الشيخ المقرئ الداعية محمد كتو
بقلم: محمد الصالح الصديق-
الكثير من الجزائريين البالغين سن الثلاثين فما فوق يتذكرون الشيخ محمد كتو الذي كان يسمعنا بصوته الجهوري العذب "الحديث الديني" صباح كل يوم على الساعة السابعة في الإذاعة الجزائرية، كما كان يطل علينا بطلعته البهية كل يوم اثنين و جمعة في التلفزة الجزائرية يقدم حصة تدوم نصف ساعة بنفس العنوان فكان يشرح للجزائريين أمور دينهم بأسلوب جذاب، وبلغة سهلة بسيطة يفهما العامي والمثقف، فكانت الأسر الجزائرية تتعلم منه وتتفقه عليه فجزاه الله خيرا ورحمه الله رحمة واسعة.
نسبه و مولده و أصله :
هو محمد بن الشيخ احمد بن محمد بن الحاج السعيد كتو من قرية تيفريت نايت الحاج من قرى أزفون في منطقة القبائل الكبرى، هاجر والده إلى تونس سنة 1890 م فرار بدينه و لغته من مضايقات وظلم الاستعمار الفرنسي الغاشم، حيث استقر بقرية (بجاوة) التابعة لمدينة ماطر التي تبعد عن العاصمة تونس بحوالي 60 كلم، أين ولد مترجمنا يوم 15 ديسمبر 1915 م ففتح عينيه على المصحف الشريف وأذنه على صوت أبيه وهو يرتل القرآن الكريم أناء الليل و أطراف النهار لان والده الشيخ كان من مقرئ القرآن الكريم و من المداومين على قراءته و ترتيله ، فحفظ القرآن الكريم و هو في ما يوال طفلا، ولما اتسعت مداركه قليلا اخذ والده يعلمه مبادئ اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، و بعد ان تعلم المبادئ الأساسية للفقه المالكي، وحفظ بعض المتون، ألحقه والده بجامع الزيتونة المعمور ليتابع مختلف العلوم و الفنون و تخصص في القراءات و التجويد الذي ولع بهما ولعا شديدا و تعلق بهما حتى كان لا يرى إلا وهو يطالع الكتب المتعلقة بهما ويهتم اهتماما كبيرا بكل ما يتعلق بهذين الفرعين الشريفين، ونظرا لسيرته الحسنة ولجده واجتهاده فقد كان محبوبا من طرفا أساتذته في الزيتونة ، محترما من طرف زملائه.
شيوخه:
تلقى العلم على يد شيوخ أجلاء بجامع الزيتونة الاعظم، لكننا نلاحظ انه من المشائخ الذين بقي يذكر فضلهم ويشيد بجهودهم العلمية وبمساعدتهم له في دروسه وتحصيله العلمي ويذكرهم بكل إعجاب وتقدير:
- الشيخ عبد الواحد المرغني
- الشيخ البيجاني زفزون.
- الشيخ علي التريكي.
- الشيخ صالح الكسراوي
وكل هؤلاء من شيوخ القراءات .
ومن المعلوم ان عنايته بعلوم القرآن الكريم و القراءات و التجويد جعلته لا يذكر مشايخه في علوم العربية و الشريعة إلا قليلا .
عودته إلى أرض الوطن :
بالرغم من استقرار الأسرة في تونس و تكيفها مع الحياة و تطلعها الى غد مشرق ، لكنه آثر ان يعود الى بلاده وبالضبط إلى مسقط رأسه، وقد أصبح حديث أهل قريته بعد أن القى درسا بزاوية القرية (تيفريت نايت الحاج) باللغة العربية الفصحى، حيث ان الناس في تلك الأيام رغم أنهم امازيغ لا يتكلمون إلا اللهجة الامازيغية إلا أنهم كانوا يقدسون و يعشقون اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم ويبالغون في تقدير واحترام كل من يحسنها و يجيدها و ينظرون اليه نظرة اكبار و احترام و لو كانوا لا يفهمون منها إلا القليل، فقد استمع إليه المصلين الذين حضروا درسه و راحو يحدثون عائلاتهم وأسرهم بكل دهشة وانبهار عن هذا الشاب الذي جاء من تونس و خطب فيهم دون أن يتلعثم أو يتلكأ و الذي لم يحضر معه ورقة أو كتاب ينظر إليه.
