محمد الأمين العمودي الكاتب الصحفي المصلح الشهيد

بقلم: محمد الطيب-

كان مصلحًا وشاعرًا وأول أمين عام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولد بوادي سوف في 1891، نشأ وسط عائلة فقيرة تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه بالمدرسة القرآنية، ثم دخل إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية الأهلية..

وبعد نجاحه انتقل إلى بسكرة لمواصلة دراسته الإعدادية لكنه سرعان ما طرد منها، كما طرد مرّة أخرى من المدرسة الرسمية بقسنطينة، وكان في مساره الدراسي من نبهاء الطلاب وأحرارهم، وكان لديه إحساس حاد بالتفاوت الطبقي بين الطلاب ولم يستطع إكمال دراسته لإقصائه منها، وهذا لم يمنعه من الحصول على مستوى ثقافي جيد باللغتين العربية والفرنسية، عين في وظيفة متواضعة بمحكمة "فج مزالة"، غير أنه لم يستمر فيها طويلاً وتركها ليعمل في مجال الترجمة، أين ربط علاقات متشعبة مع مثقفي المنطقة من أدباء وشعراء، ثم راح ينتقل بين المدن الجزائرية وكانت مواهبه قد بدأت تتجلى وبلغت شهرته أوجها في نهاية الحرب العالمية الأولى.

كانت بداية نشاطه في مجال الدعوة إلى إصلاح أوضاع المجتمع الجزائري من خلال الصحافة، حيث نشر مقالاته في جريدة "الإقدام" التي كان يصدرها الأمير خالد، ثم بجريدة "المنتقد" التي كان يصدرها ابن باديس، وجريدة "الإصلاح" التي كان يصدرها الطيب العقبي، كما أظهر نشاطا سياسيا بمساندته للأمير خالد في حملته الانتخابية، ثم مع الدكتور سعدان حين ترشح ببسكرة، عندما نادى علماء الجزائر المسلمون لإقامة تنظيمهم "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" سنة 1931، كان في طليعة المتحمسين للدعوة، اتضح دوره الإصلاحي، وفي الاجتماع الأول وقع عليه الاختيار ليكون الأمين العام للجمعية، وترتب على ذلك انتقاله إلى العاصمة تاركاً بسكرة، وفي العاصمة مارس عمله الخاص كوكيل شرعي ومهمته ككاتب لجمعية العلماء وتعزز من مركزه في العاصمة، واستطاع بناء علاقة مع ابن باديس والأمير خالد من قبل أن يوجه مطالب جمعية العلماء بعيدا عن تعنت الإدارة الاستعمارية وتحرشاتها، واختير رئيساً للوكلاء الشرعيين فضاقت به سلطات الاحتلال وأوقفته عن العمل ستة أشهر وحرضّت زملاءه الوكلاء على إبعاده عن رئاسة تنظيمهم، وأبعدته عن العاصمة فاستقال من الوكالة وأسس جريدة "الدفاع" باللغة الفرنسية فدافعت عن القضية الوطنية بكل حزم وثبات، حتى تصل إلى المتعلمين بلغة الاستعمار، وبرز دوره السياسي في الجهود التي بذلها لتنظيم المؤتمر الإسلامي، وكان أحد الموفدين إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمر الإسلامي إلى الحكومة الفرنسية، كما قام بحملة شرح وتوعية لنتائج المؤتمر بعد عودته من باريس.

