محمد الهادي السنوسي الزاهري (1902م-1974م)
بقلم: د. جميلة غريّب-
هو محمد الهادي بن علي بن محمد بن العابد بن محمد السنوسي الزاهري نسبة إلى جده الأكبر “أبي زاهر” الحسني نسبة إلى الحسن السّبط رضي الله عنه، على ما هو متواتر، يرويه كابر عن كابر، بحارة آل السنوسي، في ربيع الأول سنة 1320هـ، باليانة وهي قرية من قرى الزاب الشرقي بسكرة، واليانة أقرب إلى خنقة سيدي ناجي منها إلى بسكرة، وبالتاريخ الميلادي في عام 1902م بدون تحديد لليوم والشهر، وقد حدد محمد الهادي السنوسي في رسالة بخطه وجهها إلى مدير التعليم الثانوي بوزارة المعارف بالجزائر -يطلب فيها منصبا في التعليم- تاريخ اليوم والشهر بــ 13 جوان 1902م.
نشأته:
ترعرع السنوسي في عائلة شريفة وعريقة وحريصة على حفظ القرآن الكريم وطلب العلم، الذي ورثه على والده الذي كان شغوفا بحبه للعلم. ولما كان الأمر كذلك؛ بعث به إلى قسنطينة حاضرة العلم آنذاك، وهو ابن الخامسة عشر من عمره، فلقي معارضة شديدة من أقربائه ما رأوا من صغره، وعدم تجلده في الاغتراب، فما أقام- والده- لمعارضتهم من وزنا. توفي والده قبل أن يشتد عليه ساعده، وتحفزت الأيام عليه- كما يقول- لولا شقيقه سيدي العابد الذي ما ادخر عزيزا إلا وكان به عليه جواد.
اقتسم تربيته والده وجده وجدته لأمه؛ عني والده بتربيته الروحية فأدخله الكتاب القرآني، ونظرا لما كان يعانيه من مرض كان يعاوده، ونظرا لما كان عليه من ضعف بنية؛ رأى والده أن يتولى قراءته وتحفيظه الذكر الحكيم بأسلوبه الخاص، مع شيء من الشعر العربي مع شرح بسيط يقنع مثلي إذّاك.
وأما تربيته الذاتية فأكثر من تولاها جده لأمه وجدته لأمه.
طلبه للعلم:
بعد أن أتم القرآن أرسله والده في طلب العلم، ولحسن حظه أن كان ابن باديس ابن باديس رائده الأمثل في هذا الدرب، حيث تلقن عنه مدة سبع سنوات؛ أي من 1918م إلى 1925م. مما هداه إلى المنهج القويم في العقيدة وفي الفكر وفي نظرته للحياة والناس، فساعده ذلك على الخروج مما كان مُنغمسًا فيه من أجواء بيئته الصُوفية.
تمنى الاستزادة من طلب العلم والارتحال إلى مصر سنة 1923م حيث مقر الجامع الأزهر الشريف، والجامعات المصرية الحديثة، والمشاهير من العلماء والادباء والمفكرين؛ لكن الاستعمار وقهره حال دون بلوغ غايته وتحقيق آماله، فغدى مناضلا كبقية زملائه تحت لواء الشبيبة الجزائرية بقسنطينة.
استهل الهادي السنوسي نشاطه الإصلاحي في مدينة بسكرة في (أوائل العقد الثالث من القرن العشرين) إلى جانب بعض المصلحين الرُواد الذين كان يقود موكبهم الشيخ الطيب العقبي، ثم أصدر ابن باديس جريدتيه: المنتقد، فالشهاب سنة 1925، فأصبح الهادي السنوسي واحدًا من المُحررين بهما، ويقوم إلى جانب ذلك بالتجوال في أرجاء البلاد لفائدتهما، معرفا بأهدافهما، داعيا إلى ما يدعوان إليه من نهضة وتحرر ، وإصلاح ووطنية. ثم إنه من بين المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأحد أعضائها العاملين، فأوفدته هذه الجمعية في إطار مشروعها الدعوي الإصلاحي إلى فرنسا ليسهم إلى جانب بعض شيوخها في عملية الوعظ والإرشاد والتوجيه والتكوين بين المغتربين.
كان إلى جانب نهوضه بهذا العمل الإصلاحي ينشط في حقل التربية والتعليم، فكان مُدرسًا في عدة مُدن تأتي الجزائر العاصمة في مُقدمتها، حيث كان مُعلمًا سنة 1928 بمدرسة (الشبيبة الإسلامية الجزائرية) فمديرًا لها، ثم باشر هذه المهمة في الثلاثينات بمدينة تلمسان، ثم بمدينة سيدي بلعباس، وكلتا المدينتين من مدن الغرب الجزائري، وقد استقر بهذه المدينة الأخيرة سنين كان يزاوج فيها بين التعليم في مدرستها، وبين الوعظ والإرشاد في مسجدها، وبها تعرض لبعض الملاحقات من طرف البوليس الفرنسي، وبعض الضغوطات من محيطه، مما اضطرّهُ إلى أن يُوقف نشاطه في هذا الميدان ، ويشتغل بعض الوقت بالتجارة ليلتحق من بعد في الخمسينات بالعمل في الإذاعة .
