رسائل مالك بن نبي في كتاب “العفن”
بقلم: محمد بوالروايح-
كتاب “العفن” ليس مجرد كتاب، إنه محاكمة عقلية وواقعية لبعض الممارسات التي يراها مالك بن نبي هادمة لسلم الأولويات في المجتمع، ممارسات تقدم من حقه التأخير وتؤخر من حقه التقديم، ممارسات اختلقها النظام الاستعماري المتعفن الذي تسلط على المجتمع الجزائري وحال بينه وبين الأخذ بأسباب الحضارة بدعوى أنه مجتمع متبلد لا يفقه سنن التطوُّر، ولا يستحق أن يفكر بل لا يستحق أن يُذكر، إنه الميزان الاستعماري الذي تطيش فيه أعمال الكبار وتطفو فيه أعمال الصغار، يُحتفى فيه بالحرْكي الخائن ويُنتقم فيه من الوطني الثائر، يصنَّف فيه الخائنُ مواطنا صالحا ويصنف فيه الوطني إنسانا متمردا بحاجة إلى أن تؤدبه عصا الطاعة ليعود إلى الجادة.
ينظر كل قارئ إلى كتاب “العفن” بنظرته الخاصة، فمن القراء من يعدّه كتابا مرجعيا في النقد السياسي والاجتماعي من رجل محنك، سبر أغوار السياسة رغم كونه مفكرا بالدرجة الأولى، فالسياسة والفكر في نظر هؤلاء كل متكامل فلا غنى للسياسي عن المفكر ولا غنى للمفكر عن السياسي، وخاصة حينما يجد الاثنان أنفسهما في وضع استعماري لا يحسدان عليه، يحتم عليهما أن يتكاملا خوفا من مغبة التلاشي. ومن القراء من يعدّه كتابا أيديولوجيا، ينتصر فيه بن نبي لأيديولوجيته الفكرية ويقدم فيه صورة مثالية للمجتمع الذي ينشده ويتطلع إليه لكونه من حملة الفكر ومن مقتضيات الفكر أن يرفع صاحبه إلى أعلى ويرتفع به عن كل السفاسف التي تعيق العقل وتقتل في الإنسان كل عناصر القوة الإيجابية الخلاقة، ومن القراء من لا يعير لكتاب “العفن” اهتماما كبيرا، بل ينظر إليه على أنه مجرد “مذكرات”، وهذه الأخيرة يُؤخذ منها ويُردّ، وفيها من الحقيقة كما فيها من الخيال، وفيها من الخطأ كما فيها من الصواب.
لكل قارئ وجهةٌ هو مولّيها، ولكن من الضروري الاعتراف بأن مالك بن نبي ليس شخصية سياسية يمثل حزبا سياسيا معيَّنا فيجد نفسه مرغما للدفاع عنه ظالما أو مظلوما وتمجيد أفكاره حتى ولو كانت مخالفة للمنطق ومخالفة لسنن الطبيعة، فبن نبي ليس من هذا الصنف الذي يغمط الحق ويمنح الولاء لمن لا يستحق، إنه مفكر من طينة الكبار الذي لا يقبل ما يجافي الفكر أو يقتل في الإنسان غريزة التفكير من أجل الانتصار لفكرة حزبية تكون في الغالب أشبه بالشجرة الخبيثة التي اجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
لقد مارس بن نبي السياسة ولكن بعقل المفكر وليس بعقل المناضل السياسي الذي يجبَر في بعض الأحيان على إلغاء عقله إرضاء لحزبه أو قد يصل به الأمر إلى معصية ربه إرضاء لحزبه. لقد تعاطى بن نبي السياسة ولكنه لم يتلوّث بموبقاتها التي سقط في حمأتها كثيرون، فبن نبي كان من رجال الفكر السياسي ولم يكن من رجال التهريج السياسي الذي يجادلون في المسلّمات ويقفزون على الحقيقة ولو كانت كفلق الصبح.
