أصول القيادة الرشيدة عند العلامة ابن باديس
بقلم: د. ربيع لعور-
يعد العلامه ابن باديس في هذا العصر أحد كبار رجال الإصلاح في الجزائر، بل وفي العالم الإسلامي كله؛ فقد شهد له المنصفون حتى من المخالفين بالعبقرية ورجاحة العقل ووفور العلم وسعة الاطلاع والتبصر بأمور المعاش وفقه عصره زمنه، وذكر هذه الشهادات يضيق بها هذا المقام.
وقد غلب على الرجل تأليف الرجال لا تأليف الكتب، فخرج للأمة أجيالا رفعوا عمادها، ورصوا بنيانها، ولهذا لم يصلنا من تراثه إلا نزر يسير، ورغم قلة موروثه الكتابي، إلا أنك تنبهر من إشراقاته الفكرية، ونظراته الإصلاحية، فكثيرا ما عالج أمراض المسلمين التي أفضت إلى تقهقرهم وجمودهم، ولم يكن في بيانه لهذه الأدواء مجرد أديب أريب يصف واقعا يعيشه، فيقتن القارئ بلفظه، ويشجيه بحرفته، بل كان مفكرا نظارا، يكشف الداء ويصف الدواء.
ولعل للبيئة التي عاصرعا أكبر الأثر في شخصيته العلمية وآرائه الإصلاحية؛ فقد عاش الرجل في زمن تهاوت فيه قلاع الإسلام الواحدة تلو الأخرى، فقد فتح عينيه على الجزائر وهي تئن تحت سوط الاحتلال، وقد كانت بالأمس القريب حامية الإسلام في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، كما شهد في شبابه وكهولته سقوط بلدان أخرى، وكانت ثالثة الأثافي سقوط حاضر الخلافة العثمانية بيد الصليبيين ثم إلغاء الخلافة نهائيا من أرض الأستانة.
هذا عن الجانب السياسي أما عن واقع الأمة في بقية الميادين فلا يسر حبيبا ولا صديقا، ففي الميدان الديني والعلمي نجد أن الجهل نخر أمة اقرأ، وصار العلم بضاعة قل طالبها ووظيفة عز متوليها، فهجرت العلوم النافعة حتى سادت الخرافة العقول، فتشوه وجه الإسلام المشرق، وكدر صفوه الجهال ببدع أحدثوها، وطقوس ابتدعوها، فصار الدين غريبا بين أهله، طريدا بين عشيرته.
أما الحال الاقتصادية والاجتماعية فهي صنو الحال السياسية؛ فقد أنشب الفقر أظفاره في جسد الأمة، وصار الجزائريون عبيدا في أرضهم، عالة في بلادهم، جياعا أمام خيراتهم، وقس على ما ذكرناه سائر الميادين.
ففي ظل هذه الأوضاع العصيبة دينيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا؛ ظهر ابن باديس فارسا في مضمار الإصلاح، فامتشق عوض المديف قلمه، وبدل الرمح لسانه، فأحال البدع عدما، وفرى الجهالات فريا، فهدم أدركانها وقطع أوصالها.
وقد تعددت صولاته وجولاته؛ فلم يقف عند حد الحديث عن البدع والخرافات كما اشتهر عنه، بل طرق نواح عديدة في شتى مجالات المعرفة؛ ومن أهم الموضوعات التي عالجها، موضوع أصول القيادة الرشيدة، فقد عرض في عدة مواطن من آثار إلى هذا المبحث، خاصة وأن القيادة الرشيدة من أهم أسباب تقدم الدول، كما أن ارتكاسها في حمأة الغي من أهم معاول الهدم، على حد قول الشاعر:
ومن يكن الغراب له دليلا * يمر به على جيف الكلاب !(1)
ورغم الدراسات الكثيرة التي أثيرت حول شخص ابن باديس وآرائه الإصلاحية، فإنني لم أجد من انفرد ببحثه هذه الجزئية، حتى من عُني منهم بفكر السياسي، ومن نماذج ذلك ما كتبه الأستاذ: مالك بن خليف في رالته الموسومة بعنون: الفكر السياسي عند العلامة ابن باديس؛ فرغم الجهد المبذول في بحثه إلا أنه لم يطرق هذه الجزئية، واكتفى بسرد أصول الولاية في الإسلام كما ذكرعا ابن باديس، مع تعليقات مقتضبة.(2)
ونفس الملحوظة تقال فيما كتبه الدكتور: عبد الرزاق قسوم في مقاله الموسوم: الفكر السياسي عند ابن باديس بين الأنصاف والأجحاف والاحتراف؛ فقد سرد تلك الأصول دون بيان لصفات القيادة الرشيدة.(3)
وجدير بالذكر أنتي لا أقصد من هذا المقال بيان أصول الحكم من خلال المنظور الباديسي، فقد تكفل هو نفسه ببيانه من خلال مقاله الموسوم بأصول الولاية في الإسلام(4)، فقد أشار فيه إلى المنظومة العامة التي تحكم الحاكم والمحكوم، وهذا الموضوع أعم من هذا البحث الذي بين أيدينا، ذلك أنه أشار فيه إلى آليات الحكم وما تطق بالراعي والرعية من حقوق وواجبات إلى غيرها من المبادئ المهمة التي تحتاج إلى سفر كامل لتحليلها وتأصيلها، وغاية ما أتغياه هو بيان أصول القيادة الرشيدة فحسب؛ والقيادة الرشيدة هي أحد أصول الولاية التي ذكرها ابن باديس، وإن لم يفصل في متعلقاتها في ذلك المقال، وكلامه منثور في جنبات آثاره، وهو ما حرصت على جمعه وإبرازه وتحليله، ولكن من دون مقارنة بآراء غيره من أئمة الإصلاح، لأنه حمل نتوء به هذه المقالة.
