أضواء على رسالة الشرك ومظاهره للشيخ مبارك الـميلي رحمه الله
بقلم: حسن بوقليل-
إنَّ من علماء الجزائر الَّذين ورَّثوا العلم في أمَّتهم الشَّيخ مبارك بن محمَّد الميلي رحمه الله، ومن أشهر تركته العلمية «رسالة الشِّرك ومظاهره»، وهو كتاب قيِّم، وحيد في بابه، لم يُنسَج على منواله في وقته، فيه تقرير عقيدة أهل السنة(1)، وبيان حقيقة الشرك وأفراده، والرد على أهل البدع من الصوفية والطرقية، التي كانت منتشرة في حقبة الاستعمار الفرنسي.
وكتاب «الشرك ومظاهره» رسالة إلى فرنسا التي ساست الجزائر على مدى مائة وثلاثين سنة بسياسة التجهيل، وتدعيم الشعوذة والتدجيل، فترى ولاءها للصوفية والطرقية ظاهرا، وعداءها لدعوة التوحيد المتمثلة في «جمعية العلماء» آنذاك جليًّا.
قال الدكتور سعد الله رحمه الله في «تاريخ الجزائر الثقافي» (4 /338): «كتاب الميلي «رسالة الشرك ومظاهره» يظل الوثيقة الأساسية في انتقاد الطرق الصوفية، ووصف حالة التصوف عندئذٍ بطريقةٍ هي أقرب إلى الموضوعيَّة من خطب ومقالات زملائه».
وقد رأيت أن أشير إلى ما به تعرف حقيقة هذا الكتاب المبارك للشيخ مبارك، وجعلت ذلك في نقاط:
التعريف بالمؤلِّف(2):
هو مبارك بن محمد إبراهيمي الميلي الجزائري.
نشأ الشيخ يتيما وحفظ القرآن ومبادئ العلوم على الشيخ محمد الميلي، ثم التحق بدروس الشيخ المصلح ابن باديس بالجامع الأخضر.
ثمَّ رحل إلى تونس، فالتحق بـ«جامع الزيتونة» ونال شهادة التخرج منه سنة (1924م)، ومن أبرز شيوخه هناك الشيخ محمد الصادق النيفر، والشيخ الطَّاهر بن عاشور.
ولما رجع الشيخ رحمه الله إلى بلاده شرع في التدريس في بعض مساجد قسنطينة، ثم انتقل بعد مدة إلى الأغواط ودرس بها، وبالمناطق المجاورة لها، ثم نشر العلم في ميلة منشئه.
ومن أبرز من حمل علمه: أبو بكر الأغواطي، وأحمد قصيبة، وعمر النصيري، وأحمد شطة
.ولمَّا تأسست «جمعية العلماء» سنة (1931م) كان أمينًا للمال بإدارتها، وكتب مقالات كثيرة في جرائدها، وترأَّس تحريرها بعد الشيخ العقبي.
قد نال الشيخ رحمه الله منزلة عليَّة بين أبناء عصره، من العلماء والمثقفين؛ فقال عنه الشيخ الإبراهيمي: «حياة كلُّها جِدٌّ وعمل، وحيٌّ كلُّه فكر وعلم، وعُمرٌ كلُّه درس وتحصيل، وشباب كلُّه تَلَقٍّ واستفادة، وكهولة كلها إنتاج وإفادة، ونفس كلها ضمير وواجب، وروح كلها ذكاء وعقل، وعقل كله رأي وبصيرة، وبصيرة كلها نور وإشراق، ومجموعة خلال سديدة وأعمال مفيدة قل أن اجتمعت في رجل من رجال النهضات، فإذا اجتمعت هيأت لصاحبها مكانه من قيادة الجيل، ومهدت له مقعده من زعامة النهضة».(3)
أصيب الشيخ رحمه الله بالسُّكري، فلا يزال ينهكه حتى وافته المنية في (25 صفر 1364هـ) الموافق لـ (9/ 2/ 1945م) وعمره سبعة وأربعون عامًا.
وقد ترك الشيخ رحمه الله إرثًا عظيم القدر:
«تاريخ الجزائر في القديم والحديث»، وهو «حياة الجزائر» كما سماه الإمام ابن باديس رحمه الله، وكذلك أثنى عليه أمير البيان شكيب أرسلان.(4)
«رسالة الشرك ومظاهره»، وهو كتاب نفيس، سيأتي الكلام عنه.(5)
مقالات منثورة في الجرائد والمجلات(6)، وبعض الرسائل الشخصية بينه وبين علماء عصره.
