شابُّ الشيوخ وشيخُ الشباب
بقلم: محمد الهادي الحسني-
هذا الوصف “شابُّ الشيوخ، وشيخُ الشباب” أطلقه الشيخ الطيب العقبي (1889- 1960) على الشيخ أبي يعلى الزواوي (1866- 1952)، ومعناه أن هذا الرجل الذي ثلّث رجليه بعصا، وأبيضَّ شعرُه، ووهن عظمُه، هو في عزيمته وإرادته ونشاطه كأنه شابٌّ يتدفق حيوية ونشاطا.
أحيا الإخوةُ الأفاضل في شُعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ولاية تيزي وزو المجاهِدة الذكرى السابعة لتأسيس شُعبتهم، التي تواجه تحدياتٍ كثيرة من “الخِراف الضالة”، ولكن أعضاء الشعبة مستيقنون أنهم لهُمُ المنصورون إن شاء الله.. وقد تفضّل الإخوة فدعوني إلى أن أشاركهم في هذه المناسبة التي خصَّصوها للحديث عن أعضاء جمعية العلماء من أبناء منطقة زواوة.
لقد اخترتُ أن أتحدث عن الشيخ أبي يعلى الزواوي، كما تحدَّث الأخ الدكتور السعيد بويزرى عن الشيخ السعيد اليجري. وقد ترأسَ هذه المناسبة السيِّدُ والي ولاية تيزي وز، ومديرُ الشؤون الدينية.
درس الشيخ الزواوي في مسقط رأسه، ثم في منطقة زواوة، وعمل في سوق أهراس، وتعلّم اللغة الفرنسية في السجن، ثم طاف في فرنسا والشام ومصر ليستقرّ به المقامُ في “أمّ الهلال النّاير”، مدينة الجزائر في عشرينيات القرن الماضي، حيث عُيِّن إماما في مسجد سيدي رمضان حتى أتاه اليقين في 1952.
لقد ترك الشيخ أبو يعلي تراثا هاما، فقد كتب في جرائد الشرق، وكتب في جرائد الجزائر، وكان في ما كتب متبنِّيا الفكرَ الإصلاحي، مناصرا للمصلحين، ولذلك كان من مؤسِّسي جمعية العلماء، ورئيس لجنتها الدائمة في العاصمة، ورئيس لجنة الفتوى فيها.
ولعل تبنِّيه الفكرَ الإصلاحي ومناصرته لدعاته هو الذي أسخط عليه الدوائرَ الاستعمارية، التي لم تستطع أن تحتويه أو تستخدمه ضد المصلحين الإصلاحيين، كما فعلت بكلّ من تسمّيهم “رجال الدين” وكثيرا من الطرقيين الذين زعموا “التصوّف” ولكنهم كانوا من اللاهثين وراء جمع المال وعدِّه ولو من مصادر مشبوهة، وإذا كانت السلطاتُ الاستعمارية لم تُؤذِ الشيخ أبا يعلى، الذي وجد في الشيخ ابن زكري (الابن) الحماية، فإنها “جمّدته” في الرتبة والراتب، فما وهن، ولا استكان، ولا استتاب فرنسا، وقد ذهب إلى ربّه مرضيًّا، ومثنيًّا عليه من صالحي الجزائر ومصلحيها.
كما ترك الشيخ أبو يعلى كُتبا فيها كثيرٌ من الفهم السليم، والدين الصحيح، ومنها “الإسلام الصحيح”، و”تاريخ زوازة”، الذي أدعو إلى إعادة تحقيقه من أهل الذِّكر في هذا الميدان، لأنّ الطبعة التي صدرت كانت بإشراف الأستاذ سهيل الخالدي -رحمه الله – وهو هاوٍ، وليس مختصا.
ومن كُتبه القيّمة كتابه “جماعة المسلمين” الصادر في تونس في سنة 1948، ومما قاله الشيخ الطيب العقبي في هذا الكتاب:
وها هو ذا يؤلّف خيرَ سِفْر
كتاب “جماعة المسلمينا”
كتابٌ قد حوى علما صحيحا
وأفضل خطة للعاملينا
شكرا للإخوة الأفاضل في ولاية تيزي وزو “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنت الأعلون”، و”اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.