مشكلة البحث:
إذا كان ابن باديس قد اهتم بموضوع القيادة؛ فما هي نظره لأصول القيادة الرشيدة التي يصلح بها حال الرعي والرعية؟.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى بيان أصول القيادة الرشيدة من المنظور الباديسي، فصاحبها عالم عجنه العلم وأنضجه الواقع، وزاد في نضجه نظره الفاحص في تاريخ المسلمين، وتجرعه مرارة الاحتلال الذي نشأ على أنقاض القيادات الهزيلة، التي لم تعط السيادة حقها، ولم تعرف للحضار نواميسها، فضيعت بلاد المسلمين.
كما أن من أهدافها كذلك بيان القيمة العلمية لآراء ابن باديس لا كعالم إصلاحي وموجه تربوي فحسب، بل بصفته مفكر حضاريا، وكيف لا، وهو كما قال المتنبي:
كالبدر من حيث التفت وجدته * يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا(5)
أهمية الدراسة:
تنبع قيمة أي دراسة من خلال أثرها في الواقع، وموضوعنا هذا له الأهمية الكبير في واقع الأمة، خاصة ونحن نرى ونسمع كيف تتهاوى قيادات لتخلفها أخرى، وعدم التفقه في هذا الموضوع؛ قد يجعل من هذه التحولات تغيرات عشوائية، أكبر نتائجها تغيير شخص بآخر، واستبدال مستبد بمن قد يكون أكبر استبدادا منه.
منهجية الدراسة:
تحصيلا لهذا الهدف المذكور سأسلك في هذا البحث منهج الاستقزء، حيث سأتتبع أصول القيادة الرشيدة عند ابن باديس من خلال تركته العلمية، ثم أتبعه بالمنهج التحليلي لهذه الأصول مسترشدا بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا، ومن خلال سعي لأصول القيادة الرشيدة عند ابن باديس، أمكنني إجمالها فيما يأتي:
أولا: العلم:
اقترن ذكر ابن باديس بالعلم، وزبدة رأيه أنه لا قيام لحضار إلا بالعلم، وقد قرر هذه النظرية من خلال تفسيره لقول الله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا)(6)...
فقال: "قد ابتدئ الحديث عن الملك العظيم بذكر العلم، وقدمت النعمة به على سائر النعم، تنويها بشأن العلم، وتنيها على أنه هو الأصل الذي تنبني عليه سعادة الدنيا والأخرى، وأنه هو الأساس لكل أمر من أمور الدين والدنيا، وأن الممالك إنما تنبني عليه وتشاد، وأن الملك إنما ينظم به ويساس، وأن كل ما لم يبن عليه فهو على شفا جرف هار، وأنه هو سياج المملكة ودرعها، وهو سلاحها الحقيقي، وبه دفاعها، وأن كل مملكة لم تحم به فهي عرضة للانقراض والانقضاض".(7)
فالمتتبع لهذا الكلام يدرك أن الدولة الراقية في نظره هي الدولة التي تشاد على العلم، وهذا لا يتأتى في العادة إلا إذا كان القائد مولعا بالعلم، مهتما بالمعرفة، ولهذا تواطأ علماء الإسلام على اشتراط العلم في ولي الأمر؛ لأئ العلم عاصم من الزعل.
لأن هذه نظره للدولة المتمكنة، تعقب الشاعر المتنبي في رعمه أن خير الممالك ما يبنى على السيف؛ فقال: "قال أبو الطيب المتنبي:
أَعلَى المَمَالك ما يبنَى عَلَى الأسَل * والطَّعن عندَ محبّيهن كالقبَل(8)
نعم؛ إن محبي الممالك الصادقين في محبتها، والذين تصلح لهم ويصلحون لها، هم الذين يستعذبون في سبيلها الموت، ويكون الطعن عندهم مثل القبل على ثغور الحسان.
فأما الممالك التي تبنى على السيف فبالسيف تهدم، وما يشاد على القوة فبالقوة يؤخذ.
وإنما أعلى الممالك وأثبتها ما بني على العلم، وحمي بالسيف، وإنما يبلغ السيف وطره ويؤثر أنر، إذا كان العلم من ورائه ".(9)
هذه النطر الباديسية، لها ما يؤيدها في القرآن الكريم، ألم يقل الله عز وجل: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(10).
فقد سألت بنو إسرئيل هذا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بقائد يقودهم في جهادهم ضد عدوهم الذي استلب أرضهم؛ فلما جاء الاصطفاء الإلهي باختيار طالوت، استنكفوا عن اتباعه لقلة ذات يده، فبين لهم هذا النبي صلى الله عليه وسلم سر هذا الاصطفاء الرباني، وهو أنه أكثرعم علما وقوة.
إذن، فالدول التي تبنى على السيف تهدم بالسيف، والسيف إن لم يقترن بالعلم كان ضرر أكبر من نفعه، واقرأ شواهد التاريخ لتخلص إلى أنّ القيادة التي تبني دولتها على العلم تكون أكثر عمرا، وأطول نفسا من الأمم الجاهلة، التي سرعان ما تذوب في ثقافة غالبها، بل وتذوب في ثقافة الدولة المغلوبة إذا كانت أمة علم، كما حصل للتتار مع المسلمين مثلا.
ثانيا: الشورى:
مهما كمل عقل المرء، فإنه مفتقر إلى التوفيق الرباني ثم التوجيه البشري؛ فمن شاور الرجال قاسمهم عقولهم، والقائد الحصيف مهما بلغ من الحذق ما بلغ؛ لا يستأثر بالرأي دون أهل الحل والعقد ممن خبروا الحياة، وصقلوا بتجاربها، ومن ثم افترضت الشريعة الأسلامية الشورى على ولي الأمر؛ وقد عظم الله أمرها فأمر بها أكمل الخلق عقلا صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: (...وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ...)(11).
فإذا كان المأمور بذلك سيد الأولين والآخرين؛ فما بالك بغير؟!، فلا جرم أنه في حقهم واجب متأكد، وفرض متعين، يقول الإمام ابن عطية: "والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه".(12)
ومن أجل ذلك طرق ابن باديس موضوع الشورى، وأكد ضرورته للقيادة الرشيدة؛ ففي تفسير لقول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِوَرَسُولِهِ)(13).
