أحمد رضا حوحو وعبد المجيد الشافعي

بقلم: شريبط أحمد شريبط-

يتوفر الأدب الجزائري الحديث على مجموعة من التجارب الأدبية، كان لها الفضل الكبير في تشكيل ''جدارية'' الأدب الجزائري لمختلف أشكاله، وتنويعاته، ومستوياته الجمالية والموضوعاتية أيضا؟ (01) ولعل تجربة الأدب الجزائري الذي رحل عنا مبكرا، رمضان حمود (1906م - 1929م) تعد من أفضل التجاري الأدبية الأولى التي دعت إلى التجريب وتغيير بنية القصيدة العربية التي ظلت الشكل الفني الرسمي للوجدان العربي منذ العصر الجاهلي وإلى غاية نهاية أربعينات القرن العشرين.

كما تدل هذه التجربة المبكرة والرائدة في تاريخ الأدب العربي الحديث على جرأة الكاتب الجزائري لاقتحام فضاءات جديدة في مجال الإبداع والتميز عن منجز السلف، ولوامتدت حياة الأديب رمضان حمود قليلا (والأعمار بيد الله) لأتى من القول ما لم يأتي به الكثير من معاصريه انجازا وتنظيرا حيث يحوز جرأة أدبية قل مثلها في زمنه.

وقد حمل بعض عناصر تجربته هذه، مقاله الشهير: ''حقيقة الشعر وفوائده«(2) الذي نشره في جريدة الشهاب عام ,1927 ويدل هذا المقال الذي نشر في جريدة اصلاحية محافظة على رجاحة وسعة عقل وصدر المفكر الإمام عبد الحميد بن باديس فهو - ودون ريب - قد كان مطلعا على حركية وتفاعل الشعر العربي وتوقه الشديد إلى حرية أكثر، حتى وإن أدت إلى ''نسف'' بنية القصيدة العربية التي كادت تتحول إلى »هبل« جديد

يتضمن هذا المقال: ''حقيقة الشعر وفوائده'' جملة عناصر تجديد الشعر العربي التي دعا إليها الشاعر رمضان حمود، وقد تلخصت في رأينا في مسألتين جوهريتين.

1- دعوته لتجديد هيكل القصيدة العربية، والتي بقيت محافظة عليه لمدة قرون، تمتد من العصر الجاهلي وإلى غاية عهد نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، ونزار قباني، وصلاح عبد الصبور، وأبو القاسم سعد الله، ومحمد الفيتوري« وغيرهم.

وتبين الشواهد التالية بعض مفاصل نظريته الشعرية الجديدة وقد عبر عنها أحيانا نثرا، ومرة أخرى شعرا، يقول نثرا:''قد يظن البعض، أن الشعر هو ذلك الكلام الموزون المقفى، ولو كان خاليا من معنى بليغ، وروح جذاب، وأن الكلام، الموزون المقفى، ولو كان أعذب من الماء الزلال، وأطيب من زهور التلال، فهذا ظن فاسد، واعتقاد فارغ، وقلم بارد...«(3*

وقال شعرا:

أتوا بكلام، لا يجزل سامعا

''عجوز له »شطر« وشطر هو »الصدر«

وقد حشروا أجزاءه تحت خمية

كعظم ركميم ناخر ضمه القبر

وزين ''بالوزن'' الذي صار مقتفى

»بقافية« للشط يقدمها البحر

وقالوا وضعنا ''الشعر'' للناس هاديا

وما هو شعر ساحر لا ولا نثر

ولكنه ''نظم'' وقول مبعثر

وكذب وتمويه، يموت به الفكر

فقلت لهم كما تباهوا بقولهم:

ألا فاعلموا أن الشعور هو الشعر

وليس بتميق، وتزويق عارف

فما الشعر إلا مايحن له الصدر

فهذا خرير الماء، شعر مرتل

وهذا غناء الحب، ينشده الطير

وهذا زئير الأسد تحمي عرينها

وهذا صفير الريح ينطحه الصحر

وهذا وصيف الرعد في الجو ثائر

وهذا عذاب الليل يطرده الفجر

فذاك هو ''الشعر الحقيق'' بعينه

وإن لم يذقه الجامد الميت ال//

ويقول نثرا أيضا :

(... فالشعر تيار كهربائي، مركزه الروح، وخيال لطيف تقدفه النفس لا دخل للوزن ولا للقافية في ماهيته، وغاية أمرها أنهما تحينات لفظية اقتضاها الذوق والجمال في التركيب لا في المعنى، كالفاء لا يزيده إلاناء الجميل عذوبة ولا ملوحة، وإنما حفظا وصيانة من التلاشي والسبيلان...«(5)

لقد استخدم رمضان حمود (1906م - 1929م) الشعر والنثر معا وبمقدرة مكافئة، ولا يدل هذا في رأينا إلا على أصللة موهبته وقراءاته العديدة والمتنوعة لما أنتجته الأديبة العربية والأجنبية على السواء، فهو يعد في رأينا فلتة إنسانية، وجوهرة عربية جاد بها القرن العشرون مثلما جاد بأمثاله: كأبي القاسم الشابي وجبران خليل جبران، وأحمد زكي أبو شادي... وغيرهم من نوابغ اللغة.
وقد دفعته حماسته الكبيرة في نفسه، وفي آرائه لأن ينقد متون الشعر العربي الحديث، والتي لم ير فيها يسرى متونا تقليدية جوفاء وخالية من الصدق، وروح الإبداع الخلاق، ولذلك فقد هاجم هجوما عنيفا فئة المقلدين منهم، وقد تكونت له نظرة نقدية متفردة في زمنه عبر عنها بقوله :-»فمن شاء منكم التشطير فليشار مواطنيه...««(6)

