6 سنوات على رحيل الأستاذ المربي نوار جدواني
بقلم: أ. عبد الحميد عبدوس-
مرت في 4 نوفمبر 2021 الذكرى السادسة لرحيل صديقنا المجاهد والباحث المحقق، عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المكلف بإحياء تراث الجمعية، الأستاذ نوار جدواني الذي وافته المنية يوم الاربعاء 21 محرم 1437 هـ الموافق 4 نوفمبر 2015. عن عمر ناهز 78 سنة (-1937 2015 )، ووري جثمانه الثرى بمقبرة العالية بعد صلاة العصر.
كان الأستاذ نوار جدواني من طلبة معهد الإمام عبد الحميد بن باديس الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني بعد اندلاع الثورة الجزائرية، ورغم صغر سنه فقد تحمل مسؤولية ثقيلة في ديوان قائد الولاية التاريخية الأولى، العقيد محمود الشريف، واحتفظ من هذه الفترة البطولية بطابع الانضباط والجدية وتقديس روح الأمانة والمسؤولية، ولما التحق بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بطلب من أستاذه الراحل سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان، وضع هذه الخصال في خدمة الجمعية.
عرفت الأستاذ نوار جدواني مثقفا واسع المعرفة، يعشق اللغة العربية وبيانها وفنونها التعبيرية إلى حد الافتتان، وكان نقي الوجدان، فصيح اللسان، ممشوق القوام، أنيق الهندام، ولقد سعدت واستفدت كثيرا من الجلسات التي كانت تجمعني به في مقر جمعية العلماء، أو في رحلاتنا المشتركة إلى بعض ولايات الوطن لتمثيل الجمعية، أو من خلال المشاركة في الندوات التي أقامتها وسائل الإعلام المختلفة لتكريم ذكرى شيخ من شيوخ الجمعية. ولطالما حدثني عن شيوخه الأجلاء في معهد ابن باديس بقسنطينة، وروى لي بعض القبسات من قصصهم، وعرفني على بعض مميزات شخصياتهم، وجانب من طرائفهم، منها طرائف ومفارقات شيخه العلامة الموسوعي نعيم النعيمي، ولعل من عجيب الأقدار أننا كنا قد حضرنا قبل أن يبلغنا نعيه بحوالي أسبوع، الملتقى الناجح الذي نظمته ببلدية سيدي خالد، وأشرفت عليه (جمعية المثقف) التي يقودها الإعلامي الموهوب عمر روينة، بالتعاون مع شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لبلدية سيدي خالد التي يرأسها الإمام الفقيه خريج جامع الأزهر الشريف الشيخ عمر جباري، ونسق جهود الملتقى الدكتور إسماعيل روينة العميد السابق لجامعة تامنراست، وحضرها من الجزائر العاصمة، الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والأستاذ الدكتور عمار طالبي، النائب الأول لرئيس الجمعية، والدكتور عبد القادر فضيل عضو الهيئة الاستشارية العليا للجمعية، والأستاذ المحامي طارق بن شين، عضو المكتب الوطني للجمعية المكلف بالشؤون القانونية، والأستاذ المحامي عبد الله عثامنية عضو الهيئة الاستشارية العليا للجمعية، والأستاذ عبد الحميد عبدوس عضو المجلس الوطني للجمعية، وكذلك الدكتور الطيب ينون، رئيس حزب «فضل»، كما حضرها من بلدية سيدي خالد والبلديات المجاورة لها عدد من المسؤولين المحليين والمنتخبين، ونخبة من المثقفين والباحثين وطلبة العلم الذين حاضروا وناقشوا واستمعوا على مدى يومين (28 و29 أكتوبر 2015) لشهادات ودراسات وذكريات عن العلامة العصامي نعيم النعيمي وقد غاب الأستاذ المرحوم نوار جدواني عن الملتقى الوطني الأول الخاص بتكريم ذكرى شيخه، بسبب ظروفه الصحية التي غيبته عنا لمتابعة حصصه العلاجية في دولة قطر الشقيقة.