وقال: "فمن أحكام الآية الكريمة:
1- أن على أئمة المسلمين وذوي القيادة فيهم، إذا نزل بهم أمر هام أن يجمعوا جماعة المسلمين الذين يرجى منهم الرأي والعمل فيما نزل، فلا يجوز لهم أن يهملوا أمرهم ولا أن يستبدوا عليهم.
2- وأن على المسلمين أن يجتمعوا إليهم ويكونوا معهم، يظاهرونهم ويؤيدونهم، وينصحون لهم، فلا يجوز لهم أن يتخلفوا عنهم، ولا أن يخذلوهم.(14)
فنلاحظ في هذا النص أنه لم يكتف بتأكيد أمر المشورة فحسب، بل عمد إلى ذكر آليات هذه العملية، فأكد ضرور إيجاد محافل تجتمع فيها القيادة الرشيدة مع أهل الرأي، وأن تأخذ القيادة بآرائهم وألا تستبد بالأمر دونهم، حتى نخرج من دائرة الشورى الصورية، التي تجمع بين المشاورة والمخالفة، وكأني به يقصد من كلمته هذه الخروج من الجدل الفقهي القديم في الشورى؛ هل هي مُلزمة أو مُعلمة؟
كما نستشف من كلامه أيضا التأكيد إلى ضرورة انتقاء أهل الشورى، فمن علائم رشد القائد أن يختار أهل الرأي والتجربة والشجاعة والنجدة، ومن العجز أن يختار من هم بخلاف ذلك، كما قرر وجوب الإشارة الصادقة من قبل المشيرين، وأن توليهم لهذا الحمل أمانة، تأديتها ديانة، وكتمها خيانة.
ونجد ابن باديس في مقام آخر يبين أن اجتماع الأمرين، وهما الاستشارة من قبل القائد، وسلامة المشورة من قبل المستشار سبب لعز الأمة وانتصارها، وقد استوحى هذه الفكر من حدث معلوم في السير النبوية، وهو مزول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشورة بعض أصحابه في غزوة بدر، وهو الحُبَابَ بن المنذر الذي قالي: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ : ”بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ” .. فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ..
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ :” لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ”.(15)
علق ابن باديس بقوله: "قد عصم الله نبيه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فلا يستقر أمر في جميع سياسته وتدبيره إلا على أحسن الوجوه بما يهدي إليه من نفسه. وهو الكثير. وما يرجع إليه، مما يشير به أصحابه. وهو القليل، والحكمة في هذا القليل؛ أن يسن لأمته حلاة إبداء الرأي في الشؤون العامة من الكبير والصغير، والرجوع للصواب إذا ظهر من أي أحد كان.
هذان الأصلان: حرية إبداء الرأي من جميع أفراد الرعية والرجوع إلى الصواب من رعاتها؛ عليهما تبنى سعادة الأمة وعظمتها، وبهما تشعر الأمة بالوحدة بين الرعية ورعاتها، ومنهما تستمد الأمة النظم اللازمة لها في حياتها، وقد قررهما الإسلام، وبينهما النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تبيينا عمليا في هذه القصة ".(16)
ثالثا: القوة:
مهما نبل قدر القيادة؛ فإنها تظل قيادة شكلية ما لم تتصف بالقوة؛ لأن قوة القائد ترهب الطامحين والأعداء المتربصين، وتسكن الثقة في التابعين، لأهمية هذا الأصل نوه به ابن باديس بصفته دعامة للحكم الرشيد؛ فضمن حديثه عن الملك؛ بين ابن باديس أن الملك على ضربين: ملك نبوي وملك بشري، والفارق بينهما هو التمسك بالوحي الرباني؛ فقال: "ثم إن الملك قد تكون الأصول التي يستد
إليها مستمدة من أوضاع البشر، لحفظ مصالحهم في الحياة الدنيا؛ فيكون ملكا بشرياً، وقد تكون تلك الأصول مستمدة من وحي الله؛ بما فيه حفظ مصالح العباد في الدنيا، وتحصيل سعادتهم فيها وفي الأخرى، فيكون ملك نبوة ".(17)
ثم بدن أن الملك النبوي، مع كونه محمودا، فلا بد من قوة تحرسه، وجنة تحفظه، واستدل لذلك بالنصوص الآمر بالإعداد، كقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(18)، ففيها الأمر الملزم بإعداد أسباب القوة بحسب ما يدخل في الاستطاعة؛ لأنه لا تكليف إلا بمقدور.
لكن هذه القوة لا تقتصر على قوة البدن، وجودة السلاح فحسب، بل لها مظاهر كثير أشار إليها ابن باديس في قوله: "... إذ لا يكون ملك إلا بأسباب الملك، ولا تكون قوة إلا بأسباب القوة، ولإ تكون سيادة إلا بأسباب السيادة، وقد علمت من دينها أن السيادة لا تكون إلا بالملك، وأن الملك لا يكون إلا بالقوة: قوة الأبدان وقوة العقول وقوة الأخلاق وقوة المال، وبهذه يكون العدل الذي هو أساس الملك، وأن لا قوة إلا بالعلم والععل والتهذيب "(19).
إذن، فالقوة في البدن والعقل والأخلاق والمال، هي التي تجعل للأمة حضارة راقية، تنقاد إليها الأمم، أما التقوي في جانب دون آخر، فإنه يحدث في الدولة اضطربا، ومثل هذه الدولة آيلة إلى السقوط لا محالة، والاغترار بقوتها العسكرية مثلا .، اغترار بسراب يحسبه الظمآن ماء.
من أجل ذلك، فالقيادة الرشيدة هي التي تعمد إلى تقوية الدولة من كل النواحي، وتستثمر في الإنسان، قبل الاستثمار في البنيان، ولإ يعني هذا إهمال الجوانب المادية، بل المقصد هو الحرص على المخبر قبل المظهر، وإن كان المظهر مطلوبا.
