الشيخ علي شرفي رائد النهضة الإصلاحية في البليدة وبرج منايل
بقلم: علي حمادوش-
الشيخ علي شرفي رحمه الله هو رائد النهضة الإصلاحية في البليدة وبرج منايل، وعالم من كبار علماء الجزائر، كان متضلعا في علوم شتى خاصة في علوم اللغة العربية والأصول.
ولد سنة 1332هـ ـ 1914م بمدينة خنشلة، نشأ في عائلة شريفة معروفة بالعلم والعلماء.
تعلم العلوم الشرعية واللغوية على عمه الشيخ بلقاسم شرفي، وكان من علماء مدينة خنشلة، عنده مدرسة خاصة يدرس فيها، ودرس كذلك على الشيخ محمد الطيب آدمي.
ثم انتقل إلى مدينة قسنطينة لإكمال دراسته حوالي سنة 1348هـ ـ 1930م ، ودرس مدة وجيزة على الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجامع الأخضر.
قالت والدته: أين درس الشيخ عبد الحميد ابن باديس؟ قال لها: في جامع الزيتونة، من أهم المعاهد المؤسسات التعليمية في المغرب الإسلامي، تخرج منه العديد من علماء الجزائر.
قالت له: العين التي شرب منها ابن باديس لا بد أن تشرب منها، باعت ذهبها وأرسلته إلى تونس ليواصل دراسته، فالتحق بجامع الزيتونة سنة 1349هـ ـ 1931م، ومكث فيه إحدى عشرة سنة.
حصل على شهادة الأهلية سنة 1353هـ ـ 1934م وعلى شهادة التحصيل سنة 1358 هـ ـ 1939م وعلى شهادة العالمية سنة 1361هـ ـ 1942م.وهي أعلى الشهادات ،قل من العلماء الذين حصلوا على هذه الشهادة، معظمهم كانوا بكتفون بالتحصيل.
ثم رجع إلى الجزائر وأسس مدرسة للتربية والتعليم في مدينة خنشلة، فتعرض لمضايقات من السلطات الفرنسية.
أدى الخدمة العسكرية في الأغواط في سنة 1364هـ - 1945م فكان يخرج ويقدم دروسا، وسجن في زرالدة، فتعرض لأذى عظيم، وسجن بعدها في الأغواط فصار نحيفا جدا.
ثم انتقل الى مصر سنة 1366هـ ـ 1947م ودرس مدة قصيرة في الجامع الأزهر، ثم انتقل الى دمشق وعين أستاذا في اللغة العربية.
ثم رجع إلى الجزائر فعمل في مدرسة الإرشاد في البليدة 1347 هـ ـ 1948م.
عين أستاذا في معهد عبد الحميد بن باديس في قسنطينة سنة 1371هـ ـ 1951م.، وكان هذا المعهد منارة للعلم والإصلاح ومركزا للمجاهدين بعد اندلاع الثورة التحريرية، ذهب إلى فرنسا في الخمسينيات مع وفد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
كلفته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خلال شهري أوت وسبتمبر 1954م 1374 هـ بالعمل الدعوي والوعظ والإرشاد في برج منايل ودلس وتادمايت ويسر والثنية وبودواو والرغاية.
والمعروف على الشيخ علي شرفي أنه كان شديدا جدا حازما حينما يرى ما لا يليق ،خطب الجمعة في مسجد برج منايل، فرأى بعض الناس نياما ، وفي تلك السنة ضرب زلزال في الأصنام قبيل اندلاع الثورة التحريرية ،فقال لهم زلزال الأصنام لم يؤثر فيكم وتريدون من الشيخ علي شرفي أن يؤثر فيكم، وقال كلاما شديد اللهجة، ومع ذلك كان أهل برج منايل يحبونه ويثنون عليه.
ذهب الى تونس قبل اندلاع الثورة سنة 1374هـ ـ 1954م
استقر في برج منايل سنة 1374هـ 1955م واسس مدرسة حرة تفرغ للتعليم فيها.
كان من المشاركين في الثورة التحريرية، حكمت عليه السلطات الفرنسية بالإعدام سنة 1375هـ ـ 1956م، فجاءه بعض أصحابه ونصحوه بأن لا يخرج من بيته لأن السلطات الفرنسية تريد القبض عليه، وقد حكمت عليه بالإعدام، فبات في صومعة المسجد في برج منايل،ثم اتجه صباحا إلى العاصمة، وحينما أراد الخروج دعا زوجته إلى ارتداء لباس الفرنسيين حتى لا تعرف بأنها جزائرية، فأعدوا له الوثائق واتجه إلى تونس.