لقد ظل الأستاذ نوار جدواني إلى آخر أيامه شديد التقدير والوفاء لشيوخه وأساتذته وعلى رأسهم العلامة الشهيد محمد العربي التبسي، والعلامة المجاهد إبراهيم مزهودي، وشاعر الوطنية والحماسة الثورية الأستاذ محمد شبايكي (المدعو الشبوكي) عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه. وكان هو صاحب الفضل في قيامنا (المرحوم جدواني، وكاتب هذه السطور) قبل خمس سنوات بزيارة الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المجاهد الرائد في جيش التحرير الوطني المرحوم إبراهيم مزهودي لمحاولة تسجيل شهادته عن أحداث الثورة المجيدة، وقد نشرت ثمرة تلك الزيارة في أعداد سابقة من جريدة البصائر تحت عنوان (ذكريات عن المجاهد والعالم والدبلوماسي الشيخ «إبراهيم مزهودي»- رحمه الله-) في ثلاث حلقات.
التحق المرحوم نوار جدواني بعد استعادة الاستقلال الوطني بسلك التعليم، وعين أستاذا بثانوية (المقراني) بالعاصمة، ثم أصبح مديرا للمكتبة الوطنية، وبذل فيها عناية فائقة في الاهتمام والتعريف والكتابة عن المخطوطات بسبب أهميتها للذاكرة الوطنية والثقافية، وبعد إحالته على التقاعد الوظيفي، استقدمه الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان إلى الجمعية وكلفه بمهمة إحياء تراث الجمعية، وبهذه الصفة ساهم باقتدار في الجمع والتنسيق والتعليق وإصدار آثار الشيخ عبد الرحمن شيبان… ولنقرأ ما خطه قلم الأستاذ نوار جدواني عن هذه التجربة بتصرف: «حين عَلِمَ (الشيخ عبد الرحمن شيبان) بإحالتي على التقاعد من المكتبة الوطنية، دَعَاني للعمل معهم في «مركز الجمعية»، وأَسْندَ لي مُهمةَ جَمعِ ما لم يُجمع من تُراثِها..فاقترحتُ أن نبدأ بموضوع الساعة قبل فَواتِ أَوانِهِ، وهو جَمْعُ تلك «السوانح» التي حَمَلتْ عنوانَ «حقائق وأباطيل» ونَشرها في كُتيّب صغير يكون وثيقةً في أيدي المدافعينَ عن الجمعية لردِّ الشُّبهات، ويُوزَّعُ على شُعَبها المنتشرة في طول البلاد وعرضها.. فاستحسَن الفكرة، ووافق عليها.. ثم طلب مني إلى جانب ذلك، أن أتولّى جمعَ المقالات التي كان يكتُبها في البَصائر منذ عام 1947م.! وَقَبِلتُ العرْضَ –بسذاجة- وما كنتُ أدري أنني سأغرِق.! كنتُ أظنّ أن هذه المقالات سوف تضمّها «بيبليوغرافية حَصْريّة» أحصُرُ فيها إنتاجاً فكريا، معروفَ البداية، مَعروفَ النهاية، لكنني حين شرعتُ في العمل اتّضح لي أنها «بيبليوغرافية جارية» معروفةُ البداية، ولكنَّها مجهولةُ النهاية.. ووجدت نفسي مع إنتاج يمتدُّ أفقيا في عُمق الزمن ستين عاما.. ويمتد عموديا في أدبياته، فيشمل: المحاضرة، والمقالة، والسانحة، والتصريح، والاعتراف لذوي الفضل حين يُقام له حفل تكريم.. وقد تجاوزت المئات.. وفي حفل تكريم الشيخ الذي أقامه المجلس الإسلامي الأعلى مع مِشعل الشهيد في 4 أكتوبر عام 2007م، تعهد الدكتور الشيخ بوعمران –جزاه الله أحسَن الجزاء- بنشر الكتاب على نفقة المجلس.. وتحقق ما تَعهّدَ بهِ، فطُبع الكتاب «حقائق وأباطيل» في حُلة أنيقة، تُبهِجُ الناظرين، وتُفيد الدارسين. وعندما حملتُ النسخة الأولى إلى الشيخ في بيته، علّق قائلا: «إنها أجمَلُ هديّة تلقَّيتُها في حياتي…! وكأنه –بهذه الجملة العفوية- قد علَّق وساماً على صدري.. وأطلُبُ من المولى جَلَّ وعَلا أن يُعينَني على إنجاز ما تعهدتُ به إليه، فأكونُ بذلك قد أدّيتُ –ولو جُزءاً يسيراً- من الدَّيْنِ الذي يُطوِّقُ عُنُقي لأستاذي سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان…».
نسأل الله العلي القدير الرحمة والرضوان لأخينا الأستاذ نوار جدواني.