وقد وقف ابن باديس وقفة متبصر مع هذا الأمر، وبين خطأ النظر الشائعة التي تصور الإسلام بأنه دين التواضع والزهد والتقشف، وأنه برفض مظاهر الفخامة وأبهة الملك؛ فقال مؤصلا لنسف هذه النظرية: " ثم إن من طبيعة الملك من حيث إنه ملك - سواء أكان بشرياً أم نبوياً - مظاهر الأبهة والجمال والقوة والفخامة؛ لما جبل عليه الخلق من اعتبار المظاهر والتأثر بها، وهذا إذا كان في الحق فهو محمود مطلوب، وإذا كان للباطل والبغي والتعظيم النفسي فمذموم متروك ".(20)
ثم استدل لذلك بما ثبت في السير التبوية من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه أن يحبس أبا سفيان عتد خطم الجبل، حتى تمر عليه كتائب المسلمين في فتح مكة؛ حتى يدخل الرعب على قلبه بما يرى من التظام والقوة؛ فيسلم مكة من غير قتال.(21)
وكذا بما كان من معاوية رضي الله عنه بالشام لما قدم عليه عمر رضي الله عنه؛ فوجده في أبهة من الجند والعدة، فاستنكر ذلك، وقال له: " أكسروية يا معاوية ؟! "؛ فاعتذر معاوية بأنهم في ثغر تجاه العدو، وأنهم في حاجة إلى مباهاة العدو بزينة الحرب والجهاد، فسكت عمر وأقره.(22)
ثم قال: " فذلك المظهر من مظاهر طبيعة الملك من حيث هو ملك، وإنما أنكر عمر رضي الله عنه لما خاف فيه من تعظم واستعلاء وإعجاب؛ فلما كان للحق والمصلحة أقره.
ومن أقوى الأدلة على أن تلك المظاهر إذا كانت للحق والمصلحة فهي محمودة مطلوبة، ما قصه الله علينا في هذه الآيات عن ملك سليمان نبي الله عليه السلام(23).
وزبدة القول أن القيادة الريدة هي التي تتحلى بالقوة من كل النواحي، وأنها تسعى إلى تحصيل أسبابها، ونثرها في جنبات الدولة، حتى يأرز إليها الموالف، ويخضع لسلطانها المخالف.
رابعا: العدل:
ما أعظمها من كلمة!، وما أثقلها من مهمة!، لكن عاقبتها على الأمة سعيدة، وقد نؤه ابن باديس إلى ضرور لزوم العدل، وأنه من مقتضيات القيادة الرعديدة، ولم يقف عند هذا الحد، بل بين ضرورة إقامة سوق العدل ولو مع المخالف؛ فقال: "ومن طبيعة ملك النبوة التزام الحق ونصرته حيثما كان؛ بإقامة ميزان العدل في القول والحكم والشهادة بين الناس أجمعين، المعادين والموالين، كما قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ)(24)
(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(25)(26).
فالعدل المأمور به مطلق في أفراده، فلا فرق عند القيادة الرشيدة بين موافق ومخالف؛ بل كلهم سواء في ميزان العدل، وبهذا يستقيم حال الدولة وتسلم من الزلازل والفتن.
ولنتأمل هذا المثال؛ لندرك بأدنى تأمل أن سبب عز الأمة في أول عهدها؛ هو التزامها بالعدل، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن يَسَارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِخَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا: هَذَا لَكَ وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَة: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَلِكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ".(27)
فنحن نرى أنّ القيادة لما صلحت، ولت العدول الأكفاء، فكان هذا السلوك الراقي من ابن رواحة رضي الله عنه، الذي لم يقبل الرشوة في خرص الثمرة، ولم يحر على اليهود في القسمة رغم كفدهم؛ لأنّ دينه يمنعه من الحيف عليهم، وهذا خلافا لما عليه اليهود الذين وصفهم القرآن؛ بقوله: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِيالْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)(28)، أي أئه لا إثم في ظلم غير اليهودي، واستحلال ماله.
لكن العدل بمفرده لا ينفذ إلا بقوة تصونه، وهذا ما بينه ابن باديس؛ فقال: "ومن طبيعته الدعوة إلى القوة والتنويه بها وبناء الحياة عليها، لكن في نطاق العدل والرحمة، ولدفاع المعتدين... فقوة الحديد لحفظ الكتاب والميزإن وحمل الناس عليهما، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(29).
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)(30)(31).
وعلى وزان ما ذكرناه، أشار ابن باديس إلى أن أخذ القيادة بأصل بمعزل عن آخر، سبب للفشل وذهاب الربح، فالقوة مثلا. معول بناء وهدم معا، فهي معول بناء إذا اقترت بالعدل، ومعول هدم إذا اقترت بالظلم، ولهذا تجد الأمم التي تقاد بالعسف والقهر، لا تلبث دولتهم طويلا، وسرعان ما تنهار عند أول هزة.
والسبب واضح؛ وهو طغيان القوة الذي يعمي ويصم، وقد حرر ابن باديس هذا المعنى في قوله : "...الملك البشري، وإن روعيت في أوضاعه هذه الأصول الأربعة، إلأ أنه: ...يبني أمر على القوة المطلقة؛ فتندفع من رغباته إلى أقصى ما يمكنها أن تصل إليه؛ فيكون البغي والتساقط ولتسلط والعدوان".(32)
فالظلم ظلمات في الدنيا والآخر، وعواقبه وخيمة على أي أمة، ولو كانت أمة مسلمة، وتنكب القيادة عن العدل إلى الظلم، يؤول بالأمة إلى الضعف وانتصار الأمم العادلة عليها، ولو كانت أمما كافر، وهو ما يدل عليه قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(33).
