عبد الوهاب حمودة

بقلم: أعمر عشاب-

ولد الأستاذ عبد الوهاب في عام 1939 بالجزائر العاصمة، ودرس في ثانوية المقراني (حاليا)، ثم درس في جامعة الجزائر حيث تحصل على شهادة الليسانس في الآداب.

سجل في جامعة السوربون لتحضير شهادة الدكتوراه مع المستشرق المعروف روجيه أرنالدز لكنه لم يستطع إتمام كتابة أطروحته بسبب أعماله الإدارية المتعددة.

عبد الوهاب حمودة كان أحد الساعين لافتتاحه مسجد الطلبة في آخر الستينات، وقد أكد ذلك الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في مذكراته “مذكرات جزائري”، وقد كان يومئذ وزيرا للتربية الوطنية، حيث قال: “طلبت مجموعة من الطلبة (عبد الوهاب حمودة – عبد القادر حميتو - عبد العزيز بوليفة – محمد جاب الله) تخصيص قاعة للصلاة في جامعة الجزائر، وهو مطلب شرعي سارعت إلى تلبيته، وكان الناطق باسم هذا الوفد هو عبد الوهاب حمودة ”. (ج 2 . ص 97. دار القصبة).

كان عبد الوهاب الدورالمحوري فيه منذ ترتيب الموعد مع وزير التربية ليقدم له الطلب وتهيئة قاعة الصلاة التي كانت في الأصل مخبرا مهجورا ، إلى أن أصبح مُدٓرِّسه وأول من أم الجمعة فيه.

كان افتتاح مسجد الطلبة بمثابة « الحفاز » او الباعث للعمل الدعوي في الجزائر من جديد خاصة بعد حظر جمعية القيم الإسلامية، سواء في الجامعة آو في الأوساط الشعبية.

أن افتتاح مسجد الطلبة سنة 1968 كان الحلقة الثانية في العمل الإسلامي في الجزائر بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931.

فعلا لقد طبع العاصمة بطابع جديد حيث أن الأذان أصبح يرفع في قلب العاصمة لانه لم يكن يوجد من قبل أي مسجد من ساحة الشهداء غربا إلى حي بلكور شرقا – لمسافة عدة كيلومترات – كما أصبح القرآن يرتل يوم الجمعة من أعلى المديرية العامة للخطوط الجوية الجزائرية المجاورة للمسجد ، لان ذلك لم يكن ممكن داخل الجامعة ، وهذا بفضل مديرها العام آن ذاك السيد السعيد آيت مسعودان رحمه الله. فأضحى مصلى الطلبة بعد أيام معدودة مسجد كل جزائر الوسط يكتض بالمصلين يوم الجمعة وفي الأعياد حيث تمتلئ بالمصلين كل الساحة المجاورة للمسجد .

لقد كان عبد الوهاب حمودة ورشيد بن عيسى أول طلبة المفكر الكبير والعالم الأصيل مالك بن نبي في الجزائر، كما يرجع لهما الفضل في التعريف به رحمه الله ، ودعوة الطلبة إلى حضور الندوة الفكرية الذي يقيمها في بيته كل يوم احد وقد كان محمد جاب الله وعبد العزيز بوليفة من أوائل صيدهما سنة 1965م.

كان عبد الوهاب يرافق الأستاذ مالك بن نبي في محاضراته ورحلاته عبر الوطن، كما تشهد دفاتره اليومية، (مذكرات شاهد القرن).

وكان عبد الوهاب حمودة من أنشط الطلبة، وقد ساهم في إصدار مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام؟” باللغة الفرنسية، وكذلك نشر فكر أستاذه مالك بن نبي في الوسط الطلابي.

عندما عين مولود قاسم وزيرا للتعليم الأصلي والشؤون الدينية في عام 1970 دعا الأستاذ حمودة للعمل معه، مديرا للشؤون الدينية في الوزارة، ولكنه لم يبق طويلا، فالتحق بالجامعة حتى عين الأستاذ باقي بوعلام وزيرا للشؤون الدينية في عام 1979، فدعا الأستاذ عبد الوهاب حمودة وعينه مستشارات.