لقد وجَّه بن نبي في كتابه “العفن” رسائلَ كثيرة إلى الإصلاحيين والسياسيين، وهي رسائل قد نختلف في قراءتها ولكننا لا نختلف في أنها ليست من قبيل الترف الفكري، فالرجل يقدِّر لرِجله قبل الخطو موضعها ولا يرمي بالفكرة على غير هدى كما يفعل بعض أدعياء الفكر الذين لا يلقون لأفكارهم بالا حتى وإن أكلت الأخضر واليابس وأدخلت المجتمع في فتنة عارمة، تجرف الجميع وتضع المجتمع برمّته أمام حاضر كالح ومستقبل غير واضح الملامح.
لقد خصّصتُ هذا الجزء من المقال لبعض المقدمات الضرورية عن فحوى كتاب “العفن” كما يراه مقدّموه من أجل تهيئة القارئ لفهم واستيعاب الرسائل القوية التي بعث بها مالك بن نبي إلى إخوانه ورفاقه على درب الإصلاح الديني والفكري وإلى خصومه السياسيين ممن ضاقوا بفكره وائتمروا به وألبوا عليه واتهموه بخدمة “الأصولية الدينية” القابعة -في نظرهم- في شرنقة الفكر الماضوي والهادمة لقيم التنوير الحضاري والتفكير الإنساني.
وعلى ذكر المقدمات التي لا بد منها قبل أن أدلف إلى رسائل بن نبي في كتابه “العفن”، وددت أن أنقل هنا تقديم الدكتور أحمد بن نعمان لهذا الكتاب إذ يقول: “.. إن هذا الكتاب كما يُستشف من عنوانه “العفن”، هو رصدٌ للأوضاع المتعفنة داخل الوطن، وواقع الأمة، رصد خبير متمرس، وفحص طبيب متخصص لمرض خبيث عبر مختلف الأدوار والأطوار، فدقق النظر في الجراثيم العالقة على جسم الأمة مجهريا، وفنّد أطروحات الخصوم في تبرير علوقها منطقيا، وكشف لعبة الرهان، بالحجة والبرهان، وبين الحق وطريقه ليعيده ذووه إلى نصابه، ويمزّقوا بالثورة الجهادية الكبرى ثوب الخيانة والعمالة على أجسام أصحابه، ويرجعوا سموم العدو وفضلاته” الذهنية”، وجراثيمه المعدية إلى أحشائه، ليصبح الوطن، بعد حين، وإلى حين، بين أيدي أبنائه”.
إن مشكلة أحمد بن نعمان كغيره من اللغويين هو اعتماده على الحشد اللفظي الذي يغطي الفكرة التي يرومها بركام من السّجع البديع فيُغرق ذهن القارئ في بدائع اللغة وصنائع البلاغة ويُصرفه عن جواهر الأفكار. ليس في هذا ما ينقص من قيمة أحمد بن نعمان لأنّ هذه هي صنعته، والصنعة كالسليقة والطبيعة لا يستطيع صاحبَها تغييرها ولو أراد. لم استفد من كلام بن نعمان ما يمكني من فهم مراد بن نبي من تأليفه لكتاب “العفن” لسبب ظاهر وهو أن ملكة اللسان عند بن نعمان قد طغت على ملكة العرفان.
يقول أحمد بن نعمان: “.. ولذلك فمن الجديد الذي يجده القارئ في هذا الكتاب الفريد من نوعه، هو ما أظهره لنا من مخططات العدو وكيفية ترتيب أولوياته في التخطيط والتنفيذ، بإعطائها دوما للفكري على السياسي، وللسياسي على العسكري، وهو عكس الوضع السائد في العديد من البلاد “الوارثة” لطريقة الاستعمار في إدارة الأمصار، فهي تعطي الأولوية للعسكري على السياسي، وللسياسي على الفكري والثقافي، وبتعبير آخر أولوية “البطنولوجي” على “الفكرولوجي” فينقلب بذلك وضع الهرم، لتصبح القاعدة في الأعلى والرأس مكان القدم، فتنعكس القيم في السيادة والإدارة والسياسة والحضارة”.
