في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين المداد والامداد من خلال رسالتها في التعليم
محمد الهاشمي

في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين المداد والامداد من خلال رسالتها في التعليم

بقلم: محمد الهاشمي -

بعد احتفالية المئة عام على احتلال الجزائر 1830م الى 1930م أقامت فرنسا الدنيا ولم تقعدها وزعمت على لسان كاتب الجنرال بيجو (ان ايام الاسلام الأخيرة قد حانت ولن يكون في الجزائر كلها بعد عشرين سنة من اله يعبد غير المسيح)، وكانت ألسنة المحتفلين الفرنسيين تردد (اننا لا نحتفل اليوم بمرور قرن على احتلالنا ولكن نحتفل بجنازة الاسلام الذي نشيعه الى مثواه الأخير)، وهنا تحرك الحس الوطني العربي الاسلامي على يد كوكبة من علماء الأمة على رأسهم الامام الشيخ عبد الحميد بن باديس والامام محمد البشير الابراهيمي، وكانت صيحة الامام التي دوت في المدن والقرى والجبال والوهاد "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب"، وبزغ فجر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أدركت بأن الاستدمار الفرنسي الغاشم قد جاء بمشروع ضخم محدد الأهداف والغايات يهدف الى القضاء على الهوية الثقافية واللغوية والدينية للمجتمع الجزائري…

هذا المشروع التغريبي الاستدماري الاستيطاني استطاعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن تواجهه بمشروع أعظم منه يعتمد على الفهم الصحيح للدين الاسلامي وتنقيته مما علق به من بدع وخرافات وشعوذة وضلالات وأباطيل واعادة الاعتبار للغة العربية وتوعية الجزائريين بمكائد الاستدمار الذي ظن بأنه اجتث المقومات الاسلامية من جذورها ولكنه نسي أن الجزائر كيان وأمة وان كانت فرنسا قد قضت على الدولة فان الأمة باقية وستنهض في يوم من الأيام وتطرد المحتل وذلك بفطرتها السليمة التي ما زالت تقود مجتمعنا المسلم، وثانيا بفضل كتاب الله الخالد الذي حمى الأمة ، قال أحد الحكام الفرنسيين: "اننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم ونقتل العربية من ألسنتهم، فكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ثورة على الجهل والأمية وحربا على الجمود والتخلف وصراعا ضد الغزاة المستدمرين، وقد أدركت وتأكدت من أهمية العلم والتعليم بالنسبة للمسلمين عامة والجزائريين خاصة في تحقيق مقاصدها العقدية والفكرية فركزت على الجانب التعليمي والتثقيفي كأساس لمجابهة الاستدمار لأنها كانت تراهن على تحرير العقول قبل تحرير الأبدان واعتبرت التعليم هو السلاح الفتاك ضد الاستدمار، فمحال أن يتحرر بدن يحمل عقل عبدا، وأول ما بدأت به انشاء المدارس الحرة وحثت الأمة على بنائها وتعليم أبنائها بها بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من أبناء الجزائر ليكونوا النواة الأولى لنهضة وطنية ، قال الامام عبد الحميد بن باديس :" أنا أحارب الاستدمار لأني أعلم وأهذب فمتى انتشر التعليم والتهذيب في أرض أجذبت على الاستعمار وشعر في النهاية بسوء المصير ، وقال الامام الابراهيمي:" تتقى جهنم بالعمل الصالح الذي أساسه الايمان ويتقى الاستعمار بالعمل الصالح الذي أساسه العلم، وعدو جهنم العمل الصالح وعدو الاستعمار التعليم".

