محمد بن العابد الجلالي المجاهد الشاعر الأستاذ الفقيه
بقلم: محمد الطيب-
مؤسس القصة القصيرة في الجزائر، إبن عبد الله السائح بن سيدي يوسف بن السماتي، وأمه لالة خديجة بنت محمد بن الزروق بن الشيخ السماتي، وغلب عليه لقب محمد بن العابد الجلالي.
ولد بأولاد جلال ببسكرة 1890، حفظ القرآن الكريم على يد أبيه الذي كان إماما وشاعرا، ثم تلقى الفقه والنحو والحديث عن الشيخ عبد الحفيظ بن الشريف السماتي، وأخذ دروس البلاغة والأدب عن الشيخ مصطفى مبروكي، حاول السفر إلى المشرق العربي لكن ظروف لم تتح له الفرصة، فمكث في قريته يقرئ صبيانها القرآن.
انتقل بعدها سنة 1920 إلى قسنطينة وتتملذ فيها ولازم الشيخ بن باديس، وقد انتدبه في 1925 للتدريس بالمدرسة الحرة بالعلمة، ثم عندما تأسست مدرسة التربية والتعليم الإسلامية الحرة بقسنطينة في 1930 اختاره كمدرس وامتد عمله فيها حتى 1943، ومما كتبه عنه الشيخ الإبراهيمي: "الأستاذ من قدماء تلامذة الشيخ بن باديس ومن بواكر النهضة الأدبية، أديب مشرف على الكمال، كاتب جزل الأسلوب، متين التراكيب، وفيّ للقواعد المقرّرة، مشرق الديباجة، سلس المعاني، وصّاف لخفايا النفوس ومساوي الاجتماع، شاعر رصين الشعر على إقلاله منه، باشر تعليم النشء الصغار من سنين، فحذق أساليبه وتمرّس به، فاكتسب الدؤوب والصبر والجلد، وله في تربية الصغار وتحبيب العلم إلى نفوسهم طرائق نفسية هو فيها نسيج وحده، وهو الآن من الأعوان المعتمدين للشيخ ابن باديس على التعليم "، وأضاف الأستاذ مالك بن نبي عن مدرسه: ".. وكان لهذا الاتجاه أن يأخذ بي أبعد من ذلك، لولا دروس الشيخ مولود بن موهوب في التوحيد وسيرة النبي وتلك التي للشيخ بن العابد في الفقه، فقد كانت هذه مذكّراً قوياً يعود بروحي إلى الطريق الصحيح".
وبعد عودة الشيخ الإبراهيمي من المنفى وتوليه الجمعية أوكله مهمة التدريس في مدرسة التربية والتعليم ببسكرة وبقي فيها من 1943 إلى 1947 مديرا ثم معلما، ثم تحول إلى مدرسة عين مليلة التي كان يديرها الشاعر محمد العيد آل خليفة ليمكث فيها من 1947 إلى 1954، فالتحق بالجبال بعد اندلاع الثورة المباركة وما لبث أن ألقي القبض عليه بالهرية بنواحي الخروب، وقدم للمحاكمة مع رفاقه، وحكم عليه بعشر سنوات سجنا فأمضى أولها في سجن الكدية، ثم نقل إلى سجن البرواقية حيث لقى العذاب الأليم، وكتب عنه المجاهد عيسى كشدة: "الشيخ بن العابد رجل تقي ومحترم، عمل مدرسا في إحدى المدارس في عين مليلة، وكان بوضياف وبن بولعيد وبن مهيدي يزورونه في كل مرة يمرون على الناحية، كانوا يكنون له احتراما كبيرا، التحق بالجبل رغم أنهم نصحوه بأن يلزم بيته، وأن يساعد الثورة بطرق أخرى، لكنه أصر حمل البندقية لإخراج المستعمر، بعد الاستقلال عاد إلى إدارة مدرسة عين مليلة لمدة ثلاث سنوات ليتوقف نشاطه الإصلاحي والتربوي سنة 1965، ومن أثاره سبع قصص قصيرة نشرها في جريدة "الشهاب" منها: "في القطار، السعادة البتراء، الصائد في الفخ، أعنّي على الهدم أعنك على البناء.."،
يعتبر مؤسسًا للقصة القصيرة في الجزائر، وله مسرحية في أربعة فصول بعنوان: "مضار الجهل والخمر والحشيش والقمار"، وله عدد كبير من المقالات التي يتناول فيها موضوعات وطنية واجتماعية وتربوية وسياسية كان ينشرها في جريدة "الشهاب" والجريدة الأدبية الأسبوعية التي أصدرها رفقة صديقه أحمد بوشمال وأسمياها "أبوالعجائب"، وله كتاب بعنوان: "تقويم الأخلاق"، كما كتب القصيدة العمودية وجدد في موضوعاتها وأساليبها، والنشيد هو الأكثر حضورا في شعره، ويغلب عليه طابع النصح والسمت التعليمي والنزعة الوطنية.
ظل نشيطا منتجا مرشدا حتى وفاته يوم الخميس 2 فيفري1967، وعمره يناهز 77 سنة، وشيعت جنازته بعد صلاة الجمعة في محفل مهيب حضره وفود من الزيبان، كما شاركت وزارتا التربية الوطنية والأوقاف بوفود رسمية جاءت من العاصمة وقسنطينة، ودفن في مقبرة أولاد جلال مع أسلافه، رحمه الله، ونفعنا بعلمه.