البشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس من خلال كتاب العقائد
بقلم: معمر حبار-
اشتريت كتاب: “العقائد الإسلامية” للأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه، رواية وتعليق الأستاذ: محمّد الصّالح رمضان، مقدمة الأستاذ البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه، مكتبة الشركة الجزائرية موزافة بوداود، باب عزون، الجزائر العاصمة، الجزائر، الطبعة الثالثة، 1401 هـ – 1981، من 131 صفحة.
سبق لصاحب الأسطر أن قرأ الكتاب في صغره، ولذلك أعاد شراءه بمجرّد مارآه ليعيد قراءته من جديد، لكن بقراءة القارئ المتتبّع وليس الطفل المقلّد هذه المرّة.
سبق لصاحب الأسطر أن قرأ الكتاب عبر الشبكة العنكبوتية سنة 2018، وفضّل حينها عدم الكتابة، والتعليق اللّهم إلاّ بعض الأسطر حتّى يحصل على النسخة الورقية. وهو مايقوم به الآن.
أوّلا: الأستاذ: محمّد الصّالح رمضان 5-14:
أحسن الأستاذ محمّد الصّالح رمضان حين جمع دروس الأستاذ عبد الحميد بن باديس، باعتباره تلميذا له كما جاء في مقدمته. وأبدع في الهوامش حين قام بالشرح، والرجوع للأصل، واللّجوء لتعريف الشخصيات المختلفة، وإضافة بعض الشروحات عبر مقدمته الأولى للكتاب بتاريخ: الاثنين 2 رجب 1383هـ، الموافق لـ: 18 نوفمبر1963. ومقدمته الثانية للكتاب بتاريخ: شوال 1385هـ ، الموافق لـ: جانفي 1966. وتعمّد صاحب الأسطر أن لايتطرّق لبعض النقاط التي تحدّث عنها الأستاذ محمّد الصّالح رمضان من حيث نقدها وردّها.
ثانيا: للأستاذ عبد الحميد بن باديس 23-128:
قدّم الأستاذ عبد الحميد بن باديس دروس العقيدة في ثوب بسيط، وبسيط جدّا.
لايمكن بحال مقارنة الكتب التي كتبت في العقيدة الإسلامية بشكل عميق جدّا، وهي كثيرة بما كتبه عبد الحميد بن باديس. فهناك فرق كبير، وشاسع.
تساءلت منذ سنوات طوال عن سرّ تسمية الأستاذ عبد الحميد بن باديس كتابه بـ “العقائد الإسلامية” عوض العقيدة الإسلامية، ولم أجد إجابة إلى أن اشتريت من جديد كتابه “العقائد الإسلامية”، وأعدت قراءته.
وضع الأستاذ عبد الحميد بن باديس عناوين لكلّ ركن من أركان العقيدة، وتعامل معها على أنّها “عقائد إسلامية” وليس عقيدة إسلامية، ومنها: عقيدة الإيمان بالله 68-89. عقيدة الاثبات والتنزيه 73. فصل بعنوان: عقائد الايمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام 106-115. فصل بعنوان: عقائد الايمان باليوم الآخر 118-128.
إذن -وفي تقديري- أنّ الأستاذ عبد الحميد بن باديس تعامل مع العناوين الفرعية التي وضعها ونقلها عنه الأستاذ: محمّد الصّالح رمضان على أنّها “عقائد بمفردها” وليس لأنّها تدخل ضمن العقيدة الإسلامية الواحدة. مايوحي للقارئ أنّها “عقائد إسلامية” وليس عقيدة إسلامية.
لاأعترض على الأستاذ عبد الحميد بن باديس استعماله للعناوين، والعناوين الفرعية لكلّ ركن من أركان العقيدة الإسلامية بغرض الشرح، والتوضيح. وأعترض عليه بكونه جعل من العقيدة الإسلامية “عقائد إسلامية”، ومن العناوين الرئيسية والفرعين “عقائد إسلامية” عوض أن تكون من أركان العقيدة الإسلامية.
