أحمد شقار سيرة ومسيرة عالم كبير في رحاب جمعية العلماء المسلمين
بقلم: الصالح بن سالم-
في اطار الاهتمام بالشخصيات العلمية التي أنجبتها الجزائر عموما وبرج بوعريريج خصوصا ارتأينا اليوم أن نعرف متابعينا من برج بوعريريج بشخصية تكاد تكون مغمورة على المستوى المحلي رغم أنها شخصية مشهورة بالجزائر تركت مسيرة كبيرة ضمن جمعية العلماء المسلمين وفي عالمي الصحافة والتربية بالجزائر قبل وبعد الاستقلال، كما جاهد الاستعمار الفرنسي بلسانه وقمله، وذاق جراء ذلك مرارة السجن والاعتقال، إنه الأديب والشيخ أحمد شقار رحمة الله عليه.
أولا- المولد والنشأة العلمية:
تقع قرية أورير ببلدية الجعافرة شمال ولاية برج بوعريريج، وقد أنجبت هذه المنطقة عديد الأسر العلمية العريقة، كما تعرف بتضاريسها الصعبة والتي اتخذت منها الثورة منطقة محصنة، كما عرفت بمدارسها ومساجدها وزواياها والتي كانت منبرا لنشر تعاليم الدين الاسلامي واللغة العربية وسط مجتمع غالبيته يتحدث بلسان أمازيغي، ولعل من أشهر أسر قرية أورير نجد أسرة شقار، والتي أشتهر منها على وجه الخصوص كل من: الشيخ محند شقار والشيخ بلقاسم شقار والشيخ محند أمقران شقار الثعالبي والد الشيخ والأستاذ أحمد شقار محور حديثنا في هذا المنشور.
ولد الأستاذ أحمد شقار الثعالبي سنة 1927م، وقد أخذ تعليمه الأول على يد والد الشيخ محند أمقران أين حفظ على يديه القرآن الكريم، وقد كان الأستاذ أحمد شقار قوي الذاكرة أين كان يحفظ ما بين ثمن وربع الحزب يوميا وأتم حفظ القرآن الكريم كاملا وهو لم يتجاوز سن العاشرة، لينتقل للشيخ والعلامة عبد الحميد بن حالة أحد علماء المنطقة وتلميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس أين تفقه وتعمق على يديه في مختلف العلوم اللغوية والشرعية، كما يعود الفضل للشيخ عبد الحميد بن حالة في انضمام الشيخ أحمد شقار لجمعية العلماء فيما بعد.
وبعد محطتي مسقط رأسه بأورير والجعافرة انتقل الأستاذ أحمد شقار لقلعة بني عباس أين أخذ هناك عن بعض مشايخها أمثال الشيخ محمد وعمر جلواح العباسي، والذي قام بتشجيعه لدخول عالم الشعر والأدب لما اكتشف فيه الخيال الواسع والابداع اللغوي، ليشد الرحال بعدها نحو تونس وبالضبط جامع الزيتونة سنة 1946م أين درس بها مدة سنتين. أخذ هناك على كبار شيوخها وأدباءها أمثال: الشيخ الفاضل بن عاشور والشيخ الطاهر الغمراسي والشيخ بوشربية والشاعر الكبير محمد الشاذلي خزندار، ليعود للجزائر وينضم لجمعية العلماء المسلمين بشكل رسمي، وأضحى أحد معلميها في مدارس التهذيب.
وكانت البداية مع مدرسة أوشانا بمسقط رأسه الجعافرة التي ساهم في تأسيسها سنة 1948م قبل أن يتنقل لمدرسة قلعة بني عباس سنة 1949م. ثم شد الرحال للبويرة أين تنقل بين مدارسها (العجيبة، ذراع الميزان، مدرسة الفضيل الورثيلاني) بين 1950-1955م في هذه السنة تم افتتاح مدرسة الارشاد بالقصبة (العاصمة) فأنتدب لها الشيخ أحمد شقار وأصبح أحد معلميها.
ثانيا- انخراطه في الثورة التحريرية:
لقد كانت السلطات الفرنسية وجناحها المخابراتي يتتبع كل شيوخ جمعية العلماء المسلمين وخصوصا الأدباء منهم، وشرعت في عملية تصفيتهم الواحد بعد الآخر أمثال: أحمد رضا حوحو والربيع بوشامة وعبد الكريم العقون، كما لاحقت واعتقلت البقية أمثال محمد العيد آل خليفة وأحمد سحنون وأحمد شقار الذي ألقي عليه القبض بتاريخ 03 فيفري 1957م نتيجة التقارير التي رفعت عنه مفادها أنه يهاجم ويشوش على فرنسا في دروسه وكتاباته الصحفية، وقد حول في البداية إلى محتشد الفرز ببني مسوس بالعاصمة ومنه إلى معتقل عين وسارة بالجلفة ثم معتقل بوسوي بسيدي بلعباس ومعتقلي سيدي الشحمي وبطيوة بوهران وصولا لمعتقل الدويرة الذي خرج منه بتاريخ 25 أوت 1960م.