يؤكد كل من الأستاذ محمد الصالح رمضان، وحمزة بكوشة؛ تعليم الهادي السنوسي مع الشيخ البشير الإبراهيمي في تلمسان، قبل بناء مدرسة دار الحديث.
شيوخه:
شكل عبد الحميد بن باديس نقطة محورية في حياة محمد الهادي السنوسي؛ حيث عد الوحيد الذي لم يذكر غيره في ترجمة حياته. تعلم منه قرض الشعر، ودرج على مواجهة الجمهور وهو يلقي القصيدة على مسامع الحاضرين في الحفلات الحاشدة، وشخصيته المتفتحة التي ترفق الإقصاء والتمييز العنصري؛ جعلت من قلمه سيالا ومن رأيه كِلّاما فكان من الأقلام السياسية الواعدة بغد أفضل للجزائر.
لكن يذكر حمزة بكوشة في مقال له بمجلة الثقافة العدد24السنة4 ص101؛ أن محمد الصالح رمضان علّم الهادي السنوسي مع الشيخ البشير الإبراهيمي في تلمسان قبل بناء دار الحديث وبعد ذهاب زهير الزاهري إلى وهران.
أما محمد ناصر( في كتابه الصحف العربية الجزائرية من 1847م إلى 1939م) وفوزي مصمودي( في كتابه الأديب الباحث عميد الملتقيات الوطنية الشيخ زهير الزاهري اللياني، ص26) فيذكرا أن من المشرفين على الشيخ الهادي السنوسي؛ العلامة الشيخ الطيب العقبي زعيم الإصلاح في منطقة الزيبان، والمحامي محمد الأمين العمودي.
كتاباته:
إن نفس محمد الهادي السنوسي التواقة للعلم والتعليم لم تعرف الراحة إلا قبل وفاته بثلاث سنوات. تميز قلمه بغزارة الكتابة، قلم لم يعرف الهوادة، وقلبه مفعم بالنشاط العلمي والتربوي قبل وبعد الاستقلال، حيث استمر في مهنة التدريس إلى غاية 1971م.
تنوعت كتاباته بين دراسات ومقالات، وكذا قصائد شعرية منشورة في مجلة الشهاب والمنتقد، وكذا بجريدة النجاح حيث كان يُوقع شِعره في الصحف بإمضاء (شاعر المنتقد)، وهي أول صحيفة أصدرها ابن باديس، ومجلة هنا الجزائر التي كانت تصدر عن دار الإذاعة الفرنسية بالجزائر(1952-1962).
فالسنوسي ليس له ديوان مطبوع يضم شعره، ولا كتاب منشور يشتمل على نثره، ولا يزال معظم ذلك مبثوثاً في أحضان الصحف الوطنية التي كان يتجول في أرجاء الوطن مروجًا لها. كما كانت له مساهمات في تأليف سبع تمثيليات إذاعية منها “هجرة الرسول”، “زواج بوران” و”الزواج بالرضا” وغيرهم .
إذن؛ فليس له من الأعمال المنشورة خارج إطار الصحف والمجلات سوى بعض النصوص الشعرية والنثرية في بعض المراجع، أو كتابه الشهير (شعراء الجزائر في العصر الحاضر)، الذي طبع في جزأين بتونس عامي1926م-1927م على التوالي. وهو من المصادر الأساسية التي لا يمكن لأي باحث ودارس للأدب الجزائري المعاصر، وخاصة الشعر أن يستغني عنه، أو يتجاوزه. وقد جمع فيه تراجم لبعض شعراء مرحلة النهضة في الجزائر، وبعض المختارات من شعرهم. وقد لقي الكتاب حينها رواجا كبيرا، وتم الاحتفاء به وبصاحبه- أنذاك- ونظم على شرفه حفل تكريم بمسجد بكار ببسكرة في 04 فيفري 1927م. ونذكر-أيضا- من أعماله على سبيل الحصر ما يلي:
1- المقالات والدراسات:
– قصيدة في رثاء فقيد العلم والأدب المولود الأزهر، جريدة النجاح، العدد201، 27مارس 1925م
– قصيدة مهداة إلى مفتي الجزائر فضيلة الأستاذ مولاي أبي القاسم الحفناوي مفتي الديار الجزائرية، جريدة النجاح، العدد 2015، 02 جويلية 1925م.