قسّم الأستاذ عبد الحميد بن باديس التوحيد إلى ثلاثة أقسام. أقول: يتساءل القارئ المتتبّع: أين قرأ ابن باديس هذا التقسيم؟ وأي شيخ درّسه إياه هذا التقسيم؟ وفي أيّ مدرسة لقّن هذا التقسيم؟ والسبب في ذلك أن الأستاذ عبد الحميد بن باديس هو ابن الزوايا[1]، والزوايا لاتقسّم التوحيد. ودرس عند علماء وفقهاء الزيتونة، وعلماء وفقهاء الزيتونة لايقسّم التوحيد. وشيوخ عبد الحميد بن باديس -فيما أعلم- لايقسّمون التوحيد. إذن من أين جاء بتقسيم التوحيد؟.
قرأ صاحب الأسطر الكتاب قراءة القارئ المتتبّع ولم يقف ولو على كلمة واحدة تدلّ على أنّ الدروس ألقيت في العهد الاستدماري، ولم يشر الأستاذ عبد الحميد بن باديس لامن قريب ولا من بعيد للاحتلال الفرنسي للجزائر، وكأنّ الجزائر غير محتلّة.
صاحب الأسطر لايطلب من الأستاذ عبد الحميد بن باديس أن يواجه الاحتلال الفرنسي مواجهة مباشرة، وهو الضعيف ولا يملك لنفسه حولا، ولا قوّة، لكن كان عليه أن يستغلّ دروسه في العقيدة الإسلامية ليتحدّث عن الاحتلال الفرنسي عبر أمثلة -أقول أمثلة-، كأن يقول مثلا: الاستدمار الفرنسي ليس قضاء وقدر، والله تعالى أقوى من الاحتلال الفرنسي. وبهذا يكون قد رسّخ العقيدة الإسلامية، ورسّخ في نفس الوقت رفض الاحتلال الفرنسي دون أن يمسّ في جسده، ويحرم من دروسه، وفي انتظار أن يحين وقت قطف الثمرة.
ثالثا: الأستاذ البشير الإبراهيمي 15-22 :
جاء في مقدمة الأستاذ البشير الإبراهيمي، صفحتي 18-19: “وهذا درس من دروسه ينشره اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة تلميذه الصالـح كاسـمه مـحمد الصالح رمضان: فجاءت عقيدة مُثلى يتعلّمها الطّالب فيأتي منه مُسلمٌ سلفيٌّ، موحِّدٌ لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون الـمسلم السّلفيّ، ويَستَدِلّ على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربّه، لا بقول السّنوسي في عقيدته الصّغرى: أمَّا برهان وُجُوده تعالى فَحُدُوثُ العالَم !”. أقول: يتساءل القارئ المتتبّع عن سرّ استهتار، وحقد الأستاذ البشير الإبراهيمي على علماء الأمّة كسيّدنا السنوسي رحمة الله عليه، ورضوان الله عليه. وكان يكفيه أن يطرح وجهة نظر سيّدنا السنوسي وينتقده، وهذا من حقّه وحقّ كلّ ناقد، باعتبار لايوجد معصوم غير سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ويكون الأستاذ البشير الإبراهيمي بهذا التهكم من علماء المسلمين قد أساء، وأخطأ وما كان ينبغي له أن يسقط في هذا المستنقع رحمة الله عليه.
يهاجم الأستاذ الإبراهيمي وجود المذاهب الفقهية وعلم الكلام، ويعتبرها من أسباب “تفرق المسلمون شيعا حتّى أصبح كلّ رأي في علم الكلام أو الفقه يتحزب له جماعة، فيصبح مذهبا فقهيا أو كلاميا يلتف حوله جماعة ويجادلون. 19”. أقول: أساء الأستاذ البشير الإبراهيمي لأسيادنا أئمة المذاهب رحمة الله عليهم، ورضوان الله عليهم واتّهم بأنّهم سبب الفرقة بين المسلمين، والجدال.