اجازاته:
اجازه علماء اجلاء من تونس و الجزائر لما علموه منه من انه علَمَ على ثروة فخمة من علوم القرآن الكريم والحديث الشريف، تجمعت له بالحفظ والدرس والتحصيل والتمحيص، ومجالسة اعلام هذا الفن، اضافة الى ذلك كله انه كان ثقة فيما ينقل وما يقول، جيد النفكير سليم المنطق ، بعيدا عن التكلف والتطبع، شديد الرغبة في نفع الناس وافادتهم، فمن اجازه أستاذه العلامة الشيخ عبد الواحد المرغني المدرس بجامع الزيتونة الذي اجازه في علم القراءات العلامة الشيخ الشاذلي النيفر الأستاذ بجامع الزيتونة الذي أجازه بكل مروباته .
العلامة الشيخ علي بن خوجة المفتي بالديار التونسية الذي أجازه برواية صحيح البخاري
العلامة الشيخ بابا عمر الذي أجازه بالصحيحين و موطأ الإمام مالك وهذا نص اجازته :
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم و بعد :
فيقول العبد المعترف بالعجز و التقصير، أسير ذنبه، الملتجئ إلى ربه ، محمد بن مصطفى بن محمد بن المدني بن الشيخ بابا عمر، إن أخانا في الله ، المتمسك بسنة رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] الطالب الأجل التالي لكتاب الله عز وجل ، الفقيه النبيه، الأديب النزيه، السيد محمد بن أحمد بن محمد الحاج السعيد كتو قد لازمني حرارا عديدة، وجاورني أزمنة مديدة مباركة سعيدة ، سمعت منه قراءة صحيح البخاري، وأطلعت على ترتيل قراءته وحسن تأديته ونباهته ونجابته ، تولى الله حفظه وسعادته، وأجمل سيرته وسيادته، فطلب من العبد الفقير اتصال سنده بطريق الإجازة ظنا منه بحسن طويتي الكمال، معتقدا ان العبد الحقير ممن يتعلق به في هذا المجال ، حقق الله لنا وله ما نرجوه من الكريم المتعال ....) وكتب بتاريخ 28 جمادى الاولى عام 1392 هـ.
وكل الإجازات احتوت تنويها بمواهب الشيخ وخصائصه وحسن أخلاقه وأدبه، وإشادة بغزارة علمه وطول باعه فيما أجيز فيه، وأملا أن ينفع العباد والبلاد، وأن يحقق آمال مشايخه فيه.
نشاطاته :
تعددت مجالات نشاطاته و تنوعت، فكان شعلة من النشاط يسير على منهج واضح لا يحيد عنه، من ثبات في العقيدة ونزاهة في النفس وعلو همة وخشية لله في كل صغيرة و كبيرة و توزعت نشاطاته على :
- دروس الوعظ والإرشاد في المساجد والمصليات في كل مساجد القطر الجزائري.
- الدروس التي كان يلقيها تحت عنوان "الحديث الديني" في التلفزة و الإذاعة الجزائريتين والتي نفع الله بهما العباد و البلاد .
- تدريس علم القراءات و التجويد بمعهد تكوين الأئمة التابع لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية.
- المشاركة بصفة شخصية او ممثلا للجزائر في المؤتمرات و الندوات و المسابقات الدينية التي بنظم في الدول الإسلامية.
و نظرا لتمكنه من علم القراءات والتجويد فقد اختارته الرابطة العالمية الإسلامية للقراء و المجودين ليكون عضوا فعالا فيها.
وفاته:
مرض الشيخ في أواخر حياته، فلزم بيته بمسكنه بالمرادية (الجزائر العاصمة) فترة يزوره أصدقاؤه وتلامذته إلى أن توفاه الله يوم 30 أكتوبر 1999م ، وشيعت جنازته إلى مقبرة سيدي يحي بالعاصمة الجزائر ، و قد حضر جنازته خلق كثير من العلماء و الطلبة و طبقات مختلفة من الناس ، و أبنه الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين - حفظه الله – بكلمة مؤثرة، فرحمه الله واسكنه فسيح جنانه.
هذه الترجمة من كتاب "أعلام من منطقة القبائل" الجزء الأول للمفسر واللغوي الأديب محمد الصالح الصديق، طبع : ديوان المطبوعات الجامعية 2007 م