بمناسبة ذكرى وفاة الأستاذ مالك بن نبي يوم 31 أكتوبر: حوار نادر مع الأستاذ عبد الوهاب حمودة
أجرى الحوار: زهرة بوعزة -
التقيت جريدة العصر (28/10/1991)، ببعض تلاميذه للتعرف على جوانب من شخصيته عن قرب، لاسيما وأن الحديث عنه نادرا وأن فكره ظل مجهولا ردحا من الزمن.
وكان لنا معهم حديثا لاحظنا فيه مدى تأثرهم بشخص ملك بن نبي وتفاعلهم وهما على التوالي: الأستاذ عبد الوهاب حمودة والأستاذ محمد الهادي الحسني، وكان معهم الحوار التالي:
الأستاذ عبد الوهاب حمودة إطار في وزارة الشؤون الدينية، والأستاذ محمد الهادي الحسني أستاذ جامعي، عدنا بهما إلى أيام الدراسة في رحاب دروس ومحاضرات أستاذهم مالك بن نبي رحمه الله.
أثناء الحوار لاحظنا مدى تأثر تلاميذ مالك بن نبي بشخصه، وكان ذلك واضحا في محاولتهم لتجسيد الذكريات، والتفاعل مع الكلام.
س1: متى عرفتم الأستاذ بن نبي رحمه الله؟ وكيف كانت علاقتكم به؟
ج1: الأستاذ عبد الوهاب حمودة: عرفت الأستاذ بن نبي سنة 1964 ولمدة 9سنوات كنت أحضر دروسه وندواته، كما أنني كنت كثير التردد على بيته.
س2: من خلال معايشتكم اليومية للأستاذ بن نبي تقومون تعامله مع الحضارة الغربية؟ كيف كان تأثره بها؟
ج2: لقد كان بن نبي إنسانا متحضرا، ولكنه لم يكن غربي في سلوكهن كان يلبس البرنوس، ويجلس على الأرض، ويتكلم اللغة العربية مع بناته وزوجته، يعيش في حياته حياة إسلامية بأتم معنى الكلمة والنظام والشعور بالمسؤولية أهم ما يميز هذه الأسرة. وإذا تحدث في قضية من القضايا لاحظت عليه الرزانة والهيمنة على الموضوع لتمكنه التام في الحضارة الإسلامية وفي الحضارات الأخرى.
س3: كان بن نبي يقول لتلاميذه "أنا لا أعلمكم العلوم الشرعية، ولكني أعلمكم طريقة التفكير إلى أي مدى استفدتم منه في هذا المجال؟
ج3: الأستاذ عبد الوهاب حمودة: نعم لم تكن حلقات بن نبي حلقات فقه وعقيدة وهو يعترف بأن ذلك ليس من تخصصه هو، كان يعلمنا كيف نحلل القضايا وكيف نفكر فيها، فقد يكون موضوع الندوة مقالا صحفيا ومن أهدافه الأساسية هو أن يفهم تلاميذه مكانة الإنسان في هذه الدورة.
لقد مكننا من الثقة بأنفسنا بحيث أصبحنا لا نخاف من مناقشة الغير ومن محاورته في مرحلة عصيبة بالنسبة لحامل الفكرة الإسلامية.
الأستاذ محمد الهادي الحسني: إن الأستاذ بن نبي رحمه الله كان ظاهرة في الفكر الإسلامي، كان يعيش الفكرة التي يدعو إليها ويتفاعل معها، لقد حضرت له محاضرة ذات مرة وكان الطقس باردا والثلج يتساقط وكان العرق ينزل منه من كثرة تفاعله مع الموضوع.
س4: يقال أن بن نبي ابتعد أو اختلف عن غالبية المفكرين المشارقة في كونه ابتعد عن أسلوب العاطفة والإثارة ما رأيكم؟
ج4: قد نرد ذلك إلى شخصيته الفذة التي أثرت فيها عدة عوامل منها: أصالة عائلته، دراسته العلمية ومعايشته للحضارة الغربية لمدة 20 أو 25 سنة أضف إلى كل ذلك إطلاعه الواسع في الحضارات العالمية، إن إقامته في بلاد المستعمر فرنسا ومشاركته الفرنسيين حياتهم بصَّرته بعيوبهم فرفضها وأخذ عنهم الأمور الإيجابية ولا نستغرب إذن ابتعاده عن أسلوب العاطفة والإثارة ونهج أسلوب التحليل الموضوعي.
س5: كيف نظر هذا المفكر إلى دور المرأة ومشاركتها في البناء الحضاري؟
ج5: هو ينظر إلى المرأة على أنها إنسان ومن هنا فإن قضيتها يجب ألا تطرح معزولة وان إصلاح وضع المرأة السيء يجب أن يتم في إطار إصلاح وضع الإنسان المسلم بصفة عامة.
س6: ما هي النصائح التي كان يلح عليها دائما مع تلاميذه؟
ج6: كان يلح على الجد في كل شيء في العمل، في الدراسة، وعلى الالتزام بالمسؤوليات والاستقامة كان دائما ينبهنا إلى الدسائس والمكائد التي ينصبها الأعداء وعلى رأسهم اليهود، إذ هم صانعو الصراع دائما.
وقبل هذا وذاك كان يوصينا بعدم القنوط واليأس، وآخر ما كان يقوله عند الافتراق هو أن العاقبة للمتقين.
يتدخل الأستاذ الهادي الحسني: كان كثير الاستدلال بقول عمر رضي الله عنه: "لست بالخب ولا الخب يخدعني".
كان نموذجا حيا أمامنا: كان يتميز بالعفة، ويترفع من أن يسعد في أمة ضعيفة، كان يعيش الأحداث بفكره ومشاعره.
س7: يعتبر مالك بن نبي غريبا في بلده، فالكثير من مثقفي الجزائر لا يعرفونه إلى ماذا ترجعون ذلك؟
ج7: إن الذين عُرِف فكرهم هم الذين وجدوا من يحتضنهم ويلمعهم وهذا جزء من الصراع الحضاري والفكري الذي نعيشه وقد تكون الصعوبة التي يتميز بها فكره من الأسباب التي تجعل المثقفين لا يقبلون على فكره.
هذا بالإضافة إلى أن النشر في مرحلة من المراحل كان مستنكرا مما صعَّب نشر مؤلفاته رحمه الله.
الهادي الحسني: من ميزة الجزائريين أنهم لا يكذبون، وقد صدق الأستاذ سعد الله حين قال: "الجزائريون صانعوا التاريخ لا كاتبوه" ولم يكن الأستاذ بن نبي وحده الذي لم يحظ باهتمام المؤلفين والمثقفين عندنا، بل هناك من هضم لهم هذا الحق قبله، فماذا نعرف عن إبن باديس؟