كما قادته هذه الجرأة، والثقة الأدبية، وامتلاكه لرصيد معرفي واسع تراكم لديه مثلما يتراكم حصاد مواسم القمح في البيادر، فسما بنقده إلى ابتداء آراء نقدية لم ترد على لسان أحد في مثل سنه في تاريخ الأدب العربي، وفي عمر تجربته الأدبية، والنقدية القصيرة، فاعتلى سدرة النقد إلى نقد أمير الشعراء العرب، الشاعر الكبير : أحمد شوقي، وهو في قمة وأوج شهرته، وتتويجه بإمارة الشعر العربي عام 1927م، ولم يكن يخشى لا فارق السن، ولا فارق التجربة الأدبية من تجربته، وتجربة الشاعر أحمد شوقي، كما أنه لم يشعر بالصغار أمامه، لذلك لم يتردد في قراءة شعره، والجهر برأيه في تجربته الشعرية، وتعبر هذه الفقرة عن أراءه في شعر شوقي، يقول : -

»... نعم إن شوقي أحي الشعر العربي بعد موته - أو كان في طليعة من أحياه - وفتح الباب الذي أغلقته السنون الطوال ولكنه مع ذلك كله لم يأت بشيء جديد لم يعرف من قبل، أو سن طريقه ابتكرها من عنده وخاصة به دون غيره، أو اخترع أسلوبا يلائم العصر الحاضر، وإنها غاية كاهنالك جاء بهيكل الشعر القديم الموضوع في قرون بلى عهدها ودرس رسمها، فكساه حلة من جمال خياله، ورقة أسلوبه، وفخامة ألفاظه، وقوة مادته وتوجه باستاع دائرة معارفه، ومعلوماته، وضرب به على أوتار قولب كانت تتمنى بجدع الأنف أن يرسل الله لها من يسمعها نغمات شعر الفحول من القدماء ويحتذي حذوهم حتى تكون حياتهم متصلة بسلسلة حكمة العقد مع حياة أجدادهم، تبعا لقاعدة (كل خير في اتباع السلف، وكل شر في اتباع من خلف) فلما ظهر شوقي تلقفته على ظمإ..../....
شوقي وما أدراك ما شوقي! شاعر حكيم في الطبقة الأولى من الفحول البائدة له غيرة كبيرة على الأدب القديم كغيرته على شرفه ومتمسك به إلى حد التقليد وعدم الالتفات إلى جوانبه، وأكثر شعره أقرب إلى العهد القديم منه إلى القرن العشرين الذي يحتاج إلى شعر وطني قومي سياسي حماسي، يجلب المنفعة ويدفع الضرر، ويحرك همم الخاملين، ويوقظ الراقدين الخامدين، خصوصا والشرق الفني في فاتحة نهضته، فهو يخطو أولى خطوة، ويقطع أول مرحلة في سبيل الحياة والرقي والمدنية العصرية الجميلة....«

- والسؤال الذي يمكن طرحه هنا ماذا لو وجدت هذه الآراء النقدية سبيلها إلى الفضاءات الثقافية العربية تلك الفضاءات الثقافية المغاربية التي تذر بها ساسة الحركات الوطنية لشعوب المغرب العربي طوال مدة طويلة تبدأ منذ سطوع نجم شمال افريقيا عام 1927م بفرنسا.

لقد تبخرت جميع الأحلام لوحدة المغرب العربي وازداد الحدود ألغاما واشتد التضييق على وسائل الخطاب الثقافي والاعلامي، والتجاري

- لقد ناضل الشاعر الكبير مفدي زكريا أمدا طويلا من أجل وحدة المغرب العربي، وناضل العديد من الاعلاميين والسياسييت، والمثقفين (وتعد في هذا المجال جريدة ''المنار'' الجزائرية التي أسسها الشاعر والاعلامي المرحوم : محمود بوزوزوالبجائي في مطلع خمسينيات القرن الماضي (1951 - 1953) مثالا عظيما لطريق الوحدة المغاربية)، ومن رجال وحدة المغرب العربي، المرحوم عبد الحميد مهري الجزائري.

ولكن ما أمر مصير وحدة شعوب المغرب العربي، وما أفظع الفجائع التي تتعرض لها، وقد اشتدت الوطيس بين نخبها الدينيه والسياسية، كما ازادا عمق الهوة بينها، واستنفدت الأحلام للتلاشى والتبخر، وذلك بعد أن غدا مصير وحدة المغرب العربي بين شلات رحى، رحى الاستعمار العربي الحديث، ورحى إعادة فتح أراضي شمال افريقيا من جديد من قبل جماعات الموت، بعد أن مر على فتحها نحو خمسة عشر قرنا على يدي عقبة بن نافع الفهري.

- فأما المسألة الثانية فتتمثل في مجموعة الأفكار والآراء التي دعا إليها معاصريه من الأدباء والنقاد والمفكرين، وهي أكفار وآراء لم يجرؤ على القول لها الكثير من أقرانه.

و(عبد المجيد الشافي (1933 – 1973)

وتعد تجربنا الأديبان : أحمد رضا حوحو (1911م - 1956م) من التجارب الأدبية التي لم تنل حظها من القراءة، والنقد والتموقع ضمن مسار تشكل البنية الأدبية، وتفتح الوعي الأدبي في فضاء ()شديد التعقيد، ومتنوع المشارب والروافد، والرهانات التليدة والحديثة، الجوانبية والبرانية، الفردي والجماعي، الذاتي والآخر..إلخ...

فقد كنت الأول (أحمد رضا حوحو)، الرواية، والقصة، والمسرحية، والمقال الأدبي والاجتماعي، وأدب الرحلة، والموسيقى وجمع بين التأليف والممارسة في فني المسرح والموسيقى.