ومن هذا المنطلق عملت الجمعية على بناء المدارس لاعداد النشء الذي يحمل المشعل حتى وصل عددها الى أكثر من 400 مدرسة يؤطرها 700 معلم ، وبلغ عدد التلاميذ 75 ألف منهم 14 ألف فتاة لأن المدرسة هي المحضن لبناء الشخصية الوطنية المشبعة بالقيم العربية الاسلامية ودورها في وضع الحجر الأساس المتين للنهوض الثقافي والتجديد الحضاري ففيها تتحصن الأجيال من أي غزو فكري دخيل وفيها ينتشر الوعي الوطني وتزال الغشاوة عن أعين المتمسكنين وفيها ترسخ ثوابت الأمة والمدارس التي أنشأتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين متميزة ثقافيا واجتماعيا وحضاريا وقد جعلت شعارها الاسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا وجعلت منهاجها : مدارس اسلامية الروح عربية اللسان جزائرية المنهج انسانية النزعة ، مدارس حاربت الجمود والمسكنة والبدع والخرافات والجهل ، مدارس رعت الصغار ووجهت الكبار وكونت الشباب ورفعت الجهل عن المرأة وبصرتها بدورها في تكوين الرجال ، وهذه المدارس أصبحت تشكل خطرا على الاستدمار الفرنسي وكانت سببا في ايقاظ الوعي الوطني والديني وتحرير العقول التي بفضلها تحررت الأبدان والأوطان ، هذه المدارس كانت هي الحصن المنيع للدفاع عن الذاتية الثقافية والفكرية والوطنية وكان المنتمي اليها يحمل أبعادا حضارية دينية أخلاقية ووطنية وأبعادا علمية وحتى أبعادا مستقبلية ، ولازال طلبتها الأحياء رغم كبر سنهم متشبعين بالمبادئ التي تلقوها أيام دراستهم ، يقول الشيخ محمد البشير الابراهيمي عند افتتاح مدرسة دار الآداب بالحناية 17 يونيو 1950م :" أيها الاخوان ، أيها الابناء ان يومكم هذا عنوان على الحياة ورمز اليها وأن هذه المؤسسة المباركة بمسجدها ومدرستها مزرعة للحياة فتعاهدوها بالعناية وأن هذه المدارس التي تشيد في كل يوم حصون للعربية والاسلام وهما أساس الحياة السعيدة" ، وقال مخاطبا المعلمين الذين كلفوا بهذه المهمة :"...أنتم حراس هذا الجيل والمؤتمنون عليه ، القوامون علىى بنائه ، وأنتم بناة عقوله ونفوسه فابنوا عقوله على أساس من الحقيقة وابنوا نفوسه على صخرة من الفضائل الانساني وأشربوه عرفان قيمتها فان من لا يعرف قيمة الثمين أضاعه ".

والحديث عن بناء المدارس نأخذ تلمسان كأنمزذج ونؤكد على أنها لم تنطلق من فراغ نظرا لتاريخ المدينة الثقافي فقد وظف الشيخ محمد البشير الابراهيمي هذا الارث وذلك بوجود العديد من المدارس القرآنية والزوايا الصوفية النشطة كزاوية الشيخ بن يلس ومدرسةالشيخ محمد مرزوق ومدرسة بكار مراح ومدرسة الشيخ بوعروق ومدرسة دريبة زرار التي استغلها الشيخ محمد البشير الابراهيمي للتدريس بها من سنة 1934م الى 1937م سنة افتتاح مدرسة دار الحديث ، وكانت هذه المدرسة الاولى لتعليم النخبة أي الجيل الذي يحمل لواء التعليم في دار الحديث كالشيخ بوعناني والشيخ ملوكة والشيخ مختار الصبان والشيخ سيد أحمد الشاوي وغيرهم ، كما استثمر الشيخ الابراهيمي في ماكانت عليه المرأة التلمسانية اذ كان لها في كل حي جمع للنساء بلغ عددها 14 جمعا لتعليم المرأة أمور دينها للذكر والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولتحفيظ القرآن الكريم وكان الشيخ يتصل بالكثير منهن وكن يأتين اليه يسألنه في كثير من أمورهن ويشاورنه فيرشدهن ويوجههن ، وقد كان يسود هذه المجامع بعض الخرافات فعمل الشيخ البشير على تهذيبها حتى دخلها الوعي السياسي فأصبحت رافدا من روافد الحركة الاصلاحية النسوية بتلمسان ، وقد ركزت جمعية العلماء على الجانب التعليمي التثقيفي لتكوين الانسان المثقف الواعي ولو مع علم قليل ، كما أنشأت المدارس كذلك أنشأت مطبعة ابن خلدون التي طبعت عدة كتب ومجلة علمية اسمها " القنديل " ، وكذلك اهتمت بالجانب المسرحي ( الكوكب التلمساني) وجمعية أحباب الكتاب ومسرح الشيخ محمد شيعلي ، واهتمت ايضا بالجانب الاجتماعي كمحاربة البدع والخرافات ، ثم اهتدت جمعية العلماء المسلمين الى بناء المدارس الحرة لمجابهة المدارس الفرنسية صاحبة المشروع التغريبي لتكون هذه المدارس منارات يهتدي بها الشعب الجزائري وتهيئ له طريق التحرير من ربقة الاستدمار الفرنسي الغاشم ، مدارس شيدت على تقوى من الله ورضوان بأموال الأمة وكان المشروع التحدي بناء دار الحديث والتي بحق هي مفخرة للتلمسانيين وللجزائريين وكان لها الشرف أن تكون أول مدرسة بالمعنى الكامل تبنيها جمعية العلماء المسلمين على نمط الهندسة العربية الاسلامية بكامل مرافقها ، وقد افتتحها الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1937م وألقى بها كلمته المشهورة :" يا أبناء تلمسان ، يا أبناء الجزائر ...." ، كانت مدرسة دار الحديث المدرسة الأم التي أنجبت في قرى وجبال تلمسان مدارس بلغ عددها 20مدرسة علما بأن الجمعية لم تنس المرأة الجزائرية فكان لها حظ في كل مدارسها ولكن في تلمسان كانت لها مدرسة سماها الشيخ البشير الابراهيمي مدرسة عائشة مكافأة للمرأة التلمسانية على موقفها عندما عجز الرجال عن تسديد الدين الذي كان على الشيخ البشير لليهودي فتبرعن بحليهن ، وفي مدارس جمعية العلماء كان المعلمون يشتغلون من 8 صباحا الى ما بعد صلاة العشاء ، فالتلاميذ النظاميون من 8 الى 4 والنصف ثم بعد صلاة المغرب للمتمدرسين في المدارس الفرنسية ، ثم دروس الوعظ والارشاد للكبار ، وفي بعض المناطق في البادية ونظرا لكثرة العدد كانت تقام الدروس في بساتين الزيتون كعرش بني هذيل بالجنوب الغربي لجبال تلمسان ، وبفضل التكوين الذي تلقاه التلاميذ على أيدي معلمين مربين رساليين فان معظم تلاميذ هذه المدارس كانوا في الطليعة يوم نادى منادي الجهاد وكانوا قادة وأبطالا ، ودار الحديث وحدها بلغ عدد الشهداء من تلاميذها 82 شهيدا على رأسهم العقيد لطفي ومليحة حميدو وعويشة حاج سليمان ، ومدرسة أولاد سيدي الحاج أكثر من 27 شهيدا ومدرسة بني هذيل أكثر من 500 شهيدا على رأسهم الشهيد الرائد فراج رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه .

والخلاصة ان الغرب يتمنى أن لو كان له عشر ما عندنا من شخصيات ضحت وأعطت طويلا لله تعالى ومن أجلنا نحن وان هؤلاء العظماء قد بذلوا كل ما عندهم وتركوا ديارهم وأهلهم فمثلا الشيخ البشير الابراهيمي من أولاد ابراهيم من برج بوعريرج بتلمسان ، والشيخ العربي التبسي من تبسة كان في عمالة وهران ، والشيخ عمار مطاطلة يعمل في مدرسة سبدو بتلمسان ، والشيخ عمر غريسي من وادي الفضة عين للتدريس بمدرسة أولاد سيدي الحاج بتلمسان ، والشيخ محمد الصالح رمضان من القنطرة بالأوراس عين مديرا لمدرسة دار الحديث ، الشيخ طاهري بلقاسم من مدينة بوسعادة وعمل في مدرسة سبدو ، الشيخ الصديق من قسنطينة وعمل أسستاذا بأولاد الميمون ، الشيخ معمر هني من قمار ولاية الوادي وعين معلما وداعية في وهران ، ألا يستحق هؤلاء أن نميط اللثام عن حياتهم حتى يكونوا قدوة لشبابنا ، وكانت صيحة الشيخ عبد الحميد بن باديس شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب يتردد صداها في كل مكان الى أن وصلت الى أعمق أعماق الجزائر فاستقبلها الرجال البواسل واحتضنوها كما تحضتن الأم رضيعها وضحوا بالنفس والنفيس من أجل هبة تعيد للأمة الجزائرية كرامتها وعزها ومجدها وسِؤددها .

رحم الله علماءنا الذين ربوا وأرشدوا وقادوا الأمة الى ما هو أصلح ورحم الله شهداءنا الذين ضحوا من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة .

 

ملحق :

مدارس الجمعية بتلمسان :

1- مدرسة دار الحديث.

2- مدرسة التربية والتعليم بالغزوات .

3- مدرسة أولاد سيدي الحاج .

4- مدرسة التعليم العربي بأولاد الميمون .

5- مدرسة عبد المؤمن بن علي بندرومة .

6- مدرسة التربية والتعليم بالرمشي .

7- مدرسة التربية والتعليم بمغنية

8-مدرسة دار القرآن بعين غرابة .

9- مدرسة التربية والتعليم بأوولاد سيدي خالد بوحسون التي افتتحها الشيخ العربي التبسي وصرخ صرخته المعروفة سنة 1953م قائلا :" ان جبال الأوراس التي تحتضن الجهاد تنادي جبال تلمسان فكونوا مستعدين لتلبية النداء "

10- مدرسة عائشة بتلمسان .

11- مدرسة الارشاد بسبدو .

12- مدرسة التربية التربية والتعليم في بوحلو .

13- مدرسة التربية والتعليم بصبرة .

14- مدرسة دار الآداب بالحناية .

15- مدرسة التربية والتعليم بأولاد عدو .

16- مدرسة أم العلو مشروع لم ير النور .

17-مدرسة مشكنة بتلمسان (16 قسما ).

18- ملحقة المنصورة ذات قسم واحد.

19- ملحقة زاوية مولاي عبد القادر (ذات قسمين ).

20- ملحقة جبالة التابعة لمدرسة عبد المؤمن بندرومة

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.