إضاءات في ورقات تحية إلى عبد الوهاب حمودة حواري مالك بن نبي ومهندس ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر

إضاءات في ورقات تحية إلى عبد الوهاب حمودة حواري مالك بن نبي ومهندس ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر

بقلم: محمد صلاح الدين المستاوي

عبد الوهاب حمودة أحد أبناء الجزائر البررة وأحد جنود الخفاء الذين يعملون بصمت وإخلاص وتفان لا يعلم ذلك منهم إلا أقل القليل ممن يعرفونهم ولكن عملهم لا يخفى على من يعلم السّر وأخفى.

عبد الوهاب حمودة -رحمه الله- وأسكنه فراديس جنانه بلغني نعيه وأنا أتصفّح النسخة الإلكترونيّة لـ" جريدة البصائر" لسان جمعية العلماء الجزائريين الذي تضمن كلمات صادقة رثاه بها إخوانه في جمعية العلماء وفي بقية المواقع التي يباشرون فيها أنشطتهم العلميّة والفكريّة والدينيّة وكلهم بمختلف أجيالهم أجمعت كلمتهم على أنّ هذا الرجل كان مثالا للمسلم المخلص الذي أفضى إلى ربّه بعد مرض عضال ظلّ يعاني آلامه المبرّحة بصبر واحتساب.

كانت صلتي الأولى بعبد الوهاب حمودة -رحمه الله- عن طريق ما كان يصلنا في مجلة جوهر الإسلام عن طريقه في سبعينات القرن الماضي من مقالات كان يجمعها للمفكّر الكبير الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله- باللغة الفرنسية وكانت تأخذ طريقها للنشر على صفحات جوهر الإسلام في قسمها الفرنسي.

ولم تلبث العلاقات أن توطّدت بيننا من خلال الموقع الذي تولاّه في وزارة الشؤون الدينية والتعليم الأصلي (وهي التسمية القديمة لتلك الوزارة) ففي قسم البحوث والملتقيات كان الأستاذ عبد الوهاب حمودة – رحمه الله - العقل المدبّر والواضع للتصوّرات والذي يختار المحاور للملتقيات وكان -رحمه الله- من يضبط قائمة المدعووين من العلماء والمفكرين والمستشرقين والإعلاميين الذين يحضرون كلّ عام أشغال تلك الجامعة المفتوحة المتنقلة عبر التراب الجزائري الواسع الأرجاء (شمالا وجنوبا وشرقا وغربا فما من ولاية إلا وعقد فيها ملتقى للفكر الإسلامي)، وكانت بحق منتدى علميّا رفيع المستوى مفتوحا لكل الآراء ولكل المدارس الفكريّة والمذهبيّة ومفتوحة أيضا لكبار المفكّرين والمستشرقين من مختلف القارات وكانت فرصة ثمينة للتعارف والتواصل بينهم طيلة أيّام الملتقى التي تمتدّ إلى أكثر من أسبوع في عمل مارطوني وفق جدول أعمال مدقّق ومضبوط يتمّ إحترامه يكاد يكون حرفيّا وفي ذلك تبدو جليّة بصمات عبد الوهاب حمودة -رحمه الله-

مارس عبد الوهاب حمودة هذه المهمة على تداول الوزراء الذين تولّوا مسؤولية الشؤون الدينية في الجزائر والذين نذكر منهم الأساتذة " مولود قاسم، بوعلام باقي، عبد الرحمان شيبان رحمهم الله والدكتور سعيد شيبان حفظه الله.

لقد آمن الأستاذ عبد الوهاب حمودة -رحمه الله- بأهميّة الفكر الإسلامي وضرورة التعرّف عليه والنهوض به باعتبار أنّ المعركة في العالمين العربي والإسلامي هي معركة فكريّة قبل كل شيء وهو –رحمه الله- في هذا التوجّه الذي اختاره وعمل في مجاله طيلة حياته هو إمتداد لمدرسة المفكر الجزائري الكبير مالك بن بني -رحمه الله- والذي يعتبر بحقّ ابن خلدون القرن العشرين بما أبدعه وتفرّد به من طرق للمسألة الحضاريّة التي عالجها من كلّ جوانبها: المعنويّة والماديّة وجاء فيها بالجديد الذي لم يسبق إليه، وكان مالك بن نبي -رحمه الله- المبشر من وراء الغيب بما ألهمه بالكثير مما عشناه وشهدناه في أخريات حياته وبعد وفاته في الثلث الأخير من القرن العشرين.

لقد كتب ابن نبي وحاضر وناظر وحاور في مواضيع: الظاهرة القرآنية، وشروط النهضة، ومشكلة الثقافة، ومشكلة الأفكار، وفكرة الأفرو آسيوية، والمسلم في عالم الإقتصاد، ووجهة العالم الإسلامي وغير ذلك مما هو مسطور في كتبه ومذكّراته.

لقد تشرّب عبد الوهاب حمودة -رحمه الله- أفكار مالك بن نبي وكان رسوله في الجامعة الجزائرية وليس من العجيب ولا الغريب أن تنطلق ملتقيات الفكر الإسلامي الدولية العتيدة من مجلس مالك  بن نبي -رحمه الله-  وكان عبد الوهاب حمودةمع صفوة من أبناء الجزائر البررة الذين غادرنا البعض منهم إلى دار البقاء –رحمهم الله– كانوا حول الأستاذ مالك بن نبي يتلقون عنه منهجا في التفكير والتحليل إختصّ به لو كتب له أن يجد من ينطلق به معرّفا بمميزاته لجنّب الساحة المغاربية والعربية والإسلامية الكثير من العثرات والمعارك المخسورة التي لا موجب لها ولكن لا نقول إلا ما قال الله في كتابه العزيز (لكل أجل كتاب) ولعل فكر ومدرسة مالك بن نبي هي التي تكون في نهاية المطاف الملاذ المخلّص من هذا التخبّط الذي نشهـده ونعيشه ونتألم له مثلما كان يتألم له أخونا عبد الوهاب حمودة –رحمه الله-.

لقد كانت بين الشيخ  الوالد الحبيب المستاوي وبين الأستاذ عبد الوهاب حمودة -رحمهما الله- وأسكنهما فراديس جنانه علاقات مودّة ومحبّة وتواصل فكري وروحي وكان للوالد الدور الكبير في إصلاح ذات البين بين الأستاذين مالك بن نبي ومولود قاسم -رحمهما الله- حيث إستجاب الأستاذ مولود لطلب الوالد في الذهاب سويّا إلى الأستاذ مالك في بيته لوصل ما بين الرجلين من علاقة كانت الجزائر في أمسّ الحاجة إليها وكان ذلك بمناسبة إنعقاد أحد ملتقيات الفكر الإسلامي وكانت فرحة الأستاذ عبد الوهاب حمودة بذلك كبيرة لا يمكن وصفها.

وإني لأحفظ للأستاذ عبد الوهاب حمودة -رحمه الله- حرصه وكذلك حرص السّادة وزراء الشؤون الدينية في الجزائر على أن تظلّجوهر الإسلام حاضرة في ملتقيات الفكر الإسلامي فقد اعتبروها لسان الفكر الإسلامي الأصيل الوسطي وهي بدورها لم تتأخر عن أن تعمّم الاستفادة من أشغال ملتقيات الفكر الإسلامي بما صدرته من أعداد خاصّة.

رحم الله الأستاذ عبد الوهاب حمودة رحمة واسعة وجازاه عن دينه وأمته خير الجزاء إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.