ولن نبالغ إن قلنا أنهما أثريا الأدب الجزائري المعاصر بجملة من الفنون الأدبية، وساهما أيضا في نشأة وتطور الوعي الأدبي في بعض الأقطار العربية، فعلى سبيل الذكر فإن الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو ساهم أثناء اقامته في الحجاز ( مكة المكرمة) (1934 - 1946) بفعالية في نشأة القصة والرواية، والترجمة الأدبية، وذلك بنشره العديد من الأعمال الأدبية في مجلة ''المنهل'' التي صدرت في السعودية في ثلاثينات القرن الماضي، فقد كان حوحو من كتابها المداومين، فنشر فيها قصصا، ومقالات عديدة كما نشر فيها بعض الأشعار بعد أن قام بترجمتها من اللغة الفرنسية التي كان يتقنها اتقانا كبيرا، كيف لا؟! وهو خريج أحد معاهدها بمدينة سكيكدة عام 1927م وقد حفل كتاب :''أحمد رضا حوحو في الحجاز 1934 - 1945 لفقد الأدب الجزائري المرحوم الدكتور : صتلح خرفي مجموعة الأعمال الأدبية التي نشرها حوحو في مجلة (المنهل)، يقول عن مساهمة حوحو وريادته في نشر بعض الأنواع الأدبية أثناء اقامته بأراضي المملكة العربية السعودية (1934 - 1945):-

(.....في المدينة المنورة وفي (مدرسة العلوم الشرعية) بها كانت البدايات التي استرجعت للشهيد (حوحو) لغته العربية التي أبدع فيها، وملامحه الأصلية التي تميز لها وفي مجلة (المنهل) ترعرعت هذه البدايات، التي لم تكن بدايات بمفهوم النشوء فحسب ولكنها بدايات بمفهوم الريادة، فقد كان حوحو في هذه الريادة، ثاني اثنين في كتابة القصة في الأراضي الحجازية في تلك الفترة من الثلاثينات مع (محمد عالم الأفغاني، و(حوحو) هو الذي غذى بنفسه الموصول في القصة، باب (منهل القصص* في مجلة (الأنصاري)، وكان في الترجمة الأدبية ثاني اثنين، وهو من الفرنسية وبعده (عبد الحميد عنبر من الانجليزية)

ولعل ريادته في المسريحة في الأراضي الحجازية كانت ريادة متفردة، غير متناة، فلم تنتشر مجلة (المنهل) في المسرح لغير سكرتيرها (أحمد رضا حوحو...«

وقد بلغت الأعمال التي نشرت في مجلة (المنهل) باسمه أربعين عملا تفرعت إلى الأنواع الأدبية التالية : القصة، والمسرحية، والترجمة، والمقالة الأدبية، ومجالات أخرى.

وما جاء الكتاب به، ويعد في نظرنا جديدا على المتلقي الأدبي في الجزائر، النص الشعري المترجم، فقد ترجم حوحو قصيدة، غروب الشمس الخيالي للشاعر الفرنسي شارل بودلير، وقصيدة : أهرام مصر« للشاعر ديديل (1737 - 1813)

-فلولا هذا الجهد الوطني الجبار، لبقي جزء هام من أعمال الأديب الشهيد، أحمد رضا حوحو نسبيا منسيا في ثنايا أوراق مجلة ''المنهل'' الغراء التي كانت تعتبره أحد مؤسسيها، وأشرعت له صفحات ينشر فيها ما يرغب في نشره، سواء كان نصا أديبا موضوعابصدد كتابة مقدمة لأعمال الأديبين الجزائريين ''أحمد رضا حوحو وعبد المجيد الشافعي''- شريبط أحمد شريبط.

أو ترجمة لنص أدبي، قصة، أو مقالة أدبية، فمنا كل الثناء وجزيل الشكر، والاعتراف بالجميل للمرحوم، طيب الله ثراه الأستاذ الدكتور صالح خرفي على المجهود الكبير الذي بذله في سبيل إحياء تراث أحد نوابغ الجزائر، الشهيد أحمد رضا حوحو، إذ لولاه (والفضل الأول لله سبحانه وتعالى) لظلت كتابات الشهيد حوحو في ثنايا أرشيف مجلة ''المنهل'' الحجازية نسيا منسيا، وفي حكم المجهول.
وعندما رجع إلى الجزائر في بداية عام 1946م. استقر المقام به بمدينة قسنطينة التي كانت تمثل آنذاك ولا تزال الثقافة الجزائرية أحد عجائب الدنيا بتضاريسها الجغرافية، وعادات أهلها، وأساطيرهم، وخرافاتهم، وأوليائهم، ودفاعها العظيم ضد الغزاة والمحتلين والمعتدين.

ولما استقر المقام به في أحضانها انضم إلى ''جمعية العلماء المسلمين الجزائريين''، وشغل أولا منصب معلما، ثم أسند له منصب أمين عام جمعية العلماء، واعتنى في الوقت ذاته بالنشاط الأدبي والفني فألف بضعة كتب، وقام باقتباس وتأليف عدة مسرحيات تنوعت موضوعاتها، وأشكالها، كما تناول في بعض أعماله موضوعات جديدة مثل زواج الجزائريين'' بالأجنبيات، وخصوصا الزواج بالفرنسيات، وقد تجلى ذلك بوضوح في كتابه ''مع حمار الحكيم'' وقد تمكن من طبع عدة أعمال أدبية أهمها:

1 - 1 الرواية '' غادة أم القرى''(12)

وهي عبارة عن نص سردي يمكن ادراجه أو تصنيفه ضمن ما عرف في النقد الحديث بمصطلح، :'' mini roman'' أي الرواية القصيرة وتجري أحداث هذه الرواية، وموضوعها وفضاءاتها في الحجاز، وقد اعتبرها العديد من الباحثين في شؤون الأدب الجزائري أول نص روائي في الأدب الجزائري يكتب باللغة العربية، ويعود تاريخ كتابتها حسب اجتهادنا إلى فترة بداية الاربعينيات، وقد حاول طبعها، إلا أن جرأة موضوعها الذي يدعو إلى تحرر المرأة، ونقدها الجريء لوضعيتها الاجتماعية، وخضوعها خضوعا تاما لسلطان العادات، والتقاليد لمجتمع محافظ تقليدي لا وجود لنشاط المرأة فيه ولا حضور لها في أي مظهر من مظاهر الحياة العامة، وقد يكون وضع المرأة في العصر الجاهلي خير منه بألف مرة.
وصعب عليه أيضا طبعها هنا في الجزائر بعد عودته في بداية عام 1946 م لما كان انذاك من تشابه في البنيتين العقليتين اللتين تتصفان بالتقيد المفرط بتحديد الفضاءات التي تتحرك المرأة فيها بصفتها مجلبة للعار، واعتبارها عورة، وتحديد نشاطها، ولم يكن هذا الأمر سوى تعبير أمين عن جهالة النخبة الذكورية المسيرة لنشاطات المجتمعات العربية والاسلامية.