وإلى عبد الوهاب يعود الفضل في إقناع الأستاذ باقي بوعلام في فتح المساجد أمام الأساتذة والدعاة غير الموظفين في وزارة الشؤون الدينية.

وجاء العصر الذهبي لوزارة الشؤون الدينية بتعيين الشيخ عبد الرحمن شيبان في سنة 1980 حيث عيّن عبد الوهاب مديرا للثقافة الإسلامية وملتقيات الفكر الإسلامي، وبقي على رأس هذه المديرية إلى سنة 1991 عندما أسند إليه الدكتور سعيد شيبان الأمانة العامة لوزارة الشؤون الدينية، وكان نعم التعيين لنعم الأمين، إلى أن غادر الوزارة.

من أعجب ما في عبد الوهاب قدرته على الجمع بين ما يبدو متناقضا، فهو صوفي وإصلاحي وحداثي في الوقت نفسه، ولا يسمح لجانب أن يطغى على جانب، ويتسع عقله وصدره للجميع.

ولم يكن محترما فقط، بل كان محبوبا من أبسط الناس إلى أعلاهم مرتبة، وكان العاملون معه يسارعون إلى تنفيذ ما يطلبه منهم لا رهبا منه، ولا رغبا فيه، ولكن حبّا له.

أكثر الكلمات ترددا على لسانه هي “الحكمة” في العمل، وعدم استعجال الأمر، وكان يقول لبعض من حوله إن مهمتنا كدعاة –في الوزارة أو خارجها – صعبة جدا، لأن علينا أن نرضي الله –عز وجل – وأن نرضي الحكومة، وأن نرضي الشعب..

عبد الوهاب نجح في ذلك، فقد اجتهد في إرضاء الله – عز وجل – واجتهد في إرضاء الشعب الذي لا يقدر الظروف، ولا يعلم كثيرا مما يقع في المستويات العليا، وخدم الدولة الجزائرية، ولكنه لم يستخدمها لمصالحه، ولم يكن “قابلا للاستخدام” في السّيئ من الأمور، أو في ضرب إخوانه العاملين في حقل الدعوة ممن هم في قائمة “المغضوب عليهم” من بعض المسئولين.

وأشرف خلال هذه الفترة على إعداد الملتقيات السنوية للفكر الإسلامي التي كانت تستضيف نخبة من العلماء والمفكرين العرب والمسلمين وكذلك المستشرقين لمناقشة قضايا فكرية تراثية ومعاصرة.

شهد كل من عاش ملتقيات الفكر الإسلامي أنها رفعت اسم الجزائر في العالم، ويشهد كل منصف أن عبد الوهاب كان في فترة ازدهار هذه الملتقيات هو “الدينامو المحرك لها” كما وصفه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته التي جاء فيها عن عبد الوهاب:

“ثم عرفت مع الوزير (الذي هو الشيخ شيبان) الشاب النّابه المتوقد عبد الوهاب حمودة مدير الملتقيات ومنظمها والدينامو المحرك لها، والذي استرحت له بمجرد لقائه ورؤية وجهه، فلما شاهدت تحركه، وسمعت كلامه بعد ذلك ازددت حبا له، وتقديرا لما يبذله من جهد وإعداد وتنظيم في سبيل إنجاح الملتقيات”. (الحلقة الرابعة والعشرون من مذكرات الدكتور يوسف القرضاوي. الخبر 13 أكتوبر 2008 ص 25).

عبد الوهاب حمودة أنه داع للخير عامل له، وممن ساعدهم بعض الطلبة الأفارقة الذين كانوا يدرسون في معهد العلوم الإسلامية ليعودوا إلى أوطانهم معلمين ومبشرين..