لقد انخرط بن نعمان وهو يُطلعنا على الجديد الذي أتى به كتاب “العفن” لبن نبي في لعبة أولوية العسكري على السياسي والسياسي على الفكري، وهي في نظري فكرة خاطئة وهي من صناعة الفكر العلماني الذي يغالي أصحابُه في تكريس مبدأ الفصل، فلم يكتفوا بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة بل انتقلوا إلى تقويض مفاصل الدولة وأوصال الأمة بابتداع هوة وهمية بين السياسي والعسكري والفكري، فهذا الفصل الذي ينسب الفضل لبعضهم وينفيه عن الآخرين هو من نتاج فكر إنسان ما بعد الموحدين كما يصفه مالك بن نبي، الذي يحرِّض السياسي على العسكري ويحرض العسكري على الفكري ويختلق صراعا وهميا لم نقرأ عنه في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، فقد كان رواد الفكرة وقواد الفيالق وحملة البنادق في هذه العصور يكمل بعضهم بعضا، بل كان من قادة الفيالق وحملة البنادق من يحمل فكرا ثاقبا لا يرتقي إليه كثيرٌ من المفكرين. أربأ بأستاذنا أحمد بن نعمان أن ينزل في النقد إلى هذا المستوى فيشوش على أفكارنا في الوقت الذي ننتظر منه أن ينوّر عقولنا حول ما نجهله عن الجديد الذي جاء به كتاب “العفن” لمالك بم نبي. أربأ ببن نعمان أن يجاري بعض النقاد في استخدام بعض الأوصاف كوصف “البطنولوجي” في مقابل “الفكرولوجي”، فليس في هذه الخطاب من النقد المفيد ما يوقفنا على الجديد.
حينما يتحدَّث مالك بن نبي في كتابه “العفن” عن الحركة الإصلاحية، فإن حديثه ينصبُّ على أعمال رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مرحلة ما قبل تأسيس الجمعية وما بعدها، وليس لعاقل أن يتهم مالك بن نبي بأنه كان خصما لهذه الجمعية وظهيرا للتيار العلماني أو الماسوني من أجل إضعاف الجمعية وإسكات صوتها، وذلك لسببين اثنين:
السبب الأول هو أن مالك بن نبي صاحب فكرة إسلامية وقد استمات في الدفاع عن هذه الفكرة من خلال جهوده التي لا ينكرها إلا مكابرٌ في إعادة بعث الوعي الحضاري الذي أماته الاستعمار عدو التنوير والتفكير وخاصة حينما يتعلق الأمر بأمة مستعمَرة مضطهَدة تتلمس طريقها للتحرر ويصر الاستعمار على قطع الطريق أمامها بكل ما أوتي من قوة.
أما السبب الثاني فيتمثل في أن جمعية العلماء سواء في مرحلة ما قبل التأسيس أو بعدها قد ركزت جهودها على محاربة الخرافة والطرقية وكانت بعيدة عن السجال السياسي والفكري الذي انخرطت فيه بعض الحركات السياسية حتى النخاع وما خلّفه هذا السجال السياسي من شرخ كبير في العلاقة بينها لولا جهود الصلح والإصلاح التي قادها بعض السياسيين مسوقين بالرغبة في لمّ الشمل ورأب الصدع وتوحيد الصف والتفرُّغ للعدو المشترَك المتمثل في الاستعمار الفرنسي وأبواقه الذين يسبِّحون بحمده ويسيرون في ركابه.
وليس لعاقل أن يدعي بأن مالك بن نبي كان يسير في خط مخالف لعمل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلا ما يقتضيه ذلك من تنوع وسائل النضال، فقد كتب بن نبي عن علاقته الأخوية برجال جمعية العلماء وعن تقديره وتوقيره للإمام عبد الحميد بن باديس وذلك رغم عدم رضى بن نبي عن طريقة بعض الإصلاحيين في إصلاح الشأن الديني وعدم درايتهم بوسائل المواجهة الناجعة للتصدي للمشروع الاستعماري التغريبي الذي يروم إحداث حالة فصام نكد بين ماضي الأمة وحاضرها وبين تاريخها الحقيقي والتاريخ الملفق والمزيف الذي يسعى هذا المشروع إلى تكريسه.