وبلغني أن بعض الباحثين عثر في بعض الخزانات الخاصة على تعليقات له على بعض الكتب، يسر الله له إخراجها.
رحم الله الشيخ الميلي، وأسكنه فسيح جناته.
عنوان الكتاب:
قد سمى المؤلف كتابه بعنوان «رسالة الشِّرك ومظاهره»، وكذلك جاء على غلاف الطبعة الأولى، وما تلاها.
موضوع الكتاب:
عنوان الكتاب يوحي بمحتوياته، فقد تكلَّم فيه المؤلف عن حقيقة الشِّرك، ومبدئه من لدُن قوم نوح عليه السلام، وبيَّن أفرادَ التَّوحيد وأفرادَ الشِّرك، وساق الأدلة في الحكم على ذلك، ممَّا جعل كتابه يلقى قبولًا عظيمًا بين أبناء زمانه، بل إلى وقت الناس هذا.
يتحدث الكتاب عن أصل عظيم من أصول الإصلاح العقدي والاجتماعي، الذي تبنَّته «جمعية العلماء» في مسارها الدعوي، ويبيِّن حالة البلاد الدينية والاجتماعية.
فكان الميلي في «رسالة الشرك ومظاهره» قد أثار مسائل كَثُرَت الخصومة فيها بين دعوة الحق، وخصومها من الطرقية والإدارة الاستعمارية.(7)
سبب تأليفه:
عادة المؤلفين في مؤلفاتهم لا تخرج عن سببين عموما:
الأوَّل: أن يكون جوابًا لطلب، ككتب ابن تيمية رحمه الله؛ أغلبها جواب سؤال، فمنها: الواسطية، والحموية، والتدمرية.
الثاني: أن يكون بيانًا لواقع، ككتب ابن عبد الوهَّاب رحمه الله؛ أغلبها بيان حكم مسائل واقعة، فمنها: كتاب التَّوحيد، وثلاثة الأصول.
والشيخ الميلي رحمه الله جمع بين الأمرين؛ حيث كتب ـ بيانًا لواقع أليم ـ مقالات في «البصائر»، فلاقت قبولًا، وتكاثرت عليه الطَّلبات والرَّغبات في جمعها في مؤلَّف، حتَّى يعمَّ النَّفع بها، فاستصوب الشيخ اقتراح الرَّاغبين، كما قال في المقدمة (ص37) فجمعها في هذا الكتاب القيِّم.
منهج المؤلِّف رحمه الله في كتابه:
كتب الشَّيخ مقدِّمة رائعة ـ قلَّ أنْ تجد مثلها في زمانه ـ في بيان حاجة الأمَّة إلى معرفة الشِّرك والحذر منه، على قاعدة «عرفت الشَّرَّ لا للشَّرِّ، ولكن لتوقِّيه»، ثمَّ بيَّن تاريخ حدوث الشِّرك في العالم، وهذا ممَّا يميِّز الكتاب عن غيره.
ويمكن حصر منهجه في كتابه هذا فيما يلي:
ـ اعتماده في بيان الأحكام الشَّرعيَّة على الدَّليل من صريح الكتاب وصحيح السنَّة، وينقد أحيانا أسانيد الأحاديث، ويبيِّن عللها كما في (ص309)، غير أنَّه أورد أحاديث ضعيفة وسكت عنها، وسبب ذلك أنَّه تَبَعٌ لغيره من العلماء في بيان العلل، كالهيثمي والعجلوني والسَّهسواني.
ـ المنهج الاستدلالي الأصولي والعقلي واضح في استدلاله، والرد على مخالفيه؛ فتراه يوظف القواعد والمقدمات، كما في (ص77) و(ص82)، ممَّا يُظهر تمكُّنه من العلوم العقليَّة.
ـ منهج الشَّيخ رحمه الله في بيان معاني الآيات منهج أثري، حيث يورد الآية ويَعقُبُها بكلام المفسِّرين، وكان لابن جرير والقرطبي وابن كثير والبغوي القَدح المعلَّى في ذلك، ولم يكن الشيخ مجرد ناقل، بل كان ناقدا لكلام بعضهم، كما نراه في (ص203)، ويوجِّه أقوالهم عند الاختلاف، كما في (ص173).
ـ ومنهجه في شرح الأحاديث مثل منهجه في بيان معاني الآيات، فتراه يذكر كلام النَّووي وابن حجر والقرطبي وغيرهم، في شرح حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وينقد كلام الشُّرَّاح، كما في (ص153)، ويوجه أقوال الشَّارحين ويجمع بينها، كما في (ص115) و(ص127).
