الشيخ محمد كتو..عن حياة عالم مقرئ جزائري تونسي المنشأ
بقلم: وفاء الحكيري-
يعد الشيخ محمد كتو أحد أبرز علماء الجزائر، وهو عالم مقرئ وواعظ ديني، ذاع صيته في القرن العشرين، عبر أثير الإذاعة الجزائرية لنصف قرن أو يزيد.
وهو تونسي المنشأ، زيتوني التعليم، أجيز من جامع الزيتونة في القراءات السبع، كما أجيز في الجزائر في الصحيحين وموطأ الإمام مالك.
ولد الشيخ الجزائري محمد بن الشيخ أحمد بن محمد الحاج السعيد كتو ، سنة 1915، بإحدى القرى التابعة لمدينة باجة التونسية، بعد أن هاجرت عائلته إليها خوفا من بطش المستعمر الفرنسي للجزائر.
ونشأ في أسرة عرفت بحبها للعلم وحفظها لكتاب الله، فتعلم الشيخ كتو منذ صغره، مبادئ اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي وحفظ القرآن الكريم وهو في ال11 من عمره، على يد أبيه، ومن ثمة التحق بجامع الزيتونة المعمور، أين تلقى العلم على يد ثلة من الشيوخ الأجلاء، في عصره، وتشبع بعلوم القرآن الكريم و القراءات و التجويد.
العودة إلى الوطن
بعد أن أجيز في القراءات السبع في جامع الزيتونة، على يد العلامة التونسي البارز الشيخ الطاهر بن عاشور، وأخذ من العلم والمعرفة نصيبا، قفل الشيخ كتو راجعا إلى وطنه الجزائر، الذي كان يعاني ويلات الاستعمار الفرنسي الغاشم.
ولم يكتف الشيخ محمد كتو بما حصله من زاد ومعرفة في المدرسة الزيتونية التونسية، حيث انكب على نهل العلوم الشرعية في الجزائر، وأجازه الشيخ بابا عمر، مفتي الجزائر، في الصحيحين وموطأ الإمام مالك.
53عاما من العمل الإذاعي
سنة 1946، التحق الشيخ محمد كتو بالإذاعة الجزائرية، خلال الحصة الصباحية، حيث كان يقدم فقرة “الحديث الديني”، التي كانت تبث على الساعة السابعة صباحا، كما كان يتلو ويجود آيات الذكر الحكيم، وتواصل ذلك لمدة 53 عاما، وفق ما أشارت إليه المراجع.
كما ذاع صيته أيضا عبر الشاشة الصغيرة، فكان خير جليس للجزائريين يومي الاثنين والجمعة، حيث يطل عليهم، من خلال حصة تلفزية مماثلة والتي كانت أيضا تحت عنوان “الحديث الديني”، ليمتع وينفع ويفيد مشاهديه من دينهم الحنيف، بأسلوب بسيط ولغة سلسلة يسهل على العامي فهمها.
ووما ذكر أن الشيخ محمد كتو “كان من بين المنابع القليلة التي كان يحافظ عليها الجزائريون للتفقه والتزود بأمور دينهم ودنياهم”.
تنوع الأنشطة الدينية
ولم يقتصر الشيخ محمد كتو على عمله الإذاعي واطلالته التلفزية، بل كان سفيرا لمسابقات حفظ القرآن الدولية، حيث شارك في عدة مؤتمرات وندوات إسلامية للحفظ والتجويد في دول عديدة من أبرزها ماليزيا، حتى اختير ضمن أحسن القراء العشرة في العالم العربي.
كما قامت الرابطة العالمية الإسلامية للقراء والمجودين باختياره ليكون عضوا فعّالا فيها، نظرا لتمكنه من علم القراءات والتجويد.
شملت نشاطاته أيضا دروس الوعظ والإرشاد في المساجد والمصليات، فكان يقوم بتدريس علم القراءات والتجويد بمعهد تكوين الأئمة التابع لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية، كما كان يقدم دروسا مجانية للطلبة في بيته.
نهاية مسيرة
سنة 1999، توفي الشيخ الفقيه محمد كتّو، بعد معاناة طويلة مع مرض مزمن ألمّ به، ودفن في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة الجزائرية، بعد أن شيّع في جنازة كبيرة، حضرها كبار العلماء، على غرار رئيس جمعية علماء المسلمين، آنذاك، الدكتور الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمه الله.
واليوم ما يزال يحفظ الجزائريون، مسيرة الشيخ محمد كتو الحافلة، التي بدأها في تونس وانتهت في الجزائر، ليخلد ذكره في الكتب والذاكرة الجزائرية.
وتحدث عنه عديد العلماء، فقال عنه الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إن “الشيخ محمد كتو العالم الداعية الإسلامي، كان يوقظ الناس من نومهم بحديثه الديني الذي كان يتميز بأصالته من حيث العبادة والمعاملة وبعمقه من حيث الحديث عن حياة الناس وبساطته في الأسلوب ليفهمه الجميع ..”
وقال عنه أيضا إنه “كان يتميز بالتنقل بين المساجد للدعوة إلى الله من خلال الدروس الدينية التي تسبق صلاة الجمعة، وكان أيضا بهذا الحديث محل عناية المجتمع لأنه كان يخاطب الناس بلغتهم السهلة البسيطة، فكان الناس يقبلون على السماع لحديثه بشغف وبحسن استقبال”.