كانت علاقة بن نبي برجال جمعية العلماء مبنية على وحدة المصير رغم اختلاف التصور، ولم تكن له علاقة متشنجة مع أحد منهم إلا ما كان بينه وبين بن جلول، وهذا الأخير ليس من رجال الجمعية وإن كان أحد دعائمها وركائزها من ناحية توفير الدعم اللوجستي لها، وذلك لما كان يتمتع به بن جلول من مكانة ووجاهة في المجتمع القسنطيني، فقد كان يشغل منصب رئيس فدرالية منتخبي قسنطينة، فقد كان هؤلاء المنتخبون ممثلين للجزائريين داخل مجالس منتخَبة تشرف عليها وتسيِّرها الإدارة الفرنسية، وكان وجودهم في هذه المجالس بلغة الأصوليين بهدف دفع المفسدة أو دفع المفسدة مقدَّم على جلب المنفعة.
لقد كانت صورة بن جلول في نظر بن نبي صورة مهزوزة تعتريها كثيرٌ من الريبة وعدم الثقة إلى درجة أنه عدّه من أنصار “ماسينيون” وأن كل ما يقوم به حتى ما كان يبدو لصالح جمعية العلماء إنما هو وسيلة من وسائل تطويع الحركة الإصلاحية واستمالتها لقبول التعاون مع ماسينيون والتيار العلماني مقابل تذليل العقبات أمام الجمعية وإظهارها في صورة جمعية مهادنة مسالمة.
لقد بلغ توجُّس بن نبي من بن جلول مبلغا عظيما وخطيرا إذ أدرجه في خانة الخونة المتواطئين مع الاستعمار والموالين لماسينيون. ويبدو أن توجّس بن نبي من بن جلول قد زال أو كاد، إما بفضل جهود الوساطة، وإما لاقتناع بن نبي بوجهة نظر بعض رجال الجمعية بأن بن جلول كان السند الضروري لجمعية العلماء ضد الاستعمار، ويفهم تغير موقف بن نبي من بن جلول من هذه العبارة من كتابه “العفن”: “ولم أكن أعرف، من جهة أخرى، أن (العلماء) سيصبحون، سنوات بعدها، حماة لابن جلول عندما كنت أهاجمه كـ(خائن) في وقتٍ كانت الجزائر تضعه في الذروة، وأخص من العلماء الشيخ العربي التبسي. وأدرك الآن أن (العلماء) كانوا يتحسسون في شخصي الشاهدَ العصيّ في وقت رأوا فيه أنه من (الإسلام) التفاهم مع متواطئ مع الاستعمار عوض التفاهم مع الذي يكيل له الاتهام”.
مهما يكن موقف بن نبي من بن جلول فإن هذا لا يمثل بأي حال من الأحوال موقف جمعية العلماء التي يؤخذ موقفُها من ميثاقها وليس من مواقف المتعاملين والمتعاطفين معها، ولهذا السبب تعاملت جمعية العلماء مع خلاف بن نبي وبن جلول على أنه خلافٌ بين شخصيتين ومشروعين وتوجُّهين وليس خلافا بين بن نبي وجمعية العلماء التي وقفت على مسافة واحدة من الرجلين رغم ما قاله بن نبي بأن هناك من رجال الجمعية من كان يدعم ابن جلول ويتحيز إليه، في إشارة إلى ابن بلدته الشيخ العربي تبسي رحمه الله.
لقد بدا لبن نبي بأن بعض علماء الجمعية قد أعلنوا تحيُّزهم إلى بن جلول وأذاعوا ذلك، وفي مقدِّمتهم العربي تبسي، إذ كتب بن نبي عنه قائلا: “عندما كنت ألعن بن جلول قائد آخر زردة جزائرية كان الشيخ العربي تبسي يقول لمن حوله وبخاصة لصديقي “خالدي” إن مالك بن نبي غير مدرك أن بن جلول فريد وإذا حطّمناه فلن يكون هناك من يقدِّم مطالبنا. كانت تلزمني الشجاعة الضرورية لأكشف للعالم نفاقه، لأني بالفعل قد اكتشفت لعبته”. لم يبح بن نبي بتفاصيل قصة بن جلول التي حكم عليه بموجبها بالخيانة، ولم يبح أيضا بتفاصيل اللعبة التي كان يديرها بن جلول، وفيما كان يشكل فعلا خطرا حقيقيا على الحركة الإصلاحية من خلال تواطئه مع الاستعمار ضد أي صوتٍ مخالف يريد أن يعتلي السدة ليكسر الجرة ويكشف خيوط المؤامرة.