قال عن أسيادنا الفقهاء في صفحة 19: “الفقهاء أصبحوا يستدلون بكلام أئمتهم أو قدماء أتباعهم !”. أقول: وأين المشكلة في فقيه ينقل عن شيخه وقد تعلّم على يديه، وهو ثمرة من ثمراته. وما يجب قوله في هذا المقام، أنّ أسيادنا الفقهاء بقدر ماكانوا يأخذون عن شيوخهم، كانوا في الوقت نفسه يخالفون شيوخهم، ولا يوافقونهم، ويعارضونهم، ولا يأخذون عنهم في مسائل يرون أنّ شيوخهم أخطأوا، وابتعدوا عن الصواب، فيرجحون غيرهم، ويأخذون من غيرهم لأنّهم أقوى حجة، وأقرب للفهم الصحيح. ورحم الله أسيادنا الفقهاء، ورضي الله عنهم وأرضاهم.
ممّا لاحظته أنّ الأستاذ البشير الإبراهيمي يذكر اسم سيّدنا الأشعري رحمة الله عليه، ورضوان الله عليه بالاسم المجرد هكذا “الأشعري” دون لقب يليق بمقامه. ويذكر غيره بالألقاب.
بالغ الأستاذ البشير الإبراهيمي حين اعتبر أنّ العقيدة الإسلامية لم تكن تدرّس وفق الكتاب والسّنة حتّى جاء الأستاذ عبد الحميد بن باديس. وبهذا يكون الأستاذ البشير الإبراهيمي قد ألغى جهود علماء، وفقهاء، وأمّة بأكملها عبر 14 قرنا كتبت في العقيدة الإسلامية، وأبدعت، وتميّزت. مع الاعتراف بما قام به الأستاذ بن باديس في هذا المقام، ويشكر على مجهوداته، ومحاولاته.
رابعا: ثناء وشكر القارىء المتتبّع للأستاذين البشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس:
سبق لصاحب الأسطر أن أثنى على احتفال الأستاذ عبد الحميد بن باديس بمولد[2] سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وسبق له أن أثنى على احتفال الأستاذ البشير الإبراهيمي بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.[3]
وسبق له أن قرأ الكتب التي نقلت عن الأستاذ البشير الإبراهيمي، ومنها: “رسالة الضّب”[4]، و”التراث الشعبي والشعر الملحون في الجزائر”[5]، و”رحلتي إلى الأقطار الإسلامية[6] “، وكتاب: ” صوت الإمام الابراهيمي في الثورة، أحاديث الإمام عن الثورة في إذاعة صوت العرب[7]”.
وقرأ له صاحب الأسطر كتب أخرى، لكنّه لم يتطرّق إليها لحدّ الآن، وهي: “في قلب المعركة”، وكتاب “عيون البصائر”.
خلاصة:
رحم الله الأستاذ عبد الحميد بن باديس، ورحم الله الأستاذ البشير الإبراهيمي.
الهوامش:
[1] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” ابن باديس.. إبن الزوايا الجزائرية“، وبتاريخ: الإثنين 20 رجب 1438، الموافق لـ 17 أفريل 2017.
[2] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” المولد النبوي الشريف.. إحتفال ابن باديس بالمولد”، وبتاريخ: الأربعاء12 صفر: 1436 هـ الموافق لـ: 23 ديسمبر 2015.
[3] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” أمير البيان محمد البشير الإبراهيمي يحتفل بالمولد النبوي”، وبتاريخ: الثلاثاء06ربيع الأول 1438، الموافق لـ 06ديسمبر 2016 .
[4] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” قراءة لرسالة الإمام الإبراهيمي”، وبتاريخ:الأربعاء: 26 صفر 1434 هجري الموافق لـ: 09 جانفي 2013.
[5] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” محمد البشير الإبراهيمي من خلال الشعر الملحون في الجزائر”، وبتاريخ: الأحد01 رمضان 1437، الموافق لـ 06 جوان 2016.
[6] للزيادة راجع من فضلك منشورنا عبر صفحتنا بعنوان: الأستاذ البشير الإبراهيمي بالعراق، الأحد 4 محرم 1442 هـ الموافق لـ 23 أوت 2020 .
[7] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ”الأديب البشير الإبراهيمي والثورة الجزائرية“، وبتاريخ: الأحد27 شعبان 1439 هـ الموافق لـ 13 ماي 2017 .