كان متصوفا، ولكنه في الوقت نفسه كان أنيقا، فقد كان يحرص على ظاهره كما يحرص على باطنه، وكان يبش في وجوه الناس، وكان دائم التبسم رغم جدّيته، خفيض الصوت، منظما في عمله. سريعا في مشيه.

كان ذا قدرة على الحوار والإقناع، من ذلك أن محاضرة المفكر الفرنسي رجاء جارودي – في ملتقى بجاية سنة 1985 – تضمنت كلمة Désaoudisation de l’Islam ، أي نزع “ الصبغة السعودية ” أو “ السعوذة ” عن الإسلام، وخشينا (محمد الهادي الحسني) إن نطق بها جارودي في محاضرته أن تقع ملاسنة بينه وبين الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ممثل الدولة السعودية، وتقع فوضى، لأن لكل واحد منهما مؤيدون، ولم يكن قادرا على إقناع جارودي بعدم النطق بالكلمة إلا عبد الوهاب، وقد نجح .

وتحدث الأستاذ عبد الوهاب حمودة عن فكر غارودي من خلال قراءة نصوص مختارة من كتبه، ثم تحليلها تحليلا دقيقا كشف تنوّع اهتمامات هذا المفكر المسلم، وعمق دراسته لقضايا واقعنا المعاصر.

استمر عطاء عبد الوهاب في الدعوة الى الله طيلة حياته المهنية والذي بلغ ذروته في التنظيم المحكم والحضور الإيجابي في ملتقيات الفكر الإسلامي، ولم يتغير اسلونه ومعاملته مع غيره وأصدقائه مهما اعتلى من مناصب ويشهد له عن عفته وزهده في السلطة اعتذاره عن منصب وزير الشؤون الدينية الذي عرض عليه لمرتين.

السيد حمروش عرض عليه الوزارة سنة 1989، فاعتذر وأشار عليه بالأستاذ السعيد شيبان. وقد قال الأستاذ شيبان أخيرا انه لما عرضت عليه الوزارة استشار الأخ عبد الوهاب فأشار عليه بالقبول، ولم يخبره انه هو من رشحه لذلك المنصب و هذه قمة التواضع والحياء التي كانت تطبع العلاقة بينهما .

بعد التقاعد لم ينقطع عبد الوهاب عن العمل الدعوى، ووجد وقتا اكبر ليتفرغ للمدرسة القرآنية في الزاوية العائلية في إحدى شعاب قنزات، منشرح الصدر مرتاحا لما آلت إليه المدرسة من تطور وتجديد وتوسع وإقبال، خِلافاً لما كانت عليه في الماضي، متواضعة وضيقة، زارها وأقام فيها لعدة أيام الأستاذ مالك بن نبي.

كما واصل الفقيد عطاؤه من خلال جمعية العلماء المسلمين وبالمشاركة في حصص تلفزية للتعريف بالإسلام وتفسير القران بالفرنسية مع الأستاذ شيبان والأستاذ عمار طالبي .

ولقد ابتلاه الله في أخر حياته بمرض عضال ولكنه كان صابرا محتسبا ولم يبد أي سخط ولا شكوى لأحد ولم يقعده عن العطاء والانشغال بهموم الأمة والوطن والدعوة إلى الله وإسدال النصح والحث عن الاعتدال في العمل ووحدة الصف والابتعاد عن اي تطرف او غلو .

مات عبد الوهاب كما يموت العظماء وما هذه المئات من التأبينات والتعزيات والمقالات التي ملأت الصحف ووسائل التواصل الأخرى الا اكبر دليل على قيمته وقدره عند الناس الذين يذكرونه بكل خير ليصدق فيه قول الشاعر أحمد شوقي:

(فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني )

توفي الأستاذ عبد الوهاب حمودة ليلة الاثنين 10 أكتوبر 2017 بعد صراع طويل مع المرض، ليوارى التراب يوم الثلاثاء بمقبرة عين البنيان غرب مدينة الجزائر.

رحم الله الأستاذ عبد الوهاب، وأسكنه فسيح جنانه، ورزق أهله الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.