1 - 2 القصة القصيرة

1 - 2 - أ- صاحبة الوحي

'' وتضم القصص التالية:

صاحبة الوحي، القبلة المشؤومة، فتاة أحلامي، ثري الحرب، جريمة حماة، الفقراء، صديقي الشاعر، خولة، وقد صدرت هذه المجموعة القصصية في عام 1954 بمدينة قسنطينة، وقصصها أو نصوصها تتفاوت في الطول، في الموضوعات وكذلك في فضاءاتها وأزمنتها وشخصياتها، فهنالك قصص قد يعود تاريخ كتابتها إلي المرحلة الزمنية التي أقام فيها بين مكة المكرمة، والمدينة المنورة ومنها قصة ''صاحبة الوحي'' وقصة "خولة'' وهي قصة طويلة نسبيا بلغ عدد صفحاتها واحد وثلاثون صفحة (31)

وقد تكون في ظننا عبارة عن حكاية من الحكايات الواقعية التي جرت صفحاتها وأحداثها التي تركز علي موضوع الحب - الذي يصطدم دوما بسور العادات والتقاليد، وتوق المرأة العربية إلى التحرر من سلطات هذه العادات والتقاليد التي كادت تسم العقلية العربية لمدة قرون، في البادية، وهو ما يدعونا لأن نعتبرها حكاية من حكايات حياة البدو.

ولعل تنوع أحداث وشخصيات، وفضاءات هذه القصة يجعلها تقترب من بنية الرواية، أو مما اصطلح عليه بالرواية القصيرة، وهي تقابل نصا: '' غادة أم القرى''، إذ أن أحداث هذه الأخيرة ترسم المرأة الحجازية في المدينة، بينما قصة خولة، تعبر عن وضع المرأة وأنواع السياط والردع الاجتماعية التي تسلط على المرأة وتدير حياتها في المجتمع البدوي.

ويعد تناول الأديب أحمد رضا حوحو هذا الموضوع بهذه الجرأة، وقد كان المجتمع العربي آنذاك، مجتمعا محافظا تقليديا، مصادرا لأي مقول أو تفكير أو وجهة نظر تصدر عن المرأة مهما كانت نواياها.
وهنالك من النماذج القصصية، نرى أنه كتبها أثناء استقراره في الجزائر بداية من عام 1946 م وإلى غاية استشهاده بطريقة وحشية على يدي العساكر الفرنسيين ليلة 29 مارس عام 1956م، بجبل الوحش، قرب مدينة قسنطينة، ومن هذه القصص ''ثري الحرب'' و'' القبلة المشؤومة'' و''جريمة حماة''، و''صديقي الشاعر'' ...إلخ

وتكشف بعض قصص هذه المجموعة تأثر حوحو ببعض أدباء اللغة الفرنسية، أمثال الكاتب الكبير، ''فيكتور هيجو'' صاحب الرواية الخالدة الذكر، ''البؤساء'' والتي انحاز فيها منتصرا للطبقات الفقيرة والحياة البسيطة، منتقدا في الوقت نفسه الطبقات البورجوازية التي تتأسس من مال الحروب والاحتيال ونهب لخيرات المستضعفين في الأرض.

1 - 2 - -ب : نماذج بشرية

يرجع الفضل في طبع هذه المجموعة القصصية (أو كما حلا لكاتبها الأديب الشهيد : أحمد رضا حوحو أن يطلق عليها عنوان '' نماذج بشرية'' للأديب الكبير أستاذ أجيال النخبة الثقافية في دول المغرب العربي في المنتصف الثاني من القرن العشرين الأستاذ : محمد أبو القاسم كرو.

فقد أصدر له هذه المجموعة القصصية الثانية ضمن سلسلة كتاب : البعث'' وقد نشر في شهر ديسمبر عام ,1955 ويحمل رقم ''الكتاب الثالث'' ولقد تضمن إثنى عشرة نصا قصصيا، ونصا مسرحيا حمل عنوان '' الأستاذ'' يوجد بين صفحتي : 83 - 96 من الطبعة نفسها.

لم يشأ الأديب، أحمد رضا حوحو أن يعطي هذه المجموعة صفة '' قصص'' وقد كان له كل الحق، وجميع المبررات والمسوغات الفنية والجمالية، وذلك بالرغم مما توفرت عليه، وحازته من براعة فنية، ونضج واضح في امتلاك أدوات كتابة '' القصة القصيرة'' وإنما آثر على ذلك اسم : ''نماذج بشرية'' وقد شرح ذلك وعلله في مقدمة المجموعة، فقال :'' ... ثم إني لم أعمد في عرض هذه النماذج، إلى الخيال فاستخدمه في التنميق والتزويق، أو إلى التحليل النفساني فأسخره لإثبات فكرة أو إدحاض أخرى، أجل إني لم ألجأ إلى كل ذلك، وإنما التجأت إلى المجتمع، وانتزعت من مختلف طبقاته نماذج عشت مع بعضها وسمعت عن بعضها، نماذج حية أقدمها للقارئ لعله يتوصل بها الى تفهم بعض طباع مجتمعه ...'' .