وبقدر ما كانت محطة السجن والاعتقال إحدى الحلقات المظلمة في مسيرة الشيخ أحمد شقار نتيجة القهر البدني والنفسي الذي كان يتعرض له ورفاقه داخل هاته المعتقلات والسجون بقدر ما شكلت له حافزا كبيرا للمطالعة وانشاء نوادي للفكر والثقافة خصوصا أثناء تواجده في معتقل بوسوي بسيدي بلعباس برفقة كوكبة من المثقفين أمثال: أحمد سحنون وعمر شكير وأحمد عروة وخالد بن يطو ومحمد الطاهر الأطرش حيث تم تشكيل نادي ثقافي داخل المعتقل، كما كان الأستاذ أحمد شقار بين الفينة والأخرى يؤلف قصائد وأناشيد وطنية حتى كاد أن يكتمل ديوانه الشعري إلا أنه سلب منه في الأخير، فحاز في نفسه كثيرا إلا أنه عمل على اعادته من جديد بعد الاستقلال وتركه مخطوطا بعد وفاته.
ثالثا- نشاطه بعد الاستقلال:
بعد الاستقلال مباشرة انخرط الأستاذ أحمد شقار في سلك التربية والتعليم أين عين أستاذ في الطور المتوسط بمنطقتي الحامة والأبيار قبل أن يرقى إلى سلك التعليم الثانوي وبالضبط بثانوية محمد المقراني ببن عكنون سنة 1964م والتي بقي بها لغاية تقاعده سنة 1983م، وبعدها انخرط في الصحافة المكتوبة، والتي له فيها باع كبير قبل الاستقلال مع جريدة البصائر التي صدر له فيها العشرات من المقالات المختلفة في شتى المجالات كالتاريخ والأدب والشريعة نشر خلالها مواضيع مهمة ومتنوعة عن الشخصيات العلمية والأدبية، كما كانت له غيرة على بلدته الجعافرة والبيبان أين نشر عنها بعض المقالات ينوه بالنهضة الثقافية والعلمية بها، والتي كانت جمعية العلماء المسلمين هي من تحمل لوائها وذلك بافتتاح مدارس التهذيب في مختلف البلدات والقرى.
كما كان للأستاذ أحمد شقار بجريدة البصائر ركن عبر حلقات حمل عنوان (صور وذكريات)، وهي بمثابة مذكراته الشخصية أين احتوت محطاته ومسيرته في التعلم والتعليم، كما نشر العشرات من المقالات في شتى المجلات والجرائد بعد الاستقلال نذكر منها: (الثقافة، العصر، الشعب، المساء، المعرفة، القبس، الرسالة المصرية، العروبة، هنا الجزائر...)، ومن أعماله الادبية إلى جانب ديوانه الشعري المخطوط من تقديم الدكتور عبد الرزاق قسوم، نجد: (الخداع والحب عن شيلر الألماني، قصة الفنجان العاشق ...)، وهي أعمال كما يذكر أبو القاسم سعد الله في تاريخ الجزائر الثقافي تدخل ضمن الأدب الغربي، وقد كانت كتابات الأستاذ أحمد شقار كلها باللغة العربية التي أحبها لحد النخاع. بل كان يسمي نفسه بابن الضاد رغم أنه كان جد متمكنا من اللغة الفرنسية ومطلع على الأدب الفرنسي والغربي.
وإلى جانب الصحافة المكتوبة والكتابة الأدبية اشتغل الأستاذ أحمد شقار بعد الاستقلال بالإذاعة الوطنية (القناتين الناطقتين باللغة العربية والأمازيغية)، قدم خلالها حصص كثيرة جدا تعد بالمئات حملت عناوين: (شخصيات ومواقف)، (الدين والعلم)، (صفحات في الحضارة والأدب والتاريخ)، (من المعارك الأدبية)، (صور وذكريات)، (ومضة عابرة) ...، كما انهمك في اعادة هيكلة جمعية العلماء المسلمين، أين شغل عضوية المكتب الوطني مكلفا بملف التربية قبل أن يعين مستشار بمكتبها الوطني لغاية وفاته .
رابعا- شغفه بالمطالعة والكتاب:
كان الأستاذ أحمد شقار من الشخصيات الشهيرة بالجزائر حبا وتعلقا بالكتاب، وقد رويت عنه عديد القصص في هذا الشأن، فكان لا يسمع بكتاب جديد نزل للسوق إلا وقام باقتنائه مهما كان ثمنه حتى وصل به الحال لما كان في تونس أن قام باقتناء كتاب وجده مهم ولم يجد النقود فقام ببيع قميصه الوحيد الذي كان يرتديه مقابل هذا الكتاب، كما كان لا يفارق مكتبة العطارين للمطالعة هناك بتونس، ومع مرور الوقت كون مكتبة ضخمة جدا.
خامسا- وفاته:
بتاريخ 19 مارس 2013م انتقل الشيخ والأستاذ أحمد شقار الثعالبي لمثواه الأخير عن عمر يناهز 86 سنة، وقد ترك ذرية صالحة بين دكاترة وأساتذة (جلال، جهاد، صلاح)، وقد نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عنه ندوة علمية في ذكراه الأولى بنادي الترقي بتاريخ 03 ماي 2014م من تقديم كل من الدكتور مولود عويمر والأستاذ عبد القادر فضيل والأستاذ طوالبي زهير والأستاذ نوار جدواني.
- وإلى جانب ادراجه ضمن كتابنا قيد الانجاز بحول الله (برج بوعريريج في رحاب جمعية العلماء المسلمين 1931-1962م) سنعمل بحول الله مستقبلا على حث طلبتنا بجمع تراثه المتناثر.