بقلم: الصالح بن سالم-

من العادات التي فطرت عليها أسر قريش الكبرى هي إرسال صبيانها إلى قبائل البادية المحيطة بمكة، كقبيلة بني سعد بن بكر من هوازن، وقبيلة بني ليث بن بكر من كنانة لرضاعتهم لما اشتهرت به تلك القبائل من صفاء اللسان ونقاء اللغة، وفي الجزائر كانت ولازالت حاضرة بسكرة من أبرز الحواضر مزارا من الداخل والخارج، فهناك يرقد الفاتح عقبة بن نافع الفهري وأبو المهاجر دينار، كما مر عليها العلامة عبد الرحمن بن خلدون، وخلال الحقبة الاستعمارية عرفت بسكرة زيارة عشرات الرحالة والعلماء والمشاهير أبرزهم فيكتوريا ملكة بريطانيا، والاقتصادي الشيوعي الكبير كارل ماركس، والأديب الفرنسي الحاصل على نوبل أندري جيد، والألماني فون مالتسان، وكلهم ازبهلوا بطبيعتها الساحرة، وفي هذا الشأن طرح بعض المؤرخين الفرنسيين الذين تناولوا سيرة أحمد باي سؤالا محيرا حول سر فصاحة وفروسية هذا الرجل المعروف بأصوله التركية، فوجدوا بأن السر يكمن في والدته السيدة شريفة بن قانة التي تنتمي لأسرة بن قانة الشهيرة ببسكرة، وهناك ترعرع وتربى أحمد باي على فصاحة اللسان والفروسية حيث أصبح فارس لا يشق له غبار، كما كانت بصمة أم النون ( كنية والدته ) بارزة في حياته، والذي يزور قصر أحمد باي بقسنطينة سيصادفه جناح أم النون والدة أحمد باي بمدخل القصر حيث كانت تدير القصر ويستشيرها أحمد باي في مختلف تفاصيل أمور الدولة بقسنطينة.

وفي المقابل يستفسر أيضا الباحثين الذين تناولوا سيرة العلامة والشيخ محمد البشير الابراهيمي عن فصاحة وبلاغة الشيخ، فهل هي طفرة أم وراثة أم ماذا ؟

صحيح أن قرية أولاد ابراهم ببرج بوعريريج كانت ولازالت أرض منبتة للعلماء والأعلام لكن فصاحة الشيخ دوخت فطاحلة اللغة بالمشرق الذي أنجب طه حسين ومصطفى المنفلوطي وأحمد أمين ومصطفى الرافعي، فنفحات ونسمات البشير الابراهيمي اللغوية التي حلت من المغرب كانت تختلف عن سابقيها لكن المتمعن في سيرة الشيخ سيستنتج بأن تأثير بيئة أخواله لعبت دورا كبيرا في تنشئة الشيخ اللغوية، فوالدته هي السيدة الفاضلة حدة بنت محمد بن أحمد يخلف رحمة الله عليها وهي من بلدة برج بن عزوز ببسكرة.

وأسرة يخلف هي إحدى فروع لفراوة أحد أبرز بطون ريغة بالريف السطايفي، وبالضبط بقرية قصر الطير أو قصر الأبطال ارتحلت لبرج بن عزوز ببسكرة خلال القرن التاسع عشر ميلادي، وملكت أراضي وبساتين من النخيل هناك، وبذلك فقد كانت لهذه الأسرة علاقات صداقة مع أسرة طالب الابراهيمي بأولاد ابراهم سرعان ما تحولت لمصاهرة حيث قرر الشيخ عمر جد الشيخ البشير تزويج ولده الشيخ السعدي من السيدة حدة يخلف ببرج عزوز، وأنجبت له علامتنا البشير الابراهيمي وأيضا بنت كانت ترافق الشيخ في حله وترحاله وذلك وصية من والده الشيخ السعدي لما كان بفراش الموت بدمشق السورية، وكان الشيخ كثير الزيارة لأخواله ببسكرة ومع مرور الوقت لما ظهر نبوغه العلمي أصبح يقدم دروس ومواعظ هناك، ولما تفطنت السلطات الاستعمارية ببسكرة له بدأت في عملية المضايقة والرقابة عليه.

وقد كان ساكنة برج بن عزوز جد أذكياء حيث وجدوا حيلة تمكن من خلالها الشيخ البشير زيارة المنطقة في إطار قانوني، وبذلك يتخلص من عملية الرقابة حيث منحوا له قطعة أرض وساعدوه في غرس العشرات من أشجار النخيل، وأصبح هذا الجنان ملك له وساعده في ذلك أخواله وأيضا صديقه الشيخ جلاب عبد الحفيظ وولده سي عبد المجيد، وقد قام الشيخ ببيع هذا البستان قبيل اندلاع الثورة وأصبح ملكا للسيد بيطام الحاج القايد من برج عزوز وأولاده وأحفاده.

ولم يكن الشيخ محمد البشير الابراهيمي الوحيد من أولاد ابراهم الذي يزور برج بن عزوز بل أبناء عمه أيضا مثل الشيخ لخضر بن عبد الرحمن الابراهيمي والشيخ قاسمي بن الربيع الابراهيمي، وكان لكل منهما مدرسة قرآنية هناك تخرج منها العشرات من طلبة المنطقة ... سنعود لاحقا لقصة زواج الشيخ محمد البشير الابراهيمي وهي بمثابة اللغز الذي لم يحل بعد

 

 

مراجع:

- الأستاذ القدير البشير بوكثير فهو من فتح لنا الشهية للبحث حول جزئية والدة الشيخ محمد البشير الابراهيمي

- الأستاذ القدير محمد قويدري ( قاض سابق ومهتم بتاريخ بسكرة وحواضرها ) الذي زودنا بمعلومات وافية عن أخوال الشيخ الابراهيمي ببرج بن عزوز