إن يُحرِقوه فقد أحرَق آباؤُهم قبلُ
بقلم: محمد الهادي الحسني-
العالم الشهيد العربي التبسي (ت 1957) هو أحد مؤسسي “خير جمعية أخرجت للناس” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي يحسدها الجهال والخوالف، الجاهلون، لأنهم لأهل العلم أعداء، والخوالف لقعودهم عن الجهادَيْن؛ جهاد العلم واللسان، وجهاد البندقية والسِّنان، ولهذه الجمعية المباركة في كلا الجهادين سهامٌ صائبة، وأعمال مجيدة، فطوبى لهم وحُسن مآب.
تولى الشيخ العربي في جمعية العلماء عدة مسئوليات: نائب الأمين العام، رئيس لجنة الفتوى، نائب رئيس الجمعية، مدير معهد الإمام ابن باديس، رئيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها التي ضمت جميع الأحزاب الجزائرية، وما عُهد له بهذا كله إلا لأنه – كما يشهد الإمام الإبراهيمي: “رجلٌ يملأ جوامع الدين، ومجامع العلم، ومحافل الأدب، ومجالس الجمعيات، ونوادي السياسة، ومكاتب الإدارات، ومعاهد التربية”. (آثار الإبراهيمي ج2، ص 218).
قرأتُ ما كتبه الأخ الدكتور أحمد عيساوي في جريدة الخبر ليوم 2/11/2021 عن “الشيخ العربي الشهيد الخالد بلا قبر”. والأخ عيساوي تتبَّع الجليلة والدقيقة من حياة الشيخ العربي، وجمع آثارَه فأتمّ ما بدأه الدكتور شرفي الرفاعي – رحمه الله – فجزاهما الله خيرا على عملهما، وجعله في ميزان حسناتهما.
لقد ذكَّر الأخ عيساوي بالطريقة الوحشية التي قتل بها الفرنسيون الشيخ التبسي، وهي ليست غريبة عنهم، وهم ليسوا غريبين عنها، فهي “علامة مسجلة” لا ينازعهم فيها أحد… لقد اختطفوا الشيخ من منزله، وعذبوه عذابا نُكرا بعد ما لم يمكّنهم من شراء ذمته واستنزال همّته، وفي الأخير جاءوا بإناء كبير ملأوه بمواد سائلة وأوقدوا تحته نارا حتى غلت تلك المواد فألقوا الشيخ عاريا فيها، ففاضت روحُه الطاهرة ورجعت نفسُه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، وكأنَّ الإمام الإبراهيمي تنبَّأ بنهاية الشيخ العربي الشريفة، و”المؤمن ينظر بنور الله”، قال الإمام الإبراهيمي في نهاية الأربعينيات: “وكأنَّ الأخ التبسي عاهد الله أن يلقاه مقبلا غير مدبر”. (آثار الإمام الإبراهيمي ج2 ص 357).
وددتُ لو أن الأخ عيساوي لم يركِّز على الجنود السينغاليين في عملية تعذيب الشيخ العربي وقتلِه، وأنا – ولا أعوذ بالله من قول أنا – كما قال الإمام الإبراهيمي لا أحمِّل جريمة تعذيب الشيخ وقتلِه إلا إلى الفرنسيين المجرمين، فهم الذين جاءوا بالجنود السينغاليين من بلادهم، وهم الذين درَّبوهم على أساليب التعذيب، وهم الذين أمروهم وأجبروهم على فعل ما فعلوه، فالمسؤولية من أولها إلى آخرها يبوء بعارها الفرنسيون، ولهذا سنبقى نردد مقولة الشيخ الشهيد العربي التبسي: “من يعيش فليعش بعداوة فرنسا، ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر”. وسنلقن هذه المقولة لأبنائنا وأحفادنا، وإذا كان المجاهدُ الشهيد عباس لغرور يقول: “إن مرّ يومٌ ولم أقاتل الفرنسيين أعتبر نفسي خائنا”، فعلينا أن نقول: “إن مرّ يومٌ ولم نذكِّر بجرائم فرنسا ونلعنها نعتبر أنفسنا خائنين”.
وإذا كان الفرنسيون قد أحرقوا الشيخ العربي فقد أحرق آباؤُهم قبائلَ كاملةً، وقرى جعلوها رمادا، والشر من مصدره لا يُستغرب.. والعيبُ كل العيب فيمن نسوا جرائم فرنسا وراحوا يُمطرون مسئوليها بقبلات مثنى وثلاث ورباع.