ـ الشَّيخ متحرِّر من التَّقليد؛ يستدل وينقد، ويستنبط الفوائد والحكم، ومن الموافقات العجيبة التي تراها في استدلاله؛ أنه رحمه الله لما استدل بآية سبأ وهو قوله: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله﴾[سبأ:22] على إبطال الشرك واجتثاث جذوره، قال: «وتلك الأقسام على ظهورها في الآية لم أر من أعرب عنها هذا الإعراب» (ص108)، وقد ذكرها ابن القيِّم رحمه الله في «مدارج السالكين» (2 /921).
ـ قد حرص المؤلِّف على الجانب اللُّغوي في بيان معنى المصطلحات، فأورد كثيرا من الشَّواهد الشعرية، والأمثال العربية، وهو ممَّن يتذوَّق الشِّعر أيضًا، فيحاول تصحيح ما يجد في وزنه عيبا، كما في (ص87)، ويحرص على شرح الغريب، وقد يستشكل بيتًا، كما في (ص216).
ـ المؤلف رحمه الله ابن زمانه؛ فهو يمثل بالواقع لكلامه، شأنَ العالم الحريص على نفع أمَّته، يبيِّن حكم الوقائع، ويعطي البدائل الشرعيَّة.
ـ يذكر الشيخ قصصا عايشها، كحادثة بوسعادة في (ص71) والحكاية العاشورية (ص286)، أو حكاها له أحد معارفه، كما في قصة الزردة التي حضرها أحد المشايخ! (ص99) وحكاية الميليَّين (ص210)، وهذا منهج قرآني ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾[الأعراف:176] ، وأسلوب نبوي رشيد.
ـ ويذكر الأمثلة الدارجة في بلدنا والألفاظ العامية، كمثل: «لَوْ مَا الناس الصالحين» (ص195)، وقوله (ص238): «الجْنُونْ» جمع جِنّ.
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب مرارا، وهذا توصيف بعضها:
أوَّلًا: طبع الكتاب في حياة الشَّيخ بالمطبعة الجزائريَّة الإسلاميَّة بقسنطينة سنة (1356هـ ـ 1937م)، حلاها الشَّيخ بتقرير جمعيَّة العلماء المسلمين، بقلم عالمها العربي التبسِّي رحمه الله، وبيتين من الشِّعر لحسَّان الدَّعوة محمَّد العيد آل خليفة.
وتميَّزت هذه الطَّبعة بدقة الضبط إلَّا يسيرًا، وفي آخرها ملحق تصحيح لأهم الأخطاء.
وقد جعلت العناوين الفرعيَّة جانبيَّة، لا تقطع الكلام على القارئ، ممَّا يسهِّل الفهم، فإنَّ بعضه متواصل.
وجعلت فهرس العناوين (مواضيع الرسالة) في أولها، على عادة الكتب آنذاك، وفي آخرها (مواد الرِّسالة) الَّتي اصطلح عليها اليوم في البحوث العلمية (بالمصادر والمراجع).
ثانيًا: ثمَّ طبع الكتاب طبعة أخرى سنة (1386 هـ ـ 1966م) بمطبعة النَّهضة الجزائريَّة، وهي طبعة انتشرت بعد الاستقلال، واعتمدها كثير ممن كتب عن الجمعية أو الشيخ آنذاك، وفيها أخطاء طبعيَّة، وهذه الطَّبعة عوَّل عليها كلُّ من طبع الكتاب بعدها.
ثالثًا: ثمَّ طبع في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة سنة (1397 ـ 1977م)، وكان يوزع على الطلاب والزوار في المملكة.
رابعًا: ثمَّ طبع في الرياض بالسعودية سنة (1422 ـ 2001م)، نشرته دار الرَّاية بتحقيق وتعليق أبي عبدالرَّحمن محمود، وقد وقع له في عمله أخطاء كثيرة؛ منها:
أخطاء في ضبط الآيات:
ـ (ص104) قوله تعالى: ﴿شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا﴾[الأعراف:190] على رواية حفص، والأولى أن يجعلها برواية ورش: ﴿شِرْكًا فِيمَا آتَاهُمَا﴾، كما أثبتها المؤلف.(8)
ـ (ص117) قوله تعالى: ﴿وما أكثرَ الناس﴾ بالفتح، وصوابه: ﴿ﰇ ﰈ ﰉ﴾ بالضَّمِّ.