لا أرجح شخصيا أن يكون بن جلول بالصفة التي تحدَّث عنها بن نبي لأن هذا السلوك يصطدم مع ميثاق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في دفاعها عن مبادئ وقيم الأمة واستقلالية الذات، و في نظرتها إلى الاستعمار على أنه اعتداءٌ صارخ على هذه المبادئ والقيم، وهو ما لا يمكن أن تسكت عنه الجمعية.
هناك من نفخ فيما كتبه بن نبي عن ابن بلدته العربي تبسي وذهب إلى أن هناك غيرةً مستحكمة بينهما وأن بن نبي كان يهدف من وراء إظهار خلافه مع العربي تبسي إلى تنصيب نفسه زعيما تبسيا من دون منازع وبأنه الرجل القدوة الذي ينبغي أن يلتف حوله الأهالي في هذه المدينة وكل مدن الجزائر.. وهذا غير صحيح لأن خلاف بن نبي والعربي تبسي لم يكن له هذا البُعد التشاكسي، بل كان اختلافا في الرؤية ولكل وجهة هو موليها.
لم يتردد مالك بن نبي في القول إن فكرة القابلية للاستعمار قد انطلت على الحركة الإصلاحية التي تحوَّلت -كما قال- إلى وسيلة من وسائل الإدارة الاستعمارية ضده أو ضد أي أحد يسوقه سوء حظه ليطلع على اللعبة. ويصعِّد بن نبي اللهجة ضد مناوئيه من بعض رجال الحركة الإصلاحية التي قال عنها إنها لا تختلف عن “البوليتيك الجزائري” الذي رضي أصحابُه أن يكونوا لعبة في يد الإدارة الاستعمارية، يقول بن نبي: “.. فأفهم أن العقلية الأهلية والقابلية للاستعمار هما دوما أفضل وسائل الإدارة الاستعمارية ضدي وضد أي أحد يسوقه سوء حظه ليطلع على اللعبة بوضوح. فمنذ تلك الفترة لم يعد “البوليتيك الجزائري”، ومن ضمنه الحركة الإصلاحية (رغم حسن نية ابن باديس) إلا لعبة في متناول الإدارة التي كانت تمسك بكل الخيوط. تأملوا!! بن جامع سكرتير الفدرالية وبن جلول رئيسها. ولم يكن العلماء إلا أنصارا لهذه النخبة الرائعة، ولم يكلّ الشيخ العربي ولم يملّ من تحذير الناس مني وتأليبهم ضدي”.
ينبغي أن نذكر للأمانة أن التاريخ لم يسجِّل عن ابن جلول أنه خان القضية أو خان الأمة أو نافق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولو بدا منه ذلك لتبرَّأت منه الجمعية لأنها أصيلة لا تهادن ولا تساوم على مبادئها. إننا نقرأ في التاريخ بأن بن جلول رغم تكوينه الفرنكفوني إلا أنه سخَّر جهوده ومنصبه لخدمة الجمعية ولخدمة الحركة الإصلاحية، ويكفي أن أذكر هنا أنه لعب دورا بارزا في أحداث قسنطينة سنة 1934 متحيِّزا إلى الجمعية بعد التصرف المشين الذي أقدم عليه اليهودي “إلياهو خليفة” عند بوابة الجامع الأخضر، كما لعب دورا أساسيا في الدعوة والتحضير للمؤتمر الإسلامي سنة 1936، وأنشأ سنة 1938 التجمُّع الفرنسي الإسلامي الجزائري وهو تجمُّعٌ أسِّس لخدمة مبادئ الحرية والتحرر والدفاع عن الدول المستعمَرة.