ولشدة إعجاب الأستاذ محمد أبو القاسم كرو بأدب أحمد رضا حوحو، وتأثره الشديد بالطريقة البشعة التي اغتاله بها العساكر الفرنسيون، فقد أصدر في عام 1957 تذكارا خاصا به يتألف من اثنين وثلاثين صفحة من الحجم الصغير (16) ضمنه فصولا من سيرته الحياتية والأدبية ونشاطه بصورة أخص، واعاد نشر ثلاثة نماذج من أعماله الأدبية، وهي: ''التلميذ'' وهي قصة مترجمة عن اللغة الفرنسية'' وقصتي ''الزواج'' و''نحن والغرب'' وقد أخذ النصين الآخرين من كتاب حوحو، مع حمار الحكم''.
وتباهى في نصه عن حياته بخصاله، وبطولته منوها برمزية استشهاده: ''إننا لا نبكي حوحو بالدموع والزفرات، لأنه كان أسعد حظا فنال أعظم شرف يتمناه ويسعى إليه الأحرار الشرفاء... ولكننا نمجد فيه بطولة النضال التحريري في الجزائر، ونقدس معه أرواح الشهداء الذين سقطوا، لتقف الجزائر وماتوا - جسميا --- لتحيا هي بكل معنى للحياة والبقاء والخلود...''

- مع حمار الحكيم

وهو عبارة عن مجموعة حكايات يغلب عليها عنصر الحوار مما يقربها من فن المسرحية، يتناول فيها موضوعات اجتماعية معظمها مأخوذة من الواقع الاجتماعي، يهدف منها إلى نقد بعض هذه الظواهر الاجتماعية التي بدأ تأثيرها يؤثر على عادات وتقاليد المجتمع الجزائي المحافظ.

وقد تأثر في كتابة نصوص هذا الكتاب: - ''مع حمار الحكيم'' لكتاب الكاتب العربي المصري الكبير (توفيق الحكيم) مؤلف مسرحيات وروايات كثيرة، وهو أحد كبار الأدب العربي في القرن العشرين (حماري قال لي).

ولم يحجب الأديب أحمد رضا حوحو تأثره بكتاب الحكيم (حماري قال لي)، فذكر ذلك في مقدمة النص الأول، فقال: ''أنهيت من مطالعة لذيذة لكتاب ''حماري قالي لي'' لتوفيق الحكيم، واستلقيت في مقعد مريح بعض الشيء، مريح بالنسبة إلي، أنا الذي قضيت ثلاثين حجة من حياتي بين مقاعد الدراسة ومقاعد العمل، وكلها لا تمت إلى الراحة واللين بصلة قريبة أو بعيدة.

ثم استغرقت في تفكير عميق محاولا هضم ما قرأت، وما هي إلا دقائق حتى أغفت عيناي، وألقى علي الكرى رداء أسودا خفيفا: رأيت فيما يرى النائم اليقظ حمارا صغيرا لطيفا تبدو عليه علامات الذكاء والفطنة، يطل علي برأسيه من وراء مقعدي، فعرفته على الفور، دون إشكال أو عناء فقد كان حمار توفيق الحكيم برأسه ورجله

ويتضمن كتاب: ''مع حمار الحكيم'' أربعة عشر نصا، وهذه عناوينها (مع حمار الحكيم، حمار الحكيم، الآداب والفنون، نحن والغرب، الزواج، فلسفة الحمار، مع القارىء، المجنون، أحزابنا السياسية، الأدب العربي، السعادة، علم التربية، بريد الحمار)

يتبين من هذه العناوين أن الأديب حوحو لم يكد يترك موضوعا كان آنذاك (1946 - 1956) يشغل بال الرأي العام الجزائري إلا وأبدى فيه وجهة نظره، وقد كتب هذه النصوص بروح نقدية تغلب عليها السخرية، وهي الصفة التي وسمت معظم أعماله، ولعل تبرمه من الحياة، وتشاؤمه الشديد جعلاه يأسر بهذه الموضوعات، وقد أكد ذلك هو نفسه في تصريح لكتاب ''البعث'' فقال: ''.... سألته مرة عن أهدافه الأدبية فكتب مجيبا: ''الأهداف تكون للذين ينظرون للدنيا بمنظار أخضر، أما أنا فإني أضع فوق عيني منظارا قاتم السواد'' ! .

- في المسرح

- انشغل الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو بفن المسرح انشغالا كبيرا، إذ يروى عنه أنه كتب نصوصا مسرحية، واقتبس البعض منها، وترجم بعضها الآخر، وكان مشاركا في بعضها، إلا أن معظم هذه النصوص التي تعكس اهتمامه لم تزل مجهولة إلى غاية هذه اللحظة، وإن مسؤولية الكشف عنها تعود أولا وأخيرا لمن يملك تراثه الأدبي!! سواء من أسرته، أو كان أحد أصدقائه.

وتجب الاشارة في هذا الحقل إلى أن انشغال حوحو بفن المسرح وعالم التمثيل بصفة خاصة يعود إلى سنة ,1929 حيث كان أحد مسؤولي الجمعية الثقافية والرياضية التي أسست بمدينة سيدي عقبة، القريبة من مدينة بسكرة وذلك سنة 1929 م، وقد أكد ذلك المناضل الكبير (الشباح المكي) في مذكراته التي تحمل عنوان: ''مذكرات مناضل أوراسي''حيث قال: - ''.... عدت في عام 1929 إلى مسقط رأسي، أي بلدة سيدي عقبة وفتحت مقهى كان بمثابة ناد، ثم أسست جمعية تمثيلية، وأخرى رياضية تحت إسم - الشباب العقبي - عينت لهما رئيسا، والأخ أحمد رضا حوحو رحمه الله كاتبا عاما، وذلك قبيل سفره إلى الحجاز، وبدأنا في عرض روايات تمثيلية في المقهى المذكور ...''
وقد قادنا اجتهادنا - وإن بدا عجز منا لأي مهتم بتراث حوحو، فإننا نرجو الصفح والعفو لجهلنا بجميع مصنفات أدبه - إلى وضع قائمة عمل عناوين المسرحيات التي تنسب إليه وهي:

1- ''سي عاشور والتمدن''

2- ''عنبسة أو ملكة غرناطة''

3- ''البخيل''

4- ''سي زعرور أو النائب العام''

5- ''صنيعة البرامكة''

6- ''الواهم''

7- بائعة الورد''

8- ''أدباء المظهر''

9- الأستاذ''

- أدب الرحلة

يبدو من سيدة المرحوم الشهيد أحمد رضا حوحو، أنه كان مغرما بالترحال والسفر من أجل طلب المعرفة، وقد بدا لنا بأن أول سفر له من أجل طلب العلم قد كان من بلدة مسقط رأسه: '' سيدي عقبة'' التي تقع بالجنوب الجزائري إلى مدينة سكيكدة الساحلية، وبينهما ما بينهما من فوارق حضارية وطبيعية وبشرية، وقد توالت بعد ذلك رحلاته وأسفاره، ولخص هو نفسه ذلك في احدى رسائله إلى الكاتب التونسي محمد أبو القاسم كرو، فقال: - ''... رحلاتي:

1- إلى الحجاز سنة ,1934 وعدت منه سنة 1945 إلى مصر حيث مكثت شهرا ثم إلى فرنسا وإلى الجزائر سنة 1946

2 - في أوت سنة 1950 قمت برحلة إلى تشيكو  سلوفاكيا وروسيا، واليوزبكستان من بلاد الشرق الأوسط التابعة للإتحاد السوفياتي، وكانت رحلة استطلاع استغرقت 45 يوما

3 - وفي أوت 1951 إلى روما ''إيطاليا'' للمشاركة في اعداد مؤتمر الشرق الأوسط والشمال الافريقي وقد أحبط المشروع بسقوط حكومة الوفد المصرية، وإلى فرنسا مرات عديدة لأمور مختلفة، وقد نشرت مقالات عديدة عن رحلتي إلى الاتحاد السوفياتي في جريدة ''الشعلة'' التي كنت رئيس تحريرها يؤمئذ...''

وله كتابات أخرى كثيرة لم تزل إلى غاية اليوم مبثوثة في ثنايا الجرائد والمجلات الجزائرية التي صدرت ما بين عامي 1947 - 1956 وقد صرح هو نفسه في احدى رسائله إلى صاحب سلسلة ''البعث''  التونسية، الكاتب الكبير، محمد أبو القاسم كرو أن لديه مؤلفين جاهزين هما كتاب بعنوان: ''في الأدب والمجتمع'' وكتاب آخر عنوانه ''في الميزان'' .

ولعلنا خير ما نختم به تقديمنا لشخصية أحمد رضا حوحو الأدبية هذه الفقرة لرفيق دربه، وأحد أصدقائه المقربين الشيخ المرحوم: عبد الرحمان شيبان، وقد وردت هذه الفقرة في المقدمة التي قدم له بها كتابه: ''مع حمار الحكيم'' وهي تدل على ثقته الكبيرة في صديقه، يقول: - ''... يمتاز أدب الأستاذ أحمد رضا حوحو بطابع الخفة والصدق والانتقاد فإنك لا تكاد تقرأ له فصلا من فصوله، أو قصة من قصصه، أو تشاهد له مسرحية من مسرحياته حتى يفاجئك بهذا الثالوث الجميل الحبيب ...
ولا تظن أن كاتبنا يتكلف هذه الخصائص تكلفا، أو يسعى إليها سعيا، بل إنها لتنبعث من نفسه الخفيفة الصادقة الناقدة انبعاثا، فهو خفيف في كلامه، خفيف في نكته، خفيف في حركته وسكونه، وهو يعالج من الشؤون بكل صدق، وينظر إلى ما تقع عليه عينه بروح نقدية تنفذ إلى صميم الأشياء، وبتعبير واحد جامع، فإن رضا حوحو في أدبه هو نفس رضا حوحو في حياته من غير تعديل أو رتوش ...''

- الأديب عبد المجيد الشافعي (1933 - 1973).

-قد لا يختلف اثنان - على الأقل إلى غاية اليوم - بأن الأديب عبد المجيد الشافعي يعد ثاني أديب جزائري يخوض كتابة فن الرواية، وتحقق ذلك في روايته القصيرة: ''الطالب المنكوب'' التي طبعها في تونس عام 1951 وصدرت عن دار مطبعة الشريف، وله كتابات عديدة ومتنوعة الأجناس الأدبية، شملت الرواية، والقصة القصة القصيرة، والمسرحية والشعر، والنقد، والخاطرة، والمقالة الأدبية والاجتماعية ... إلخ

إذ كتب - تقريبا - في معظم الأجناس الأدبية التي كانت شائعة بين معاصريه، كما اشتغل في مجال التربية والتعليم، وتلقى في ذلك ما تلقى معظم المثقفين باللغة العربية من تهميش، ومضايقة، وعراقيل: سواء كان ذلك في أوكار الإدارة، أو رحاب الثقافة، أو كواليس المؤسسات التربوية، إلا أن كل ذلك لم يصده عن الإنتاج والتأليف الأدبي، والنشاط الثقافي، وشغل بعض المناصب التربوية، حيث عمل أولا معلما، ثم تولى إدارة مدرسة الفتح التي أسستها جمعية العلماء عام 1944 م ترقى بعد ذلك إلى منصب مستشار تربوي، ثم رقي إلى منصب مفتش اللغة العربية، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن توفي في عام 1973م عن عمر أربعين سنة !

