وفاة عميد الجغرافيين الجزائريين: الدكتور عبد القادر حليمي!
بقلم: أ.د. مولود عويمر-
مات أستاذنا القدير والعطوف، عميد الجغرافيين الجزائريين الدكتور عبد القادر حليمي يوم 12 نوفمبر 2020 عن عمر ناهز 88 سنة.
ولد عبد القادر حليمي بأولاد موسى (ولاية بومرداس حاليا) في عام 1932. كان مزدوج التعليم فقد درس اللغة العربية وحفظ القرآن في زاوية سيدي سالم الواقعة بقرب سد قدارة ببودواو. وانتسب أيضا إلى المدرسة الفرنسية فأتقن لغتها ودرس فيها العلوم العصرية.
واصل دراسته في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بقسنطينة وجامع القرويين بفاس (المغرب) وجامع الزيتونة بتونس ثم جامعة القاهرة. وبعد الاستقلال أتمّ دراساته العليا في كندا حيث تحصل على شهادة الدكتوراه في علم الجغرافية.
عاد الدكتور حليمي إلى أرض الوطن واستقر في مدينة الجزائر التي أحبها وخصها بعدة دراسات. اشتغل بالتعليم فدرّس علم الجغرافية في معهد الجغرافية وعلوم الأرض بجامعة باب الزوار، ومعهد التاريخ بجامعة الجزائر والمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة.
وكنت واحدا من طلبته بمعهد التاريخ لمدة سنتين (1987-1989)، وما أزال أتذكر شكله وحركاته وبسمته وتواضعه وحرصه على تقديم محاضرته بشكل جذاب ومبسط يفهمها كل الطلبة ويتفاعلون معها وينسون بذلك تعقيدات بعض المدرسين المطبقين لهذه المادة "الثانوية"بالنسبة طلبة التاريخ.
وفي مجال التأليف، نشر هذا العالم الجزائري مجموعة من الكتب أذكر منها: "جغرافية الجزائر" (1968)، "جغرافية المغرب العربي" (1969)، "مدينة الجزائر نشأتها وتطورها قبل 1830" (1972)، و"مدخل إلى الإحصاء" (1985) الذي أصبح مرجعا أساسيا لطلبة الجغرافية والعلوم الاقتصادية.
وأبدع الأستاذ حليمي في مجال الجغرافية الطبيعية وأصدر في هذا المجال عدة كتب مثل "الفضائل المروية فى الأعشاب الطبية" (1996)، و"النباتات الطبيعية في الجزائر" (2004)، ونشر أيضا عدة دراسات في هذا الموضوع، وأذكر هنا على سبيل المثال مقاله الرائع حول "تلوث البيئة" الذي قدم فيه تعريفا دقيقا لمصطلح التلوث، ودرس مصادره، وبيّن آثاره ومخاطره على الإنسان والحيوان والبيئة والاقتصاد.
ولا شك أنه لو وجد الدعم الكامل لأنجز موسوعة في هذا المجال المعرفي الذي نحن في حاجة ماسة إليه في عصرنا الراهن الذي يولي فيه العالم إهتماما كبيرا لمسألة البيئة التي تتعرض باستمرار لمخاطر كثيرة وتهدد مستقبل الكون والتي لخصها في قوله: "سيحل الخراب محل العمران عندما تتشبع الأرض وجوّها بالتلوّث الذي لا يؤثر على الإنسان فقط بل كذلك على الحيوانات والنباتات وعلى المظاهر الاقتصادية بصفة عامة حيث يؤدي إلى انخفاض المردود الحيواني والنباتي والصناعي". ويؤكد هذه الأفكار في مقاله القيم حول "الإنسان والغذاء والطاقة".
واعترافا بنبوغه في هذا المجال المعرفي، استعانت بخبرته بعض المؤسسات والوزارات لذلك عيّن على سبيل المثال عضوا في الوكالة الوطنية للحفاظ على الطبيعة، ومحررا لتقريرها السنوي.
كما ترجم الدكتور حليمي إلى اللغة العربية كتاب "الجغرافية الحضرية" للعالمة الجغرافية الفرنسية جاكلين بوجو-غارنيه. وقد استفاد منه الطلبة والباحثون في الجغرافية وكذلك المشتغلون بمجال العمران وأخص بالذكر المهندسين المعماريين. وعرّف ببعض الكتب في التراث الجغرافي عند المسلمين مثل كتاب الجغرافية لإبن سعيد المغربي.
ونشر كذلك مجموعة من الدراسات والمقالات حول تاريخ العلوم عند المسلمين ، وقضايا إجتماعية –وثقافية مثل مسألة التعريب الجامعي الذي دافع عنه بقوة، والانتماء الحضاري للمجتمع الجزائري الذي يجب أن يتمسك –في نظره – بمقوّماته الأصيلة ثم يتفتح على الحضارات الأخرى خاصة في المجالات التي تدعّم مسيرته التحررية وأهدافه التنموية.
لقد ساهم الأستاذ حليمي في نشر الثقافة الجغرافية من خلال محاضراته خارج الجامعة، وأذكر هنا على سبيل المثال محاضرته القيّمة التي ألقاها في عام 1974 بالمركز الثقافي الإسلامي بالجزائر العاصمة حول "ما وصل إليه العلم في ميدان الأشعة الشمسية". كما شارك في ندوات تاريخية معالجا موضوعاتها من زاوية البحث الجغرافي الذي يبقى دائما مساعدا للبحث التاريخي.
كان أستاذنا المخلص والعطوف الدكتور عبد القادر حليمي مدرسة في العلم والأخلاق الرفيعة، وقدوة في الجد والتضحية وحب الوطن، فتغمده الله بواسع رحمته ورضوانه.
* أ.د. مولود عويمر- أستاذ تاريخ الفكر المعاصر بجامعة الجزائر 2