخ : 17-09-1958: ”صديقي محمود شاكر قبل بوضع تقديم لكتاب ”الظاهرة القرآنية”. كنت انتظر من خمس إلى ست صفحات عن الموضوع، إلا أنه وضع ” خمسين 50!” حول الشعر الجاهلي والاعجاز “

طبعا مازال الكثير من الحبر قد يسيل خصوصا إذا فتحنا باب ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.

والخلاصة أن الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله كان ذو علاقات متعددة وكان مبدعا فعلا، ولم يكن ينتصر لنفسه أبدا وقد تعرض لهجمات ممنهجة وعلى كل الأصعدة , تجاربه المتعددة وقوة اطلاعه وفطنته جعلته محبوبا عند أهل الخير ومحبي التغير والأحرار منبوذا من أصحاب المصالح ،ومحبي المجاملات , تغرب رحمه الله وسجن وفقد أمه ولم يجد ما يأكل وتمت مساومته على قوت يومه وأهله ولم يرزق الولد …وانه لبلاء لو تعلمون عظيم ؟ عندما يقول المظلوم :” أ..” يفهمه , والمسجون يعذره والجائع يتألم معه واليتيم يبكي معه.


الهوامش:

*من بركات المواقع الاجتماعية الاحتكاك بأهل الاختصاص وتنهل مما ينهلون .

**لويس ماسينيون(Louis Massignon)1883م – 1962م من أكبر المستشرقين الفرنسيين وأشهرهم، وقد شغل عدة مناصب مهمة كمستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا، وكذلك الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر.الجوائز: وسام جوقة الشرف، صليب الحرب 1914-1918

(1) La lutte ideologique dans les pays colonisés

(2) Malek BENNBI  Mémoires d’un témoin du siècle. 2em. édition Samar 2006.

27/12/1958

Tolstoï et Romain Rolland

   Encre jeune étudiant a paris , R.Rolland lu la brochure de Tolstoï intitulée : «  Que devons nous faire ؟» qui troubla beaucoup le jeune parisien . il se décida alors de s’adresser a Tolstoï pour lui demander conseil .Et le grand écrivain qui était a l’apogée de sa gloire se mit aussitôt a son bureau pour répondre au jeune étudiant dans une lettre de 38 pages . je dois comparer cette noble attitude au silence stupidement hautain , que le sieur Taha Hussein et le sieur El-Akkad ont observé quand je leur avais écrit en leur adressant à chacun un exemplaire des «  condition de la renaissance  » , édition arabe . Et je n’avais pas l’àge de R.Rolland à son époque ..

(2) عمر كامل مسقاوي  في صحبة مالك بن نبي مسار نحو البناء الجديد جزئين 1322 صفحة . دار الفكر 2013.

في الصفحة 653 من كتاب في صحبة مالك بن نبي وضع تاريخ :27/2/1958 وترجمت الفقرة حرفيا :

ففي 27/02/1958 دون بن نبي هذه الملاحظات تحت عنوان ” تولتستوي و رومان رولان” : ( كان رومان رولان لا يزال طالبا في باريس , وقرأ نشرة لتولستوي تحت عنوان ( ماذا علينا ان نفعل )  اضطرب الشاب الباريسي كثيرا , وكتب الى تولستوي يطلب نصيحته – ..فاجابه برسالة من 38 صفحة .

اود ان اقارن هذا الموقف النبيل بذلك الصمت ” المتعالي الارعن ” من كل من السيدين طه حسين ومحمود العقاد حيث ارسلت الى كل منهما نسخة من كتاب ” شروط النهضة ” الطبعة العربية , وانا لم اكن في عمر رومان ذلك الزمن )

(3) le phénomène coranique : essai d’une théorie sur le coran

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.