ثم انتقل الى ليبيا سنة 1378 هـ ـ 1959م، كانت له علاقة طيبة مع الملك إدريس السنوسي، عينه أستاذا في كلية البيضاء.
وكان يزور الشيخ محمد الصالح الصديق بإدارة البعثة الجزائرية، وكانت له صلة وثيقة به، التقى به في العاصمة عدة مرات قبل اندلاع الثورة التحريرية مما جعله ينزل ضيفا عنده مع عائلته أياما في طرابلس، وقد وقف على غزارة علمه وتمكنه خاصة في علم الأصول والقواعد العربية، ثم انتقل الى تونس، وكانت عنده مكتبة في تونس.
رجع إلى مدينة برج منايل بعد الاستقلال سنة 1382 هـ ـ 1962م إلى نفس البيت الذي تركه سنة 1956م، فوجده على الحال التي تركه عليها، كان له نشاط في المسجد.
ثم انتقل الى البليدة سنة 1383هـ ـ 1964م، وعمل أستاذا في ثانوية ابن رشد، وكان يدرس ويخطب الجمعة في المساجد تطوعا.
رفض أن يأخذ منحة المجاهدين بعد الاستقلال، قال: إنما حاربت باسم الدين والإسلام، ولم أحارب من أجل أخذ المنحة.
عين إماما في مسجد الكوثر بالبليدة سنة1402هـ - 1982م وقد أسهم في تأسيسه، وكان يقدم دروس التكوين للأئمة يوم الثلاثاء صباحا.
كان يفتي الناس ويصلح في الخصومات، وتأتيه بعض الأسئلة المكتوبة الخاصة ببعض القضايا العائلية يقرؤها في البيت، ثم يجعل موعدا لأصحابها لبين الأحكام الشرعية، وكان يرقي في الماء، فيقرأ القرآن وينفث.
توقف عن الإمامة بعض السنوات، وكان يدرس ويخطب الجمعة في مسجد عبد الحميد بن ابن باديس بالبليدة في آخر حياته.
كان الشيخ علي شرفي صاحب طرفة ودعابة، كانت تدرس عنده في مدرسة الإرشاد في البليدة تلميذة مشاكسة جدا في الأربعينيات، ولما كان يدرس في ثانوية اين رشد في البليدة كان ابنها يدس عنده مثل والدته،قال للطالب ما اسم والدتك؟فذكر له اسمها قال له: قل لوالدتك راه كمل علي وليدك.
كان يسير مستقيما، ويكره الاعوجاج، ولا يريد أن يتحكم فيه من هو دونه، ولم يكن متزمتا ولا متعصبا.
حصل على رخصة السياقة في الستينيات، وحينما كان يمتحن للحصول على الرخصة قال له المعلم: اليوم نتعلم كيف نمشي إلى الخلف قال له: علي شرفي يمشي دائما إلى الأمام.
كان لا ينتظر مزية من أحد، حينما اشترى قطعة أرضية في البليدة أراد صاحبها أن يسلمه قطعة أرض بدون مقابل تكريما له، قال له الشيخ علي شرفي: حينما يكبر أبنائي وأولادهم يقول لهم أولادك: أنتم تسكنون عندنا، وأبى إلا ان يشتري بالعقد، ليكون أولده مرفوعي الرأس مثله.
سمى حفيده الأول حيدر (ظهر معه في الصورة) ليكون مرفوع الرأس مثل علي بن أبي طالب وفرح به فرحا شديد
قال علي بن ابي طالب:
أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَهْ ... كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَهْ
أُوفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ
ترك بعض الآثار المكتوبة بخط يده، وترك مكتبة فيها كتب كثيرة ومتنوعة
وله مقالات نشرها جريدة البصائر ومجلة الشهاب.
كان كثير المطالعة، وكانت الكتب تحيط به من كل الجهات، ولا يترك إلا فراشه الذي ينام فيه فقط، ومان يحافظ على أغراضه الخاصة.
كان يقرأ يوما في المصحف ثم نادى أهل بيته، وأخبرهم بأن المصحف أنار ثم نظر إلى السماء فوجد الكتاب قد أغلق، فنادى أهله وقال لهم: لقد قرب أجلي، ثم توفي بعدذلك سنة 1421هـ 2000م، رحمه الله رحمة واسعة.
المراجع:
1- الطلبة الجزائريون بجامع الزيتونة للدكتور خير الدين شترة 60 /3.
2- رحلتي مع الزمان للشيخ محمد الصالح الصديق 191 /2.
3- لقاء مع عائلة الشيخ علي شرفي في البليدة.
4- صور ووثائق خاصة بالشيخ علي شرفي.