أنشأ عام 1937 جمعية شباب المؤتمر الإسلامي، ويروي الأستاذ حمزة بوكوشة "أن العمودي هو الذي أوحى لابن باديس بفكرة الدعوة لعقد المؤتمر الإسلامي، وفتحَ له صدر جريدته، ولما انعقد المؤتمر اختير عضواً في وفد المؤتمر ومترجماً له"، توزع نشاطه الفكري بين الشعر والنثر والترجمة، وكانت مواضيع شعره اجتماعية ووجداينة، وأخرى ساخرة، وأسلوبه يجمع بين الطرافة إلى السلاسة والعذوبة، أما في النثر فقد كانت كتابته تعمر بروح الثورة على الأوضاع بدءاً بالمدرسة وحتى الأوضاع المعيشية معتبراً أن الاستعمار وحده مسؤولاً عن تردي الأوضاع، وكان أحياناً يوقع مقالاته باسم مستعار، كما كان يكتب في جريدته وفي جرائد الأخرى منها : "النجاح" و"الإصلاح" و"الشهاب"، أما بالفرنسية فإنه كان يحرر افتتاحيات جريدته التي كانت منبراً من منابر الحركة الوطنية تخاطب الفرنسيين بلغتهم وتفضحهم بلسانهم، ويغلب على كتاباته بشكل عام الطابع الوطني الإسلامي، لأن كل ما يهمه هو أن يدافع عن الإسلام والجزائر وأن يتصدى لمن يتجنَّونَ عليهما ويسيئون إليهما..

ورغم ما تعرض له من مضايقات استمر في إصدارها ومع أن ذلك كلفه كل ما يملك من عقارات في بسكرة غير أن علاقته بجمعية العلماء لم تستمر طويلاً ولكنه بقي وفياً لمبادئها، وبعد فترة ترأس مجموعة من الشباب لمتابعة وملاحقة مطالب المؤتمر، وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية اعتُقِل مخلفاً وراءه زوجته وأبناءه بدون معيل، فلم يخرج من السجن إلا بعد تعهد بعدم الوقوف موقفاً معادياً من السلطة، وفي آخر أيامه توالت عليه العلل ، ولكن وضعه المادي لم يتحْ له البقاء في منزله فكان يخرج للعمل حتى في الأيام العصيبة، وظل على نشاطه إلى غاية الحرب العالمية الثانية أين فضل اعتزال السياسة إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية، كما كانت المعلومات تجمع من قبل مناضلي جبهة التحرير الوطني ويقدمها له الشيخ الصديق مصباح لصوغها في تقارير، ويعود له الفضل لتحريره وترجمة التقرير عن التعذيب الجهنمي والأساليب الوحشية التي كانت السلطات الاستعمارية تعتمدها ضد الشعب الجزائري، الملف الذي قدمه "عبد القادر شندرلي" للجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة في 1957 والمتضمن لحقائق دامغة كشفت الستار عن مخازي التعذيب في مراكز الكوت التي كانت القوات الفرنسية تستعملها للإستنطاق مدعمة بأسماء المعذبين ولأسماء الضباط القائمين بالإبادة والتصفية الجسدية لمناضلي جبهة التحرير الوطني وغيرهم من المواطنين، والسجون والمحتشدات وكل ما يثبت مخازي الاستعمار ويزيح الستار عن جرائمه النكراء وأساليبه المتوحشة التي فاقت أعمال البرابرة، ورغم أنه لم يظهر أي نشاط ثوري مباشر إلا أن السلطات الاستعمارية لم تغفله بل اختطفته عصابة "اليد الحمراء" يوم 10 أكتوبر 1957، وبعد عدة أيام وجدت جثته بنواحي العجيبة شرق البويرة، وذكر الأستاذ "شريبط" في كتابه (مباحث في الأدب الجزائري المعاصر) حول حادثة استشهاده ما يرويه ابنه أحمد العمودي الذي قال "تم اختطافه صبيحة خميس، أين كان متجهاً لعمله بمحكمة الجزائر، وأن رئيس بلدية البويرة الفرنسي الرافض للحرب على الشعب الجزائري، كان يعرفه، وكان مقرراً أن يلقى به ضمن مجموعة الأبرياء الذي اغتالتهم الأيدي الآثمة في حفرة كبيرة، فلما عرف بأنه معهم رفض التصريح للدرك بالدفن الجماعي وأمرهم بالإتصال بأسرته"، استشهد وعمره يناهز 66 سنة، رحمه الله، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.