صفحة مشرقة من تاريخ تبسة الإصلاحي
بقلم: سمير زمـال-
مدرسة التهذيب للبنين والبنات الواقعة بمحاذاة مسجد العربي التبسي )المعروفة بالمدرسة) وسط مدينة تبسة، التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قصة بنائها تروي في تفاصيلها ذلك التعاون والبذل والتفاني بين أبناء تبسة في ذلك الزمن الجميل، أين كانت الكلمة لأهل العلم والدراية من أمثال الصادق بوذراع وعيسى سلطاني ومعمر علية وسيدتي زعراء عثماني وغيرهم، رحمهم الله وأحسن مثواهم.
لقد رغب الجميع في علم العلامة العربي التبسي وأن ينهلوا من منهجه السلفي الإصلاحي، ولقد صدق حرصُهُم رغبتهم في ذلك بعد أن سافر لبلدة سيق غربا سنة 1927 م بعد أن ضيق عليه المحتل وأعوانه من الطرقيين عاملا بنصيحة الإمام ابن باديس أن يحل بتلك البلدة ليُزاول عمله الإصلاحي هنك أيضا، فقضى فيها ثلاث أعوام ليتخذ قرار الرجوع لبلدته تبسة مختتما ثلاث سنوات من العمل الإصلاح في غرب الجزائر تحت راية جمعية العلماء.
بعد أن لبى نداء إخوانه التبسيين وتبعا لرغبته في بث الإصلاح الحقيقي بعيدا عن الجهل والدروشة عمد إلى تأسيس ناد علمي ومسجد جامع ومدرسة مستقلة عن الإدارة الفرنسية وأعوانها. هاته المدرسة التي تقوم عليها الجمعية الخيرية لأهل تبسة كانت تضم في صفوفها حوالي 500 طالب يتلقون مختلف العلوم العلمية والشرعية والأدبية، كوكبة طلبة العلم تلك كانت نواة لجيل ذهبي تربى على يد الشيخ العربي التبسي رحمه الله الذي غادرها سنة 1947 م لينتقل لمهام أخرى، وترك مكانه للشيخ معمر علية الذي واصل المسير لحين غلقها سنة 1956 م من طرف المحتل الفرنسي. لقد كان من ثمار هاته المدرسة أن أسهمت في بناء قاعدة علمية من الرجال والنساء، كان لهم دور في جعل تبسة منارة للعلم، ومنبعا للمجاهدين والثوار ممن أسهموا في تحرير الجزائر بالمال والعلم والروح، نذكر منهم الطاهر حراث وإبراهيم مزهودي والعيد مطروح وبدري عبد الحفيظ وغيرهم.
وجدير بالذكر أن المدرسة كانت حاضنة لطلبة ابن باديس سنتي 1941-1942 .أما الآن منذ أن طغت الأنانية وحب الذات والظلامية ما طفق نجمها يأفل إلا ما رحم ربي، حتى فرع جمعية العلماء في تبسة الذي ظل ردحا من الزمن موئلا لطلاب العلم في الجزائر عامة، بل كان بديلا لمعهد ابن باديس بعد وفاته ومفزعا لطلابه الذين وجدوا فيها العلم والأمل، أفسده منطق الحزبية المقيتة، والجهوية الضيقة، فلا هم عاملون على بعثه ولا تاركوه لأهل الخير والعمل، ولعل الجهات الوصية في المكتب الوطني تنظر في الأمر.
وقد كنت شاهدا على آخر اجتماع منذ خمس سنوات أو أكثر، والذي أريد من خلاله تأسيس مكتب له لإعادة بعثه، لكن للأسف غاب حسها وانقطع خبرها، ولا أدري ما آل إليه الآن.
سمير زمـال- قسم علم التاريخ واآلثار جبامعة تبسة.