والمعنى: وما كان رك ليهلك القرى بسبب شركهم، وأهلها ينتاصفون ويتعاطون الحق فيما بينهم، وإنما يهلكهم إذا تظالموا.(34)
ولهذا قيل: :إنّ اللة يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة".(35)
خامسا: الوفاء بالعهد:
الوفاء بالعهد معناه الالتزام بمقتضى عقد معين، قد يربط القائذ بره أو برعيته أو بعدو، وهذه الخصلة واجبة الإيفاء في حق كل مسلم، ومع أي طرحة كان، حتى لو خالغه في الدين.
والقيادة الرشيدة هي التي تلتزم هذا الأصل في عهودها ومواثيقها مع العدو والصديق، يقول ابن باديس معددا مزايا الملك النبوي: "...وبالوفاء بالعقود والعهود بين الأفراد والجماعات، كما قال تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(36)، (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا)(37)...(38).
فهذه الآيات جاءت عامة، غير مفرقة في العهد بين مسلم وغيره، فالوفاء ضمان استقرر الدولة، ورمز بقائها واحترامها بين الدول، فضلا عن كونه مجلبة لرضوان الله في الدنيا والآخر، يقول ابن باديس: "الوفاء بالعهد شرط ضروري لحصول السعادتين:
عهد الله تعالى لعباده هو ما شرعه لهم من دينه، فوفاؤهم بعهده قيام بأعباء ذلك الدين الكريم، وانتظام شؤونهم في هذه الحياة -أفرادا وجماعات وأمما- متوقف على الوفاء من بعضهم لبعض بما بينهم من عهود؛ فالوفاء ضروري لنجاة العباد مع خالقهم؛ ولسلامتهم من الشرور والفوضى والفتن. وضروري -إذن- لتحصيل سعادة الدنيا وسعادة الآخر.
ولمكانة هذا الأصل وضرورته تكرر في الكتاب والسنة الأمر به على وجه عام بين الأفراد والأمم، بلا فرق بين الأجناس والملل"(39).
وهذا الوجوب لا يقتصر على حال دون حال، بل هو واجب في الحرب والسلم، واقرأ قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)(40)، ففيه الأمر بإعلام العدو بنقض العهد إن خاف منهم المسلمون الخيانة، حتى يكونوا في العلم بالنقض سواء، لكي لا ينبز المسلمون بنقض العهود.
سادسا: الوطنية الصادقة:
الانتساب إلى وطن يفرض على المرء واجبات، وواجب المرء تجاه قومه عظيم، والقائد الرشيد هو الذي يعتز بانتمائه، ويحرص على سلامة وطنه أشد من حرصه على نفسه، أما القائد الذي يخال نفسه استثناء من بني وطنه، فليس حقيقا بالرياسة.
وقد أوضح ابن باديس هذا الملحظ من خلال تفسير لقول الله عز وجل في قصة سليمان عليه السلام: (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)(41)، فقال: "عاطفة الجنسية غريرة طبيعية؛ فهذه النملة لم تهتم بنفسها فتنجو بمفردها، ولم ينسها هول ما رأت من عظمة ذلك الجند إنذار بني جنسها؛ إذ كانت تدرك بفطرتها أن لا حياة لها بدونهم، ولا نجاة لها إذا لم تنج معهم، فأنذرهم في أشد ساعات الخطر أبلغ الإنذار، ولم ينسها الخوف على نفسها وعلى بني جنسها من الخطر الداهم، أن تذكر عذر سليمان عليه السلام وجنده.
فهذا يعلمنا أن لا حياة للشخص إلا بحياة قومه، ولا نجاة لهم إلا بنجاتهم، وأن لا خير لهم فيه إلا إذا شعر بأنه جزع منهم، ومظهر هذا الشعور أن يحرص على خيرهم كما يحرص على نفسه، وألا يكون اهتمامه بها دون اهتمامه بهم(42).
ثم استرسل مستنبطا واجب القائد والزعيم تجاه قومه؛ فقال: " هذه النملة هي كبيرة النمل، فقد كان عندها من قوة الإحساس ما أدركت به الخطر قبل غيرها، فبادرت بالإنذار.
فلا يصلح لقيادة الأمة وزعامتها إلا من كان عنده من بعد النظر، وصدق الحدس، وصائب الغرسة، وقوة الإدراك للأمور قبل وقوعها، ما يمتاز به عن غير، ويكون سريع الإنذار بما يحس وما يتوقع ".(43)
ثم ولى بطرفه تلقاء قادة عصره، والحسر تعتصر فؤاده؛ فقال: "هذه نملة وفت لقومها، وأدت نحوهم واجبها!؛ فكيف بالأنسان العاقل فيما يجب عليه نحو قومه؟!
هذه عظة بالغة لمن لا يهتم بأمور قومه، ولإ يؤدي الواجب نحوهم، ولمن يرى الخطر داهما لقومه، فبسكت ويتعامى، ولمن يقود الخطر إليهم ويصبه بيده عليهم.
آه؛ ما أحوجنا -معشر المسلمين- إلى أمثال هذه النملة ! ".(44)
سابعا: الأمانة:
قيادة الأمة من أعظم الأمانات، فالقائد مستأمن على دين الأمة ودنياها، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّ من تضييع الأمانة إسناد القيادة إلى غير أهلها، فقال: "إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"(45).
ولهذا فالقائد الذي يتولى أمر المسلمين، فيخل برعايتهم، ويسيء سياستهم خائن للأمانة، يقول ابن باديس: " كل عمل لا يحل فهو خيانة، وإن كان بأدنى إشارة... وأعظم الخيانة بعد الكفر خيانة العامة؛ لأن الذنب يعظم بعظم أثره وانتشار ضرره؛ ولهذا جاء ما جاء من الوعيد الشديد فيمن ولي أمر من أمور المسلمين فغشهم ولم ينصح لهم.
فحق على المسلم أن يحذر من الخيانة دقيقها وجليلها، وخصوصاً ما اتصل بالناس منها، وينتبه من أقل كلمة وأدنى إثار توقعه في خطرعا "(46).
