فالوارثون لِمَا تركتَ كثيرُ
بقلم: محمد الهادي الحسني-
عنوان هذه الكلمة هو عَجُزُ بيتٍ شعري، وصدرُه هو: “لا تخش ضيعةَ ما تركتَ لنا سدًى”.
والبيت هو من قصيدة لـ”حسَّان الحركة الإصلاحية” و”بلبل الجزائر”، محمد العيد آل خليفة، وقد أنشأ محمد العيد هذه القصيدة بُعيد وفاة الإمام المرتضى عبد الحميد ابن باديس، عندما وقف على قبره يترحَّم عليه.
لم يكن محمد العيد “مدَّاحا” يمدح هذا وذاك تملقا، أو طمعا، أو نفاقا، ولكنه كان “صدَّاحا” بمبادئ الإسلام، مشيدا بالجزائر، وبمن خدمها في أيِّ مجال، خاصة في مجال الدين الصحيح، والعلم النافع… وقد وجد ذلك كلَّه مجسدا في الإمام – الزعيم، عبد الحميد ابن باديس “موقظ الضمائر”، مؤجِّج المشاعر، باعث المفاخر، ومُحيي المآثر.
قد يظن الجاهلون أن هذا الإمام – الزعيم ترك ثروة، فكثُر وارثوه، والحقيقة هي أن هذا الإمام – الزعيم “عاش ما كسب، مات ما خلى” كما يقول شعبُ الجزائر المسلم.
لمن الذي تركه الإمام – الزعيم هو “مشروع” كما يقول الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله في رسالة بعثها لي، وعندما أردت نشرها استأذنتُ الدكتور في ذلك، واقترحت عليه عنوانا لها هو “المشروع المعلق” وقد أذِن بذلك، رحمه الله.
لقد ورث الجزائريون الخُلَّص مشروع الإمام – الزعيم، وعملوا منذ انتقاله من الفانية إلى الباقية، وكانت المرحلة الأولى هي النفور خفافا وثقالا لاستعادة الجزائر إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – وتحريرها من العدو الفرنسي الصليبي، “عدو الإنسانية”، “قاتل الحرية”، “مهين الكرامة البشرية”، “ناشر الأمية”.
وعندما تطهَّرت الجزائرُ من الرجس الفرنسي حكمها من لم يكن أهلا لذلك، “فباع أمنا وهدوًّا، وخِلالا أخوية، وغدوًّا ورواحا في فجاج الوطنية، واشترى لفظا سخيفا ختمُه في النطق كيَّة” كما يقول الإمام الإبراهيمي، وساعده في ذلك من قادوا الجزائرَ إلى “النار”.
وشاء ربُّك أن لا ينطفئ نور “خير جمعية أخرجت للناس”، فعادت في بداية التسعينيات إلى النشاط، ثم أشعِلت الفتنةُ في الجزائر، فخبا نورُ الجمعية، ولكنها لم تنطفئ، ليشعَّ نورُها من جديد في نهاية التسعينيات، وكان من الوارثين لمشروع ابن باديس العلمي، الديني، الاجتماعي فتيةٌ في مدينة غليزان، آمنوا بمبادئ “جمعية العلماء”، فأسّسوا شعبة في مارس من عام 2001. وحققوا انجازاتٍ كثيرة، وكبيرة، وهم عازمون على تحقيق المزيد…
هؤلاء الأساتذة والشبان هم الذين أقاموا حفلا بهيجا، ومعرضا متنوعا بمناسبة مرور عشرين حجة على تأسيس شعبة جمعية العلماء في غليزان وذلك في يوم الجمعة 26-3-2021. وقد أقيم هذا الحفل المتميز في دار الثقافة، وحضره صفوة من أهل غليزان وبعض الإخوة من مناطق أخرى… ومن أجمل ما ذُكِّر به في هذا الحفل “قضيةُ فلسطين” التي أكد الحاضرون أنهم إن لم يتمكنوا من تحريرها فسيورِّثون ذلك لأبنائهم، وللأمة الإسلامية كلها.. وما يوم تحرير فلسطين ببعيد برغم خيانة الخائنين، وطغيان الطاغين، ذلك وعدُ الله، وهو وعدٌ غير مكذوب.