ثاني الفرقدين
بقلم: محمد الهادي الحسني-
الفرقدان مثنى فرقد، والفرقد نجم لامع في السماء يهتدي بنوره السفّار في ظلمات البر والبحر، فيهديهم سبلهم.
وقد أنزل بلبل الجزائر وصداحها، وحادي الغر من أبنائها محمد العيد آل خليفة أنزل هذين الفرقدين من السماء إلى الأرض المباركة بالعلم والإيمان والجهاد فشكل بهما نجمين ساطعين، لم يأفل نورهما في الجزائر، ولن يأفل – إن شاء الله- رغم محاولة الضالين إطفاء هذا النور، ولكن الله – عز وجل- منم نورهما، لأنه نور الإسلام الخالد، فالفرقدان الأرضيان هما الإمامان عبد الحميد ابن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، وهما أغلى وأعلى من أنجبت الجزائر في القرن العشرين، كما أن المجاهد عبد القادر هو أغلة وأعلى من أنجبت الجزائر في القرن التاسع عشر.. وهم جميعا من أنجب من أنجبتهم الأمتان العربية والإسلامية.
قال الشاعر الصالح المصلح محمد العيد عن هذين الفرقدين:
فيالهما من فرقدين بأفقنا أنارا وغارا فرقد ثم فرقد
لقد أنجبت الجزائر “الأم الولود” كثرا من العلماء العاملين، وكثيرا من المجاهدين الصادقين، وكثيرا من السياسيين، ولكنها لم تنجب في تاريخها المعاصر مثل هذين الفرقدين علما، وعملا، وجهادا، ونكران ذات، وإيثارا لحظ شعبهما ووطنهما على حظي نفسيهما وأهليهما، فقد عاشا ما عاشا ولم يتعلق قلباهما بغير الإسلام والجزائر، تاركين سقط المتاع لمن إن يحمل عليهم يلهثوا، وإن يتركوا يلهثوا.
إنه لا يعرف أقدار الرجال إلا الرجال، ولذا قال الإمام الإبراهيمي عن أخيه ابن باديس بأنه “إن فنا في الرجولة”. (جريدة البصائر في 1938.10.28. ص1).
لقد قطع الرجلان بعلمهما وعملهما ووطنيتهما نباح النابحين، ونعيق الناعقين ونهيق الناهقين، الذين أرادوا أن يرفعوا خسيستهم بـ “الحظ” من قيمة هذين الرجلين وهم الذين لا يساوون في ميزان التاريخ الحقيقي وعند أولى النهى من الرجال شسع نعلي هذين الرجلين اللذين من الله – عز وجل- بهما على الجزائر، وجعل لهما في قلوب الخيرة من الجزائريين ودا.
فناما في روضيكما هانئين فالشعب بعدكما راشد يختط نهجكما في الهدى ويسير ولا تخشيا ضيعة ما تركتما لنا سدى، فالوارثون لما تركتما كثير. ورحم الله الإمام الإبراهيمي في الذكرى السابعة والخمسين لالتحاقه بالرفق الأعلى، وذلك في 1965.5.20.