والوعيد المذكور في كلامه مروي عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(47).
وعليه؛ فأحق الناس بالقيادة هم أقدر الناس على الحفاظ على الأمانة.
ثامنا: النظام:
لا قيمة لأي عمل إذا لم يكن منظما، وأي عمل لا يلتزم فيه النظام، فضرر أكبر من نفعه، وذا تواجه محق ومبطل؛ فإن صاحب الباطل المنظم يغلب صاحب الحق غير المنظم، وهذه سنة الله تعالى، ولن تجد لسننه تبديلا.
من أجل هذا شدّد ابن باديس في ضرورة التزام القيادة بالنظام، وقد استوحى ذلك من خلال قول الله عز وجل: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(48)
فبعد أن ذكر أوجه النظام المستفادة من الآية، من كون الجند يسرحون من الخدمة ويجمعون عند الحاجة، وأن أعيانهم معروفة مضبوطة، وأن لهم هيئة انضباط تضبطهم؛ قال: "ويقيت الآية على الدهر مذكرة لنا بأن النظام أساس كل مجتمع واجتماع، وأن القوة والكثرة وحدهما لا تغنيان بدون نظام، وأن النظام لا بد له من رجال أكفاء يقومون به ويحملون الجموع عليه، وأولئك هم الوازعون"(49).
وعليه فالقوة وتزاهة المبدأ وحدها لا تكفي، بل لا بد أن يقترن بها النظام في العمل، وبلزومه تستطيع القيادة الرشيدة أن تحقق أهدافها القريبة والبعيدة.
تاسعا: الصلاح وسن الخلق :
القيادة للأمة بمثابة القلب للجسد؛ فاذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد الجسد كله، لأجل هذا يعد صلاح القيادة أهم عوامل رشدها، وقد نبّه ابن باديس إلى هذا المعنى؛ ففي تفسيره لقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(50).
قال: "... علق الوعد بالوصف وهو الصلاح؛ ليعلم أنه وعد عام، ولتعلم كل أمة صالحة أنها نائلة حظها -ولا محالة- من هذا الوعد.
واقتضى هذا التعليق بالوصف أيضاً تقييده بأهله، فإذا زال وصف الصلاح من أمة زال من يدها ما ورثت..."(51).
ولا ريب أن هذا الوعد بوراثة الأردض، لا يتحقق بصلاح الأمة وحدها بمعزل عن قيادتها، بل أثر القيادة في الأمة قد يكون أبلغ؛ لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.(52)
لكن، من هو الصالح الذي يستحق قيادة الأمة؟، يجيبنا عن هذا ابن باديس بقوله: "...والصالح في لسان الشرع -قرآنا وسنة- لم يخرج عن هذا المعنى حيثما جاء: فالصالح هو من استنار قلبه بالإيمان والعقائد الحقة، وزكت نفسه بالفضيلة والأخلاق الحميدة، واستقامت أعماله وطابت أقواله؛ فكان مصدر خير ونفع لنفسه وللناس، استقام نظامه في عقده وغلقه وقوله وعمله، فعظمت وزكت منفعته، وهذا هو معنى الصالحين حيثما جاء، ....وقد بين القرآن من هم الصالحون بيانا شافيا كافيا بذكر صفاتهم، متل قوله تعالى: (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)(53).(54)
ولإ يخطرن ببالنا أن مقصد ابن باديس من الصالح هو الناسك الرهد المقبل على شأنه، فقد بين ضرورة تعدي نفعه إلى الناس، مع لزوم اتصافه بالكفاءة وغيرها، وهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه العابد الزاهد، ومع تقواه نهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن الولاية ولو كانت على مال يتيم، فقال له: "يا أَبَا ذَرٍّ، إني أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ على اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ"(55).
إذن، فمناط التقديم هو نفع المسلمين، ودفع الضرر عئهم، وهذه النظر التكاملية إليها ينحو ابن باديس؛ فيقول: "الذي يتولى أمز من أمور الأمة هو أكفؤها فيه لا خيرها في سلوكه؛ فإذا كان شخصان اشنزها في الخيرية والكفاءة، وكان أحدهما أرجح في الخيرية والآخر أرجح في الكفاءة لذلك الأمر؛ قدم الأرجح في الكفاءة على الأرجح في الخيرية، ولا شك أن الكفاءة تختلف باختلاف الأمور والمواطن؛ فقد يكون الشخص أكفأ في أمر وفي موطن لاتضافه بما يناسب ذلك الأمر، ويفيد في ذلك الموطن، وعلى هذا الأصل ولى النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه غزاة ذات السلاسل، وأمدّه بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجرح رضوان الله عليهم، فكانوا تحت ولايته وكلهم خير منه، وعليه عقد لواء أسامة بن نيد رضي الله عنه على جش فيه أبو بكر وعمر ".(56)
نعم، إذا استوى رجلان في الكفاءة، قدم أصلحهما، لأن اجتماع الصلاح مع الكفاءة يرجع على الأمة بخير كثير، وهذا هو ما يستفاد من كلام ابن باديس من غير كبير تأمل.
لكن الصلاح وحده لا يكفي ما لم يقترن بحسن الخلق؛ وهو ما دندن حوله ابن باديس؛ فحسن خلق القائد قدر زائد عن صلاحه، وبوجودهما معا تحفظ للأمة وحدتها، ويُعصم اتحادها، واعتبر هذا بحال الرسول عليه الصلاة والسلام الذي خاطبه الله عز وجل بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(57).
فقد بين الحق عز وجل أئه لو وجدت الفظاظة منه صلى الله عليه وسلم لانفض أصحابه من حوله، وإذا كان هذا في شأن سيد ولد آدم؛ فما بالك بغيره؟!.
فالقائد الصالح المتخلق، يستعبد الرعية بإحسانه، ويقطع لسان المخالف بعطائه، ويستجلب احترم العدو بقوته وعدله؛ أما جمع الناس بالقوة، فهذا امتلاك لأجساد لا قلوب لها، وهو ما يفضي إلى تهلهل بناء الدولة، وحقيق بهذا البناء أن ينهار عند هبوب أضعف ريح، لأنهم في الظاهر جميع وقلويهم شتى.
