العربي التبسي.. قاوم الاستعمار الفرنسي لبلاده فأذابه بالزيت المغلي

بقلم: عباس ميموني-

الشيخ العربي التبسي كان عالما فقيها في علوم الدين، جمع بين النشاط العلمي والدعوي والتعبئة للجهاد "الكفاح"، إبان ثورة التحرير (1954-1962)، ضد فرنسا التي لجأت إلى تصفيته برميه في قدر زيت مغلي، لإسكات صوته.

استعادت الجزائر في الأيام القليلة الماضية بعض جماجم قادة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، إلا أنها لا تزال تجهل مكان العديد من الضحايا، وعلى رأسهم العالم الشهير العربي التبسي الذي قتل بطريقة بشعة جدا.

الشيخ العربي التبسي كان عالما فقيها في علوم الدين، جمع بين النشاط العلمي والدعوي والتعبئة للجهاد "الكفاح"، إبان ثورة التحرير (1954-1962)، ضد فرنسا التي لجأت إلى تصفيته برميه في قدر زيت مغلي، لإسكات صوته.

المولد والنشأة

في قرية أسطح، جنوب غرب محافظة تبسة (أقصى الشرق الجزائري) الحدودية مع تونس، ولد الشيخ العلامة العربي التبسي، واسمه الكامل، العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات جدري في الفاتح يوليو/تموز من عام 1891، ولقب بالتبسي نسبة إلى مدينته تبسة.

وحسب أرشيف جمعية العلماء المسلمين التي كان من أبرز قادتها فيما بعد، ينحدر العربي التبسي من أسرة فلاحية لكنها متدينة، "فأبوه وجده من حفظة كتاب الله، ومدرسيه عالمين بالدين واللغة العربية".

حفظ العربي التبسي، القرآن الكريم على يد والده، ليلتحق عام 1907، بزاوية سيدي ناجي بمنطقة الأوراس (شرق الجزائر)، ومنها بعد ثلاث سنوات انتقل إلى تونس، وبالضبط إلى زاوية مصطفى بن عزوز الشهيرة حيث اتقن علوم الفقه والأصول والمنطق واللغة العربية والأدب.

نباهته واجتهاده، أوصلاه إلى جامع الزيتونة بتونس، الذي التحق به سنة 1914، حيث نال شهادة الأهلية.

بعد سبع سنوات التحق العربي التبسي بجامع الأزهر الشريف حيث واصل تعليمه، لينال شهادة العالمية ثم عاد إلى تونس سنة 1927 لينال شهادة التطويع المؤهلة لمزاولة مهنة التدريس.

العودة إلى الجزائر

بعد 17 سنة من الغربة، عاد العربي التبسي إلى بلده الجزائر، وبالضبط إلى قريته حيث اتخذ من مسجد صغير مركزا لنشاطه التعليمي والدعوي، ومنه إلى مسجد المحافظة الأكبر، وبه بدأت أولى صداماته مع الاستعمار الفرنسي، حيث ضايقته السلطات الاستعمارية وضيقت عليه فعاد إلى مسجده الأول.

داع صيت العربي التبسي، وكان من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي قادت عملية إصلاحية عميقة خلال الفترة الاستعمارية.

وتوجهت إليه الأنظار لشغل الفراغ الذي خلفته وفاة العلامة عبد الحميد ابن باديس (1940)، وتولى رئاسة الجمعية نيابة عن الشيخ البشير الإبراهيمي سنة 1952، وأسندت له قبل هذا التاريخ مهمة رئاسة معهد عبد الحميد ابن باديس بمحافظة قسنطينة (شرق)، إلى غاية إغلاقه من قبل الاستعمار الفرنسي سنة 1956.

حربه على الاستعمار

دعا العربي التبسي، إلى الجهاد (الكفاح) ضد الاستعمار الفرنسي منذ عودته إلى الجزائر سنة 1927، حيث عرف بكرهه الشديد لفرنسا، وينقل عنه قوله: "من عاش فليعش بعداوته لفرنسا، ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر".

وقال عنه المؤرخ محمد الأمين بلغيث في إحدى المحاضرات: " أهله في تبسة معروفين بالشدة، فأخذ منهم هذه الصفة".

سجن العربي التبسي لمدة 6 أشهر خلال الحرب العالمية الثانية، بتهمة التحريض والتآمر مع الألمان ضد الدولة الفرنسية.

وأعيد اعتقاله بنفس التهمة في مظاهرات 08 مايو/آيار 1945، وأفرج عنه سنة 1946 في إطار عفو عام أعلنته السلطات الاستعمارية.

اشتدت مواقفه المناهضة لفرنسا، حيث أفتى عقب اندلاع ثورة التحرير في الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بأنّه "لا يجوز لأيّ مسلم بدون عذر أن يتخلف عن الجهاد".

مشاركته في الثورة

انتقل العربي التبسي، سنة 1956 إلى الجزائر العاصمة، حيث واصل عمله الدعوي والتعبوي ضد الاستعمار الفرنسي من حي بلكور الشهير.

دعمه الكبير للثورة بالتوعية وجمع الأموال، جعله هدفا لبطش الاستعمار، وخوفا على حياته نصحه أحد كبار قادة الثورة عبان رمضان، بمغادرة الجزائر، فرد عليه الشيخ: " إذا خرجنا كلنا من الجزائر فمن يبقى مع الشعب".

وينقل موقع جمعية العلماء المسلمين، عن الدبلوماسي الجزائري الأسبق والمجاهد صالح بن القبي " أن بن يوسف بن خدة (أحد كبار قادة الثورة)، سلمه جواز سفر، وأمره أن يذهب به إلى العربي التبسي الذي كان يسكن بالقصبة من أجل أن يغادر البلاد، نظرًا للخطر الذي يحدق به، فرفض الشيخ العربي التبسي استلام الجواز، فأرجعه إلى بن خدة".

ومن أقوال العربي التبسي : "لو كنت في صحتي وشبابي، ما زدت يوما واحدا في المدينة، أُسرِع إلى الجبل، أحمل السّلاح وأقاتل مع المجاهدين".

الاختطاف والاغتيال

أمام تصلب موقفه المعادي للاستعمار وبعد فشل كل محاولات إسكات صوته، اقتحمت فرقة من المظليين من الجيش الفرنسي منزله ليلا، يوم الخميس المصادف لـ 04 أبريل/نيسان من سنة 1957، واقتادته من فراشه بوحشية دون مراعاة كبر سنه ومرضه إلى وجهة مجهولة.

وذكرت جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين يومها، أن الجنود الفرنسيين اقتادوا "الشيخ حاسر الرأس حافي القدمين، والمفاجأة كانت في اليوم التالي عندما سئل عنه في الإدارات الاستعمارية حيث تبرأت كلها من وجوده عندها أو مسؤوليتها عن اختطافه".

اختفى الشيخ العربي التبسي من يوم اختطافه، ولا يزال قبره مجهولا لغاية اليوم.

ومن أشهر الروايات على اغتياله، أن السلطات الاستعمارية، وضعته في قدر معبئة بزيت السيارات والإسفلت، ووضع على النار لدرجة الغليان وخير بين وضعه داخل القدر أو التراجع عن دعم الثورة، فاختار الشهادة.


المصدر: الأناضول

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.