– الحكومة وأبناء الزوايا، مجلة الشهاب، عدد: 63، صفحة 11-18،الموافق لـــ18 أكتوبر 1926م.
– قصيدة ” إن الحياة هي حظوظ “، جريدة الشهاب، العدد87، 10 مارس 1927م
– في المجتمع الجزائري مأساة ومواساة، مجلة هنا الجزائر، عدد 12، صفحة: 4،سنة 1952م.
– ثورات ضائعة، مجلة هنا الجزائر، عدد:10، صفحة: 1، سنة 1953م.
– بين القديم والجديد، مجلة هنا الجزائر، عدد12، صفحة: 1، سنة 1953م.
– التفاتة إلى الماضي، مجلة هنا الجزائر، عدد: 44، صفحة:3، سنة 1956م.
2- القصائد الشعرية:
– قصيدة “على عتبة العام الجديد”، مجلة هنا الجزائر، عدد:9، صفحة: 8 سنة 1953م.
– قصيدة ” متيجة”، مجلة هنا الجزائر، عدد:32، صفحة: 9، سنة1955م.
– قصيدة ” وجه الربيع”، مجلة هنا الجزائر”، عدد 34، صفحة:4، سنة1955.
– قصيدة “رأس السنة الهجري”، مجلة هنا الجزائر، عدد:79، صفحة 5، سنة 1959م.
ومقالات أخرى عديدة كلها ما بين عام 1926م و1928م.
اعترافات:
يقول عنه زميله في التعليم الأستاذ محمد الصالح رمضان:” الأستاذ محمد الهادي السنوسي الزاهري: كاتب وشاعر وخطيب ممتاز…وبذ أقرانه بذكائه وحرصه على الدرس والتحصيل والمطالعة الحرة، فتمت معارفه وتفتحت مداركه… وقال الشعر في صباه ونبغ فيه…وتلمح على شعره بصره بالأسلوب وامتلائه باللغة.
ويقول عن شاعريته الشاعر التونسي الشاذلي خزندار: “
شاهدتكم في سجل الشعر مهتديا لصفوة النجباء منكم بهاديها
لا غرو إن كنت في ظل الأخوة قد أصبحت أحدو بأشعاري وأزجيها
أما السائحي ناشر كتاب” محمد الهادي السنوسي الزاهري فقد قال في تقديم الكتاب في شخص محمد الهادي السنوسي ما يلي: ” هو أحد أولئك الرواد الذين أضاؤوا بأدبهم الوهاج دروب الوطنية الموحشة غبان الاستعمار، ودووا بأصواتهم المجلجلة وديانها السحيقة…”
” علم من أعلام الإصلاح وطود شامخ في سماء الأدب الجزائري ورائد من رواده، بل وأول جامع له- أو لبعضه- حين جمع مختارات من شعره وشعر معاصريه بين دفتي كتاب…”
أما عن زميله الأستاذ حمزة بكوشة فيقول فيه: ” وهو من بواكير الحركة بالجزائر، وقد شارك فيها بأدبه، وشعره، وخطبه، فكان شاعرها العبقري، وخطيبها المصقع، وأديبها الألمعي، ومن أوائل معلمي مدارسها الحرة، فكان المعلم الناجح” .
إن كتاب شعراء الجزائر في العصر الحاضر، لا يقل أهمية عن كتاب مبارك الميلي بالنسبة لتراث الجزائر المطموس من طرف الآلة الاستعمارية الفرنسية، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار فضل السبق الذي كان من نصيب الزاهري، الذي فضّل الاتكال على ذاته وإمكاناته، فله من الجزائر وكل الجزائريين، رغم التأخر هذا كل آيات الشكر والتقدير والعرفان، ولو بعد زمن طويل.
وفاته:
أصيب السنوسي بشلل نصفي، جعله حبيس المنزل لمدة أربع سنوات، إلى أن وافاه أجله ليلة الجمعة الثاني عشر من رمضان عام 1393هـ، الموافق للرابع من أكتوبر 1974م، وكان دفنه بمقبرة القبة بالعاصمة…عليه رحمة الله.
المصادر:
– عبد الله حمادي، محمد الهادي الزاهري السنوسي-شعراء الجزائر في العصر الحاضر- ج1+ج2، دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، قسنطينة، الجزائر2007م.
– عبد الحليم غنام، محمد الهادي السنوسي الزاهري، منشورات السائحي- الجزائر- الطبعة الأولى، 2007م.
– محمد الصالح رمضان، وشاهين، النصوص الأدبية، النهضة الجزائرية، ط2، 1965م، ج1.
– فوزي مصمودي، الأديب الباحث عميد الملتقيات الوطنية الشيخ زهير الزاهري اللياني( صفحات من حياته، ونضاله، ومواقفه، وآثاره) دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، ط1، 2004م، 1425ه.