وقد أشار ابن باديس إلى بعض هذه الجوانب؛ فمن ذلك إحسان القائد إلى الرعية إحسانا عاما، لا تفريق فيه بين أفراده إلا من فضل على غير بسبب عمله، لا بسبب قرابته أو ولائه، وذلك قوله: "...ومن طبيعته بث الخير بين الناس بنشر الهداية والأحسان دون تمبيز بين الأجناس والألوان، كما قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(58)، (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(59) (60).
ويندرج ضمن حسن الخلق العفو عند المقدرة، والرفق بالجاهل، والحلم عند الغضب، وقد ذكر ابن باديس على جميعها شواهد(61).
عاشر: نبذ العصبية الجاهلية:
يعث الرسول صلى الله عليه وسلم في أمة عرية مزقتها العصبيات القبلية، يتقاتلون سنين عددا من أجل ناقة!، لو ندب العربي قبيلته إلى القتال لخرجوا إليه متلهفين يحملون أرواحهم على أكفهم دون أن يطموا أهو مظلوم أم ظالم؟!.
حارب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجاهلية المقيتة، وربط الأمة برباط الدين، رباط يجمع بين العربي والأعجمي، وبين الأبيض والأسود، ويين الحر والعبد، لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، وقد لزمت الأمة هذا المنهج ردحا من الزمن، فاستقام حالها، وطاب عيشها؛ لكنها سرعان ما استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ استبدلت أخوة الإسلام بعبيّة الجاهلية، فكان عاقبة أمرها خسرا، ونشبت فتن وحروب كان لها ما بعدها.
وقد نبه ابن باديس على هذه البلية، ونبّه على ضرور تنكبها إن أردنا التقدم والرقي؛ فقال: "ليحذر المسلم من كل كلمة مفرقة، من كل ما يثير عصبية للباطل وحمية جاهلية، لا يدعو بها ولا يجيب من دعا إليها؛ فإن بلاء كثيرا حل بنا، وفتنة كثير أصابتنا من تلك الكلمات المغرقة "(62).
وكثير هم القادة الذين توسلوا إلى توطيد سلطاتهم بالعصبيات، حتى عدّها العلامه ابن خلدون أهم أسباب توطيد الملك(63)، وهذه العصبيات وإن نفعت الأمة زمنا إلا أنها بذرت بذور الفرقة التي لا زلنا نجني أشواكها إلى وقت الناس هذا. ولهذا حدر ابن باديس من سلوك هذا المسلك؛ فقال: "كل من سعى إلى تحصيل شيء مستعينا بذوي عصبيته له لنسبة جنس أو وقبيلة أو بلد أو سيخ أو حرقة أو فكرة، غير ناظر إلى أمة على حق أو على باطل؛ فقد دعا دعوى الجاهلية، وكل من أجابه؛ فقد شاركه في دعواه "(64).
وهذا التحذير عام في كل أمر، وخاصة أمر اجتماع الأمة؛ فقد شهد التالاخ أن الأمة العرية الممزقة في الجاهلية لم يجمعها إلا الإسلام، يقول ابن باديس: "فأين تلك الآثار من هذه الآثار؟! ولقد ظهرت آثار الأولى في الأمة العرية في جاهليتها، وظهرت آثار الثانية فيها بعد إسلامها؛ فأرى الله العباد -عيانا- جهرة اختلاف الأثرين في أمة وحدة في زمن قريب، وأقام عليهم حجته، ولكن أكثر الناس لا يطمون"(65).
نعم، يسوغ الاعتماد على العصبية نصر للحق، ولإ يكين هذا من دعوى الجاهلية؛ لأن الأمور بمقاصدها، وهو ما فعله الأنبياء عليهم السلام؛ ألم يقل قوم شعيب له: (...وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)(66).
فبين انتفاعه بعصبته في حماية شخصه ودعوته، وقد انتفع النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة عمه أبي طالب، ويوم حنين أمر العباس أن ينادي في أهل البيعة وفي الأنصار بيتا بيتا .
يقول ابن باديس مستبطا: "...أما من عرف الحق وتيقن من نفسه الصدق في طلبه واستعان على تحصيله بمن تربطهم به روابط خاصة، ولا يأبى أن يعينه عليه من لم يكن من جماعته؛ لأن قصده على تحصيل الحق بإعانة أي كان؛ فهذا لا يكون دعا دعوى الجاهلية، بل دعا بدعوى إسلامية؛ لأنها لم تخرج عن التعاون على الحق، وهو من التعاون على البر والتقوى"(67).
فالاستعادة من العصبيات في الحق شيء، واعتمادها ولو بالباطل شيء آخر، والقائد الرشيد هو الذي يحسن تفعيلها في الحق، ولا ينجر وراءها في باطل.
أحد عشراً: الاستعانة بالخبرء:
كثير ما يدعي بعض القادة الكمال، فكأنه اجتمع فيهم ما تفرق في غيرهم، ومثل هذه القيادات تجني على نفسها وعلى أمتها، ونماذج ذلك في التالاخ معلومة، والقيادة الرشيدة هي التي تستعين بأهل الخبرة، كل بحسب تخصصه، ولكنها تراقبهم ثم تكرمهم إن أحسنوا، وتحاسبهم إن أساؤوا.
وقد نبه ابن باديس على هذا من خلال قول الله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)(68)، فقال: "كان هذا الهدهد من جنود سليمان عليه السلام التي حشرت له، وقد كان في مكانه الذي عين له، وأقيم فيه؛ فلما فارق وترك الفرجة في صفه وأوقع الخلل في جنسه، استحق العقاب الصارم الذي لا هوادة فيه.
