خطبة العلامة محمد البشير الابراهيمي بالمسجد العتيق برأس الوادي سنة 1929م
الصالح بن سالم

خطبة العلامة محمد البشير الابراهيمي بالمسجد العتيق برأس الوادي سنة 1929م

بقلم: الصالح بن سالم-

نشرت في الموقع حول زيارة العلامة والشيخ عبد الحميد بن باديس لبلدة رأس الوادي - طوكفيل سابقا - بولاية برج بوعريريج سنة 1929م بدعوة من صديقه محمد البشير الإبراهيمي، وذلك للمشاركة في تدشين المسجد العتيق، وذكرنا بأن الشيخ عبد الحميد بن باديس نشر مقال عن هذه الزيارة بمجلة الشهاب سنة 1930م أين أبدى اعجابه بالخطبة البليغة التي قدمها الشيخ محمد البشير الابراهيمي، كما ذكرنا بأن الذي تولى صلاة الجمعة هو العلامة والشيخ محمد بن السعيد لطرش- من برج الغدير ورئيس فرع الجمعية ببرج بوعريريج فيما بعد - ، وللتوضيح أكثر فان الذي تولى الخطبة هو العلامة محمد البشير الابراهيمي أما الذي صلى بالناس هو العلامة محمد بن السعيد لطرش، وقد نشر الشيخ محمد البشير الابراهيمي هذه الخطبة البليغة على صفحات جريدة الشهاب في شهر رمضان 1348هـ / فيفري 1930م وهذا نصها الكامل:

الحمد لله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. من يضلل الله فلا هادي له ومن يهد فما له من مضل. فنسأله الهداية لإحياء السنن والوقاية من شرور البدع. ونشكره على أن وفق لإحياء هذه الشعيرة بهذا البلد وأعان على إتمام شروطها وتكميل أسبابها ونستزيده من فضله حتى تقام شعائره، وتنفذ حدوده وأوامره. فلولا توفيقه ما تم عمل. ولولا إعانته ما ظفر راغب بأمل. ونشهد أن لا إله الله المتعالي عن هواجس الظنون، المنفرد بالإنشاء، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله فاك العقول من أسر اعتقالها. ومحرر الحقائق من شوائب الأوهام وأكبالها. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أيها الناس، إن يومكم هذا من الأيام المشهودة، وسمه دينكم بسمة هي الغرة اللائحة في جبين الأيام، وهي هذه الشعيرة التي تقيمون أركانها، وتجتمعون لأجلها.

فاحمدوا الله تعالى على الهداية، واسألوه أن تكون كل ساعة تأتي بعد ساعتكم هذه خيرا مما قبلها. وأن يكون اجتماعكم هذا فاتحة اجتماعات في الخير تنقضي مع العمر، تتآمرون فيها بالمعروف وتتناهون عن المنكر، وتتواصون بالحق وتتواصون بالصبر.

عباد الله لو كانت كلمة الحكمة توازن بالذهب، أو تقدر بالمال والنشب، لكانت كلمة علي بن أبي طالب هي تلك الكلمة. وفوقها قدرا وقيمة تلك الحكمة التي ثقفتها الفكرة العالية. ومحضتها الخبرة الراقية. وهي قوله - رضه الله عنه -: قيمة كل إنسان ما يحسنه.

بين لنا - رضي الله عنه - وهو مصدر البيان، وينبوع التبيان، أن الأعمار هي الأعمال، وبالإحسان فيها تتفاوت قيمة الرجال، وأن ذلك لا يرجع إلى وزن بميزان، ولا كيل بقفزان، وإنما هو عقل مفكر، ولسان متذكر. ومن لا عمل له، فلا عمر له. ومن لا أثر له في الدين يمتثل به أمر ربه، ولا أثر له في الدنيا تزدان به صحيفة كسبه. فوجوده عدم، وعقباه ندم وحياته مسلوبة الاعتبار. وإن شارك الأحياء في الصفة والمميزات.

فاحرصوا، رحمكم الله، على أن تكون لحياتكم قيمة. واربأوا عن أن تكون في كفة النحس والهضيمة. واسعوا في الوصول بها إلى القيم الغالية، والحصول منها على الحصص العالية.

وان الأعمال التي تجمل الحياة وتغليها، وتقف بها في مستوى الإجلال وتحييها لا تعدو نوعين: وظائف العبادات التي هي سور الوحدانية، والعنوان الصادق على الإخلاص في العبودية، وهي أخف النوعين محملا وأقربهما تحصيلا وعملا، لأن الله لم يكلفكم من عبادته إلا باليسير، وشغل بها القليل من أوقاتكم وترك لكم الكثير.

والنوع الثاني السعي فيما تقوم به هذه الحياة الدنيا من الأعمال وتتوقف عليه عمارتها، وهذا يرجع إلى الدين بإخلاص النية، وتمحيض القصد للجري على حكمة الله وتأييد سننه الكونية.

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وكشف على قلوبنا – لإدراك الحقائق – حجاب الغفلة والسنة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة من آمن به وأخلص توحيده، واعتمد عليه في كل أموره، فرجا وعده وخاف وعيده، ورفع أكف الابتهال والضراعة طالبا لطفه وتسديده، وفضله وتأييده. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إتماما لنصاب العقيدة، وتنويها بمزاياه الحميدة، كما نصر الحق وأكثر عديده، وخذل الباطل وأبلى جديده، وتمم مكارم الأخلاق بصفاته المجيدة وأقواله السديدة، وبعث آخر الأنبياء فكان لبنة التمام وروي القصيدة صلى الله عليه وسلم.

أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وحافظوا على حدوده في السر والنجوى، وامتثلوا أمر ربكم الذي أكسبكم به فخرا وتعظيما، وهو قوله: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ). واعلموا أن يومكم هذا خصص للاجتماع والعبادة والحسنى والزيادة. وأقيموا القصد في التقرب من بعضكم ودعوا الأحقاد والتباغض. وأسبلوا على ما فرط من بعضكم للبعض أذيال الستر والعفو. والزموا خلق الرضا والصفح. فكونوا عباد الله رحماء بينكم، ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته اخوانا ) وفقني الله وإياكم لصالح القول والعمل ووقاني وإياكم شر مزالق الزلل.

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) عباد الله ( ان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).

* ملخص الخطبة في الجملة التالية: ( قيمة كل إنسان ما يحسنه، فاحرصوا رحمكم الله، على أن تكون لحياتكم قيمة ).

* حقيقة مثلما قال الإمام عبد الحميد بن باديس هي خطبة بليغة ... أعتقد بأنه من يريد أن يسمع لخطب الشيخ البشير الإبراهيمي يلزمه أخذ إلى جانب السجادة قاموس للغة العربية، وممكن أن لا يفيده بحكم أن البشير نفسه أضاف كما يروى بعض المصطلحات لقاموس اللغة العربية.

* أقترح على الإخوة باللجنة الدينية بالمسجد العتيق برأس الوادي أن يضعوا هذه الخطبة البليغة والتاريخية على لوحة رخامية بمدخل المسجد لثلاثة أسباب:

- بحكم أنها أول خطبة جمعة تقدم في بلدة رأس الوادي.

- لأنها قدمت من طرف العلامة والشيخ محمد البشير الإبراهيمي.

- لكي يطلع عليها كل خطيب سيجلس على ذلك المنبر ويضع في حسبانه بأنه سيخطب في مكان مر عليه العلامة محمد البشير الإبراهيمي يوما ما ...

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.