أبو اليقظان الكاتب الإعلامي العميد المصلح
بقلم: محمد الطيب-
الشيخ إبراهيم بن عيسى حمدي، سمى نفسه بـ "أبو اليقظان" بسبب ولعه بإمام الدولة الرستمية الخامس أبو اليقظان محمد بن الأفلح، وإعجابا بعلو همة الإمام كرجل علم ودين ودولة.
الشيخ إبراهيم صحفي، شاعر، مؤرخ، دارس اجتماعي، عالم بالشريعة الإسلامية، ورائد من رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر، ولد بالقرارة بغرداية (وادي ميزاب) في 5 نوفمبر 1888م (1306هـ)، نشأ في أحضان عائلة فقيرة الحال، عاش ربيبا بعد تزوج أمه برجل فقير بعد وفاة والده في العام الموالي من ولادته، كان يتيم الأب ولكنه نشأ مثل أبيه شديدا في الحق وثابتا في السؤدد والمعالي.
حفظ القرآن في سن مبكرة على يد الكتّاب، وتعلم العربية والكتابة والقراءة والعلوم الشرعية على يد الحاج علي بن حمو والحاج إبراهيم بن صالح أبو سحابة وملالي صالح بن كاسي، ثم تحققت أمنيته بدخول دار التلاميذ على يد الشيخ الجليل عمر بن يحيى، ثم انقطع عن الدراسة بسبب الظروف، ورجع إليها على يد الشيخ الحاج محمد بن يوسف اطفيش وتأثر به كثيرا، بعد سفره إلى بني يسجن لإكمال الدراسة، ثم سافر إلى المشرق أولا، ثم إلى تونس ليدرس في كل من الزيتونة والخلدونية في 1912، إنضم إلى الحزب الحر الدستوري التونسي في عام 1920، وتربطه بزعيمه عبد العزيز الثعالبي صداقة شخصية، وبعد ست سنين أصدر جريدة "وادي ميزاب" في 1926 تحرر وتوزّع في الجزائر وتطبع في تونس، وقد أصدر ثماني جرائد ما بين الأعوام 1926 و1938 وهي "وادي ميزاب، ميزاب، المغرب، النور، البستان، النبراس، الأمة، الفرقان"، وأسّس في 1931 كأول وطني جزائري مطبعة وطنية حديثة في الجزائر، وانضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في نفس العام، وانتخب عضوا في المجلس الإداري للجمعية في 1934، ونشر في أكثر من جريدة ومجلة (زيادة إلى جرائده) منها الفاروق والإقدام في الجزائر والمنير والإرادة في تونس والمنهاج في القاهرة.
تفرّغ للتأليف بعد انقطاعه عن الصحافة، ترك للمكتبة العربية والإسلامية أكثر من ستين مؤلفا بين كتاب ورسالة، عدا المقالات والأشعار والمذكرات، في التاريخ والسير والفقه والصحافة والتربية والأدب وغيرها ومنها: "ديوان أبي اليقظان ج1 سنة 1931، وحي الوجدان في ديوان أبي اليقظان (مخطوط)، سليمان الباروني باشا في أطوار حياته، إرشاد الحائرين 1923، الجزائر بين عهدين الاستغلال والاستقلال (مخطوط)، تفسير القرآن الكريم ج1 (مخطوط)، ملحق سير الشماخي (مخطوط)، سلم الاستقامة (سلسلة فقهية مدرسية)، وفتح نوافذ القرآن 1973.."،
قال الشيخ بن باديس 1938 "والشيخ أبو اليقظان المعتذر عن الحضور لقيامه بأعمال ضرورية في نواحي الجنوب، ذلك الكاتب القدير والصحافي البارع الذي ما أصدر صحيفة إلا ختمت أيامها بالتعطيل"، وقال عنه الشيخ محمد خير الدين "جرائد أبي اليقظان، كلما عطلت له جريدة عوضها بأخرى"، وكتب عنه الأستاذ توفيق المدني في مذكراته فقال والشيخ أبو اليقظان عالم جليل، لم يبلغ علم إبراهيم اطفيش، إنما امتاز عنه بدماثة أخلاقه، وصفاء روحه، وتوقد ذهنه، وازدهار قريحته، وتعمقه في الكتابة، ومشاركته في الشعر، ما آذى إنسانا طول حياته، ولا آذاه إنسان، لا يتكلم إلا عن عقيدة، ولا يكتب إلا عن الإيمان، ولا يجادل إلا في سبيل الإسلام وبلاد الإسلام، وقد أظهرت الأيام من بعد أنه مقارع مجاهد، ومقاوم معاند، صرع الإستعمار ولم يصرعه الإستعمار، ضرب بسهم في الجهاد الصحفي والفكري ما لم يبلغ في الجزائر أحد شأوه"،
وهذه الأبيات تعبر عن رأيه شعرا في الصحافة، كعميد الصحافة العربية الجزائرية يقول:
إن الصحافة للشعوب حياة* والشعب من غير لـسان أموات
فهي اللسان المفصح الذلق الذي * ببيانه تتدارك الغايات
فهي الوسيلة للسعادة والهنا * وإلى الفضائل والعلا مرقاة
فيها إلى الأمم الضعيفة ترفـع * الرغبات منه وتبلغ الغايات
هي معرض الأعمال برهان لها * مقداره بل غنها المرآة
ما "ذ الحجاز" و"عكاظ" وما وما * إن ساعات لرواحها الأوقات
الشعب طـفل وهي والده يرى * لحياته، ما لا تراه رعاة
مسار حافل بالإنجازات والتحديات حتى وفاته في القرارة يوم الجمعة 30 مارس 1973م (1393هـ)، عن عمر يناهز 85 سنة، رحمه الله، ونفعنا بعلمه.