ذكريات من زمن الصحوة: الشيخ عبد الرحمن شيبان
بقلم: عبد العزيز كحيل-
بعد تولي الرئيس الشادلي بن جديد رحمه الله الحكم دبّت الحياة في القطاع الديني وعادت الحياة إلى المساجد بعد أن كانت لسنوات طويلة "أماكن للعبادة" كما يقول العلمانيون، لا دروس فيها ولا حلقات ولا علماء، يتلخص دورها في خطب جمعة تأتي مكتوبة من الوزارة يمكن حصر محاورها في أن الإسلام هو دين الاشتراكية وأن محمدا (هم كانوا لا يقولون صلى الله عليه وسلم) أوّل اشتراكي في العالم.
بعد تعيين الشيخ عبد الرحمن شيبان وزيرا للشؤون الدينية تغيّر الوضع تماما ونشطت بيوت الله وأصبحت عامرة بالدروس والحلقات الشبابية ومختلف الأنشطة الدعوية.
تخرّجت آنذاك من الجامعة وعملت إطارا في الإدارة، وبادر أحد شيوخ الدعوة الكبار( أفضل الاحتفاظ باسمه حاليا، بارك الله في عمره) بالتوسط لدى الوزير لتعييني مديرا للشؤون الدينية، واستقبلني الوزير في مكتبه، وكان في غاية الأدب والانبساط والتواضع، وممّا أسجله في هذا اللقاء الأول أمران:
- كان شعري طويلا وكنت أنتعل حذاء رياضيا، لاحظ الوزير ذلك فقال لي- مداعبا- "هذه الهيئة تليق بالرياضيين"، فتدخّل الأستاذ محمد فارح الذي دخل المكتب يبحث في بعض الوثائق – وكان فيما أذكر مستشارا للوزير، وكان مشهورا بخدمته للغة العربية والانتصار لها- وقال له: يا شيخ إنه شاب وهذه الهيئة تناسبه،ومرّت المسألة بسلام والحمد لله.
- بعد حوار قصير طلب مني الوزير تسجيل درس في موضوع من اختياري لا يتجاوز 15 دقيقة أعود بعده إلى مكتبه ليسمعه، وأسلمني للأستاذ حمزة يدوغي، ويبدو أن هذا الأخير لم يكن ينتظر درسا رفيع المستوى ففتح آلة التسجيل ثم اشتغل بعمل آخر، فارتجلتُ درسا – بتوفيق من الله - و ما إن بدأت أتكلم بما فتح الله عليّ حتى رجع وجلس أمامي يصغي باهتمام،ولماّ انتهيت في الوقت المحدد سارع بحمل التسجيل الصوتي واصطحبني معه إلى الوزير الذي تبيّن أنه كان برفقة مديري الشؤون الدينية وبقي معه في المكتب 3 منهم أو أربعة فطلب منهم الاستماع للدرس، ويبدو أنه تفاجأ هو الآخر بمستواه ، فقد استمع هنيهة ثم أوقف الآلة وطلب من حمزة يدوغي أن يدعو المديرين الذين لم ينصرفوا بعدُ إلى العودة إلى مكتبه ،فلما رجعوا فتح المسجلة واستمعوا للدرس بأكمله حتى انتهى، والحقيقة أني ضربتُ على وتر حساس عند الشيخ شيبان هو عدم اللحن في العربية، وقد وفقني الله لذلك فلم يُبدِ إلا ملاحظة سلبية واحدة هي أني فخّمتُ حرف الراء في كلمة "باعتباره"، فقال لي هذا لا يصحّ.
أما المحتوى فقد فهم أنها أفكار من كتاب معالم في الطريق فقال لي مازحا " هذا رأيك ورأي سيد قطب والشيخ فلان( الواسطة الذي أشرتُ إليه)" وتناقشنا في الموضوع، وشكرني أمام المديرين، والحمد لله.
من ذلك اليوم لم ينسَني، واستقبلني في مكتبه بعد ذلك أكثر من مرة، وفي زيارته لولاية أم البواقي عاملني بلطف كبير أمام الملأ وما زال موظفو المديرية يذكرون ذلك إلى اليوم.
ومن لفتاته التي لا تنسى أني كنت بمكتبه مرة في قضية إدارية، بعدها غادر الوزارة إلى القاعة البيضاوية لحضور اجتماع المجلس الإسلامي الأعلى واصطحبني معه في سيارته ( تصّوروا دهشة شاب يمتطي مركبة وزير وبرفقته !!) ، وبعد انتهاء الأشغال كُلّف الأخ سليمان ز. – وكان وجها بارزا في النشاط الدعوي- بتلاوة التقارير، وما إن بدأ حتى كثرت الأخطاء اللغوية على لسانه فراقبت الشيخ شيبان ورأيته – كما هو منتظر – يتململ ثم نفذ صبره فأوقفه وطلب منه احترام العربية وقال له: يا سليمان إنه لا يحدثك الوزير ولكن مفتش اللغة العربية.
أذكر أن الوالي شكاني إليه بسبب نشاطي الدعوي واستعمل في حقي كلمة "أصولي" بالفرنسية intégriste، وكانت هذه المرة الأولى التي أوصف بها إذ لم تكن متداولة آنذاك.
كان له فضل كبير في تصحيح مسار ملتقيات الفكر الإسلامي، وفي عهده فقط وفد إليها محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
كما له فضل كبير في إتمام إنجاز جامعة الأمير عبد القادر التي توقفت بها الأشغال زمنا طويلا وقد نذر اللوبي التغريبي نفسه لإيقاف المشروع نهائيا بدعاوى شتى.
ومن نافلة القول التذكير بأنه عاش بالفعل للإسلام والعربية والجزائر كما تعلّم في أحضان جمعية العلماء.
تغمده الله برحمته الواسعة.