- ويمكننا أن نصنف المجالات الأدبية التي كان له فيها نشاط على النحو التالي:

- حسب علمنا، فإن المرحوم: عبد المجيد الشافعي ترك نصا روائيا واحدا بعنوان: ''الطالب المنكوب''، طبع لأول مرة ''بمطبعة الشريف، دار الكتب العربية 12 ... نهج المبزع تونس (1370 - 1951 م) .
لم يعتمد في هذه الرواية على السرد التواصلي وإنما قسمها إلى أجزاء، يكاد يكون كل جزء يؤسس قصة قصيرة، إلا أن القارىء للنص من بدايته إلى نهايته يدرك أنها نص له بداية وله نهاية، والرواية يمكن ادراجها ضمن مصطلح (السير - رواية)، وقد أقيمت على ركنين أساسيين: الواقع والخيال، وهي قصة عاطفية قوية تشبه في موضوعها الروايات العاطفية التي اشتهر الكاتب العربي المصري (مصطفى لطفي المنفلوطي) باقتباسها أو ترجمتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، ولقد انتهت بزواج الطالب الفقير الذي قدم من الجزائر إلى تونس من أجل الدراسة وطلب العلم من إحدى الفتيات التونسيات الجميلات تنتسب إلى عائلة بورجوازية، وجاء عنوانها الكامل على هذا النحو: -''الطالب المنكوب في قصة غرامية موضوعية''، ولم يكن القصد من معناها سوى التعبير عن هاجسه الفكري إلى وحدة المغرب العربي، وتربية الأجيال على الأخلاق، والتمسك بالدين، والعادات، والكفاح من أجل الحياة الكريمة ورغد العيش، والتمسك بوحدة شعوب المغرب، والدعوة إلى مقارعة أفكار المستعمر التي تدعو إلى التفرقة، والبغضاء بين شعوب المغرب العربي، ويعبر قوله في هذه الفقرة عن هذا المعنى: - ''... ولهذا رأى الشيخ أن يزفها إلى شاب يدافع عن الإسلام، ويقاوم الداعين إلى المدنية الزائفة جاعلا رائده (لا مدنية إلا مدنية الاسلام) ويحدب على أبناء وطنه، ويجهد نفسه في سبيل انقاذهم من سباتهم العميق، ومن هاته الهوة السحيقة التي سقطوا إلى غورها البعيد، ويعمل لمحو فكرة سرت في عقول السواد الأعظم من شباب الاسلام أولا وهي التفرقة، واعتبار هذا تونسيا، والآخر جزائريا، وذاك مراكشيا، تلك الفكرة المخيفة الهدامة التي بثها المستعمر الوحشي، وذاك السم الذي نفثه في عروق أولئك المساكين المغلوبين على أمرهم ...'' وما يمكن ملاحظته أن معنى العنوان في جهة، ومعنى النص الروائي في جهة مقابلة، حيث يوحي العنوان بنكبة الطالب، أحد بطلي النص الروائي، بينما يتوج النص بزواج الفتاة التي بادلها الحب، وعشقها بقوة، وارتضاها لنفسه زوجة لمنزلتها الاجتماعية وحسن أخلاقها وجمالها الفتان، وقد تناول هذا ''النص'' العديد من الباحثين الجزائريين، ومنهم الباحث الروائي المعروف واسيني الأعرج، وعبد الله بن حلي، وصاحب هذا القلم ومن الطرائف التي رافقت مسيرة هذا النص، أن بعض الباحثين والأدباء التونسيين كانوا إلى حين يدرجونه ضمن المحاولات التجريبية الأولى للرواية التونسية، ومنهم :أحمد ممو، ومصطفى الكيلاني، والأديب الكبير محمد العروسي المطوي... وغيرهم.

وقد أكدت - شخصيا - للأديب المرحوم، محمد العروسي المطوي في لقاء جمعني به، في مكتبه الخاص هويته الجزائرية، وكان هذا اللقاء غرة كتابي :(الأديب عبد المجيد الشافعي، مقاربة تحليلية نقدية لإنتاجه الأدبي) والذي صدر عن جمعية (الجاحظية) بتاريخ 2000م.

خواطر مجموعة:

- وهي عبارة عن كتيب بعنوان :'' خواطر مجموعة'' (ذات طابع اجتماعي، أخلاقي، وتربوي، طبع عام 1952م، كتب مقدمته الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو (راجع كتاب الشافعي سبيل الخلود ص 89).
قرظه الأديب : أحمد رضا حوحو بقوله :

- (.... وتباحثت مع الشاب المؤلف في شأن القراء والنشر والتشجيع فوجدته ملما بالحالة فاهما لدقائقها وهو مع ذلك عازم على خوض هذا المضمار، ولم يسعني إلا أن أعجبت بشجاعته وجرأته وتمنيت له من صميم قلبي النجاح والتوفيق، وهو جدير بالتشجيع والمؤازرة لجرأته وإقدامه على النشر وهو يعلم أن هذا الميدان شائك مفعم بالعراقيل، وهو كذلك جدير بالتشجيع لجرأته واقدامه على اختيار موضوعات كتابه من صميم الدين والمجتمع والأدب وقد حاول أن يسبغ عليها لونا من الجدة لا يخلو من فائدة ولا يخلو من طرافة، وهي كل ذلك علاج لموضوعات ومشاكل في حاجة إلى كثرة العلاج وتلونه...) ،

- تدل الفقرة السابقة التي حاولنا نقلها حرفيا دون تصرف، على رأي أحمد رضا حوحو في الحركة الأدبية الجزائرية في الخسمينات، والعراقيل التي تمنع تطورها وانتشار الخطابات الثقافية بصورة عامة ويعود السبب في نظرنا إلى محاربة الإستعمار لكل عوامل وأسباب ازدهار الثقافة الجزائرية الأصيلة، وخاصة المكتوبة، أو المنطوقة باللغة العربية، والتي كان ينظر إليها، وكأنها رصاصات موجهة إلى أفئدة أفراده وأعوانه.