ـ (ص171) قوله تعالى: ﴿إلى الله مولاهم الحقُّ﴾ بضمِّ القاف، وصوابُه بالكسرِ.
أخطاء في ضبط الأحاديث:
ـ (ص150) قوله صلى الله عليه وسلم: «سُرَّ تحتَها سَبعِين نبيًّا»، وصوابه: «سَبعُونَ».
ـ (ص223) «أو تطير، أو تُكُهِّنَ له»، وصوابه: «أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له».
ـ (ص249) «وأمسح بيد نفثه»، وصوابه: «بيد نفْسه» كما في البخاري.
أخطاء في النص عموما:
ـ (ص167) «من علمائهم أضل»، وصوابه: «من علماء هُمْ أضل».
ـ (ص210) «كنت ذا سوق»، وصوابه: «ذات سوق».
ـ (ص310) «وأما الأثر الحاض»، وصوابه: «الأثر الخامس».
ـ (ص382) «قال الشاطبي: كان أهل الجاهلية»، وصوابه: «الخطابي».
أصداء الكتاب:
لقي الكتاب قبولًا لدى العلماء، فتسارعوا إلى تقريظه، والكتابة عنه، وقد جمعت ما ورد من تقريظات للكتاب(9)، ممَّا نشرته جرائد الجمعيَّة، ومنها: كلمة رائعة للشَّيخ المصلح الطيِّب العقبي رحمه الله، وممَّا جاء فيها: «حقَّق بها المؤلِّف ـ أجزل الله له المثوبة ـ جميع أبواب المسائل الَّتي يكثر الخوض فيها بين السَّلفيِّين وخصومهم، وأعطى به خير سلاح لكلِّ مصلح يقتني نسخة منه ـ بشرط الفهم ـ في محاربة خصومه»(10).
ومنها ما كتبه علي الزواق من البليدة، قال(11):
كِتَــــابٌ أغــرُّ الطَّلـعتَـيْـن مُبـــارَكُ * أَبانَ ضُروبَ الشِّركِ فيه (مُبارَكُ)
به يُدرِكُ القُــرَّاءُ عـلمًـا وحكــمــةً * وتَسمُـو بــه أفكــارُهم والـمَدَارِكُ
وقد أهدى المؤلف كتابه إلى الملك عبدالعزيز آل سعود، كما جاء في جريدة «المنهل» السعودية.(12)
وقد قرِّر الكتاب في كليَّة الجزائر، وفي بعض الثَّانويَّات بتونس سنة (1941م)(13)
مقارنة سريعة بين الكتاب و«فتح المجيد»:
إنَّ النَّاظر في كتاب «الشِّرك ومظاهره» يرى أنَّه تطرَّق لمعظم المسائل المثارة في ذلك الوقت، كالتوسُّل، والشَّفاعة، وزيارة المقابر.
وغالبها ذكرها الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ في «فتح المجيد» في أبواب مستقلَّة كالتبرُّك، والرقى، والشَّفاعة، على اختلاف في صياغة تراجمها:
فعند الميلي «التبرك وسد الذَّرائع»، وعند آل الشيخ: «من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما».
وعند الميلي: «الكهانة وما في حكمها»، وعند آل الشيخ: «ما جاء في الكهان ونحوهم».
وقد تشترك المسائل بين الكتابين، وتختلف في كيفيَّة الطَّرح: فالميلي له «الغرض من بيان الشِّرك»، ولآل الشيخ «الخوف من الشِّرك»، وكلاهما يقرِّر خطر الشِّرك، وأنه أخفى من دبيب النَّمل، وزاد الميلي مسألة (من وقع في الشِّرك ليس كمن وقع عليه الشِّرك)، وتقرَّرت عند أئمَّة الدَّعوة النجديِّين في (العذر بالجهل)، وحصل بسببها اتِّهام لهم ـ بل حتَّى لعلماء الجمعيَّة ـ بالتَّكفير.
وممَّا تميَّز به الميلي في كتابه؛ تخريج الفروع (الأفراد) على الأصول، وهو أمر في غاية الأهميَّة، إذ به يمكن الحكم على المستجدَّات من مظاهر الشرك، فمثلًا نجده يذكر بعض التوسُّلات المنتشرة في بلادنا، وبعض العزائم، وهذا يجعل علم التَّوحيد تطبيقيًّا لا نظريًّا فحسب.
ومما تميز به «فتح المجيد» أنه قرر عقيدة السلف من كتبهم، خلافًا للميلي فإنه قد يسوق في تقريرها كلامًا لبعض الأشاعرة، ويسكت عن مخالفاتهم.