وهذا أصل في صرامة أحكام الجندية وشدتها؛ لعظم المسؤولية التي تحملتها، وتوقف سلامة الجميع على قيامها بها، وعظم الخطر الذي يعم الجميع إذا أخلت بها(69).
فالملاحظ أن سليمان عليه السلام لم يستكف عن خبر هذا الطائر الصغير، ولما علم خطورة تغيبه توعده بالعقوبة لإخلاله بواجبه تجاه مملكته.
بل على القيادة الرشيدة أن تجد في تكوين الخبراء في كل ميدان تحتاجه الدولة؛ والأصل في ذلك حديت زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قَالَ: فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ"(70).
وقد وقف ابن باديس مع هذا السلوك النبوي مستنبطا ما يأتي: "هذه السنة أصل في اتخاذ الكتبة والتراجمة في الدولة، وما يشترط فيهم من العلم والأمانة"(71)، ويقاس على ما ذكر كل ما ينفع الأمة، ويحفظ استقرا، ويزيد تقدمها.
هذه هي أهم الأصول المرعية في القيادة الرشيدة من منظور ابن باديس، وهي مستوحاة من نصوص الوحي، والاعتبار من التاريخ، وقد أثبت التاريخ سعادة الأمة بوجودها وشقاءها بعدمها.
الخاتمة:
في ختام هذا البحث يمكن تلخيص أهم نتائجه فيما يأتي:
- تعددت مناحي التجديد عند العلامة ابن باديس، ومن جملتها دعوته إلى صناعة القيادة الرشيدة على أصول صحيحة.
- يمكن إجمال النظر الباديسية لهذه الأصول في أحد عشر أصلا، وهي: العلم، الشورى، القوة، العدل، الوفاء بالعهد، الوطنية الصادقة، الصلاح وحسن الخلق، النظام، الأمانة، نبذ العصبية الجاهلية، الاستعانة بالخبراء.
- بالترم هذه الأصول يسنقيم حال القيادة، ويتأتى لها أن تسعد الأمة، وترتقي بها في مدارج المجد والحضارة.
الهوامش:
1- انظر: الأبشيهي: المستطرف في كل فن ستظرف (1/79)، والقائل مجهول.
2- انظر: بن خليف: الفكر السياسي عند العلامة ابن باديس، ص 250.
3- انظر: قسوم: الفكر السياسي عند ابن باديس بين الإنصاف والإجحاف والاحتراق، ص 302.
4- انظر: ابن باديس: أثار ابن بادس (3/401).
5- انظر: العكبربي: س ديون المتنبي (1/130).
6- النمل: 15
7- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/201).
8- انظر: العكبري: شرح ديوان المتني (2/34).
9- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/201).
10- البقرة: 247.
11- آل عمران: 159.
12- انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرن (4/249).
13- النور: 62.
14- ابن باديس: تفسير ابن باديس (1/424).
15- انظر: ابن هشام: سيرة ابن هشام (1/620).
16- ابن باديس: مجالس التذكير من حديث البشير النذير، ص 265.
17- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/192).
18- الأنفال: 60.
19- ابن باديس: تفسير ابن بادبس، ص 136 .
20- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/195).
21- رواه الطبرني في المعجم الكبير، دعم: 7264، وسنده صحيح كما ذكر محقق تفسير ابن باديس٠
22- انظر: الطبري: تاريخ الطبري (5/331).
23- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/197).
24- الأنعام: 152.
25- النساء: 58.
26- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/92).
27- رواه مالك في الموطأ، كتاب المساقاة، باب ما جاء في الساقاة، رقم: 2.
28- آل عمران: 75.
29- البقرة: 94.
30- الشورى: 39، 40.
31- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/193).
32- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/195).
33- هود: 117.
34- انظر: الطبري: مير الطبري (12/167).
35- انظر: ابن سية: مجعوعة الفض (6/340)) ونظر: مجموعة اسأوى (6/322).
36- المائدة: 1.
37- الأنعام: 152.
38- ابن باديس: مير ابن باديس (2/192).
39- ابن باديس: سير ابن باديس (1/255).
40- الأنفال: 58.
41- النمل: 18.
42- ابن باديس: سير ابن باديس (2/216).
43- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/217).
44- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/217).
45- رواه البخاري في كتاب الرباق، باب ربع الأمانة، رقم: 6496، عن أبي هرير مربوعا.
46- ابن باديس: تفسير ابن باديس (1/409)
47- رواه مسلم في كتاب الايمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته الغار، رقم: 142.
48- النمل: 7.
49- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/213).
50- الأنبياء: 105.
51- ابن باديس: تفسير ابن باديس (1/396).
52- جاء معناه في حديث موقوف عن عمر رضي الله عنه قال: :"لما يدع الله بالسلطان أعظم معا يزع بالقرآن" رواه الخطيب في تاريخ بغداد (5/173) وذكر المحقق الدكتور بشار أن إسناده تالف؛ لأن فيه كذابا، وكلامه وجيه من حيث الإسناد، أما من حيث المعنى فلا نزاع في صحة معناه، وبهذا يظهر ضعف نسبته إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه كما هو مشهور.
53- آل عمران: 113، 114.
54- ابن باديس: تفسير ابن باديس (1/393)، وانظر رده العلمي على من فسر الصلاح بالقدر على إعمار الأرض ولو انتفى معه الالتزام بالدين الحق في تقسير أبضا (1/399).
55- رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، رقم: 1826.
56- ابن باديس: أثار ابن باديس (3/401).
57- آل عمران: 159.
58- الحج: 77.
59- الممتحنة: 8.
60- ابن باديس: تفسير ابن باديس (2/193).
61- انظر: ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 72، 263، 267، 269.
62- ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 94.
63- انظر: ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، ص 139.
64- ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 93.
65- ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 93.
66- هود: 91.
67- ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 93.
68- اكل: 21، 20.
69- ابن باديس: تفسير ابن باديس، (2/230).
70- رواه الترميذي في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في تعليم السريانية، رقم: 2715، وقال: حديث حسن صحيح.
71- ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 72.