سبيل الخلود، الأديب الشهيد، (نضال وانتاج في سبيل الخلو) وهو عبارة عن سرد تاريخي لحياة الأديب الشهيد :أحمد رضا حوحو، ونتاجه الأدبي: وقد أرفقه بنماذج من أعماله الأدبية المختلفة، وختمه بمقال هام للأديب العلامة عبد الله بوراس الكاملي... أحد أصدقائه المقربين، ويعد هذا الكتاب من أنفس الكتب التي وضعت عن أحمد رضا حوحو لإعجاب الشافعي الشديد به، وبانتاجه الأدبي، من جهة ومن جهة ثانية لقرب عهده به، وصداقتهما المتينة ونضالهما المشترك من أجل تطور وازدهار الفنون الأدبية في الجزائر وخصوصا المدونة باللغة العربية.

- لم يقتصر نشاط المرحوم عبد المجيد الشافعي على الأنواع الأدبية السابقة فحسب، وإنما كانت له تجارب عديدة في كتابة القصة يؤلف مجموعة قصصية أو تزيد، وقد اطلعت على العديد منها مكتوبة بخط يده مكنتني منها ابنته المقيمة بمدينة ڤالمة، ولقد نشرت بعض هذه القصص في كتابي عنه »الأديب عبد المجيد الشافعي، مقاربة تحليلية نقدية لإنتاجه الأدبي )، وهذه القصص هي : الأديب المجهول، الخماسون، مجاهدون في قرية) كما كتب المسرحية، والشعر، ومنه هذه القصيدة التي يمدح فيها انتخاب المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني عام 1964م وهي بعنوان :''أيها المكتب السياسي'' .

أيها المكتب السياسي، كافح وثابر

وخذ القرأن كي لا تخاطر

أنزع البغي وطهر حمانا

من جميع المارقين الأكابر

وانصر العلم، ولا تتوانى

واهجر الظلم ولا تتجاهر

يا حبيب الشعب أنت الملاذ

أنت مكتب تدير الدوائر

أنت ملجأ، وحصن منيع

للأرامل، وأيتام ثائر

نحن أعطيناك تأييدنا ل

تفسح السبيل لمن كان حائر

إنا رفعنا صوتنا إذ رأينا

بعضنا حادوا، وبحت حناجر

حطم الشعب مكائد قوم

حاولوا اقحامه في المجازر

واقتفى أثار من هم أعاثوا

دولة ناشئة في الجزائر

والبلايا راحلات بعيدا

والرزايا أمهات المقابر

والنوايا خالصات قريبا

فاعلات طاهرات السرائر

يا لهم من مخلصين كرام

أبعدوا عنا عدوا مكابر

أعلن الحرب علينا دهورا

واستوى في أرضنا والعشائر

يا إلهي قد نسخت فرنسا

فاجعل الفتح لنا والبشائر

واجمع الساسه كي ينجزون

وعدنا من وحدة وذخائر

وارحم الأموات من الشهداء

أسلموا أرواحهم للجزائر

وافتح الأبواب للناشئين

وكن العون لنا في الضمائر

كي تصون الشعب من كل عاث

واللواء من كل باغ وغادر

فلترفرف يا لواء البلاد

إننا نحميك من كل قاهر

عش عزيزا سالما في النوادي

في المباني في القرى في المداشر

والخلاصة التي أود أن أؤكد عليها هنا هي أنني سعيت من خلال هذه المقدمة أن ألفت انتباه من يهتمون بالأشكال الأدبية المكتوبة باللغة العربية وتطورها، حتى وإن اتسمت بالضعف، فهي تعبر عن زمنها ومرحلتها، وكذلك عن مستوى قارئها إبان ميلادها، كذلك من حق قارئ اليوم أن يطلع على نماذج بدايات الأدب الجزائري واتجاهاتها، والانشغالات التي كانت تشغل بالها.

ولقد آثرت أن أركز في هذا المؤلف على نماذج أدبية كادت تختفي في سراديب الأرشيف، والتاريخ على حد سواء، لذلك فإن بعث الروح فيها من جديد، وتمكين قارئ اليوم من قراءتها، هو بمنزلة إعادة كتابتها من جديد وبرؤية مغايرة.

ولم يكن مسعانا غير الاحتفاء بأمجادنا الأدبية، والتعريف بما تركوه لنا من نصوص أدبية أسهمت في تكوين ذاكرتنا الأدبية والثقافية على حد سواء، وقد عانت ما عانت من التهميش والنسيان رغم أنها لم تقصر في بذل الجهد، وزكاة النفس من أجل الوطن، وخير مثال على هذا الطريقة الشنيعة واللاأخلاقية التي أغتيل بها شهيد الأدب الجزائري الحديث الأديب المتعدد المواهب :

مكتبة هذه المقدمة

- ولد الأديب الجزائري رمضان حمود بالجنوب الجزائري بمدينة غرداية مقر المذهب الإباضي بالجزائر وذلك عام 1906م، وهو وحيد والديه، ولذلك منحاه من الرعاية والاهتمام الكثير، وعملا على تعليمه وتربيته، وقد بذلا في سبيل ذلك جهدا كبيرا، حيث لقناه القرآن الكريم أولا، ثم أدخلاه المدرسة الفرنسية أثناء إقامة والده بمدينة غليزان فأخذ منها ما أخذ إلى غاية أنه تمكن من ترجمة الشعر من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، أرسله والده بعد ذلك ضمن البعثة التعليمية الميزابية إلى تونس ، وانضم إلى بعثة شيخ الصحافة الجزائرية الأديب أبو اليقظان وغيره، وقد اشتهر بالدعوة إلى تحرير القصيدة العربية من شكلها العمودي والوزن والقافية.

لم يتجاوز عمر تجربته الأدبية سنوات معدودات ترك بعد وفاته في سنة 1929 مجموعة من الأعمال الأدبية، توزعت بين : القصة والنقد والشهر والخاطرة والترجمة.

وأعماله المطبوعة التي صدرت أثناء حياته هي :

- بذور الحياة، تونس  1928م.

- قصة الفتى، تونس  .1929

- بالإضافة إلى نحو ثلاثين قصيدة ومجموعة من المقالات النقدية، والخواطر والحكم،

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.