ولعل العذر في ذلك للميلي قلة كتب الأصول في باب الاعتقاد، لهذا نجده يضطر للوساطة الأدبية، وقد أشار إلى هذا في مقدمة كتابه (ص 37).
خاتمة القول:
إنَّ كتاب «الشِّرك ومظاهره» كتاب عظيم، وهو بالتَّوحيد وأصوله أولى.
وأختم بكلمة جميلة للشَّيخ الطيِّب العقبي رحمه الله(14): «فجاء برهانًا على ما في الجزائر اليوم من نهضة علميَّة إصلاحيَّة، ودعوة إلى العقيدة الحقّ السَّلفيَّة، حقَّق به المؤلِّف ـ أجزل الله له المثوبة ـ جميع أبواب المسائل الَّتي يكثر الخوض فيها بين السَّلفيِّين وخصومهم، وأعطى به خير سلاح لكلّ مصلح يقتني نسخة منه ـ بشرط الفهم ـ في محاربة خصومه».
وبالجملة فهو العقيدة الإسلاميَّة الخالصة، والدَّعوة الإصلاحيَّة الواضحة، ولهذا قررت جمعيَّة العلماء نشره باسمها بعد موافقة على كلّ ما فيه، ليكون سببًا في بيان دعوتها، حجَّة ناهضة ضدّ كلّ من وقف في طريقها.
ويكفي في وصفه والتَّنويه بقدره أنَّ مؤلّفه هو الأستاذ الميلي، وأنَّ جمعيَّة العلماء ارتضت نشره وإذاعته بين العموم على عهدتها وباسمها.
هذه هي نظرة العلماء لكتاب الميلي رحمه الله، وحقَّ له ولهم ذلك، فهو كتاب عظيم، يحتاج منَّا اهتمامًا زائدًا في هذا الوقت، خاصَّة مع بروز من يطعن في جمعيَّة العلماء المسلمين، وأنَّهم لم يؤازروا ثورة الجزائر ضدّ المستعمر وإنَّها والله لفرية وكذب أعمى، ومن نظر في «البصائر» وجد مقالات عدَّة في مؤازرة الجهاد الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي.
فرحم الله علماءنا وأسكنهم جنَّاته، والحمد لله ربّ العالمين.
الهوامش:
(1) قد قرَّر الشَّيخ الميلي بعض المسائل على غير عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، نبَّه على بعضها الشَّيخ أبو عبد الرَّحمن محمود في طبعته، وكذلك الدُّكتور مصطفى بلحاج في مقال نشره بمجلَّة «الإصلاح» (العدد 8/ ص18)، وفاتهما مسائل، استدركتها بالتَّنبيه في نشرتي.
(2) انظر ترجمته في: «الشيخ مبارك الميلي»: لابنه محمد، و«معجم أعلام الجزائر» لعادل نويهض.
(3) «البصائر» (العدد 26).
(4) ذكره في مقدمة «تاريخ الجزائر» للميلي (1/11ـ ط.الغرب).
(5) اعتمدت في الكلام عن الكتاب الطبعة الأولى (1422 ـ 2001م) لدار الراية بالرياض.
(6) جمعها أبو عبدالرحمن محمود في «آثار الشيخ مبارك الميلي» في ثلاثة مجلدات، طبعتها دار الرشيد بالجزائر سنة (1436هـ).
(7) انظر «تاريخ الجزائر الثقافي» للدكتور أبو القاسم سعدالله (7/177)، وما سيأتي من كلام العقبي في وصف الكتاب.
(8) ينبغي للقارئ أن ينتبه لأوجه القراءة التي يختارها مؤلف الكتاب، فنجد الشَّوكاني (ت: 1250هـ) يختار رواية قالون، ولهذا نظائر في الحديث أيضًا كصنيع ابن حجر (ت: 852هـ) في اختيار بعض روايات البخاري، فيطبع «فتح الباري» بغير الرواية التي اختارها مؤلفه.
(9) تراها في مقدمة الكتاب بتحقيقي.
(10) نشرت في «البصائر» (العدد 83).
(11) نشرت في «البصائر» (العدد 89).
(12) نقلا عن مجلة «الإصلاح» الجزائرية (العدد 7/ ص 66).
(13) انظر «الشَّيخ مبارك الميلي» (ص288)
(14) نشرت في «البصائر» (العدد 83).
منشور في العدد (64) من مجلة الإصلاح